تونس أمام رهان القطع مع سياستها الاستثمارية البالية

مطالبات بالقضاء على البيروقراطية وتفكيك كافة العراقيل أمام تدفق رؤوس الأموال الأجنبية.
الثلاثاء 2022/05/24
هل لديكم فكرة عن تصنيع منتجاتنا؟

تجمع الأوساط الاقتصادية التونسية على أن الحكومة تواجه تحديات كبيرة من أجل تسريع وتيرة جذب رؤوس الأموال الأجنبية من خلال القطع مع السياسات القائمة والتي ظلت عائقا أمام تطوير بيئة الأعمال خاصة وأن الوضع الاقتصادي يقتضي النظر إلى القطاع بأكثر انفتاح ومرونة.

تونس- وضعت الحكومة التونسية تطوير الاستثمار الأجنبي أحد أهداف سياساتها لجعله محركا لبناء الاقتصاد العليل، ما يستدعي وفق خبراء توفير حزمة من الشروط في مقدمتها القضاء على البيروقراطية وخلق مناخ أعمال مستقر فضلا عن مراجعة السياسة النقدية.

وينبع رهان تونس على استقطاب الاستثمارات الأجنبية استنادا إلى المؤشرات الإيجابية التي نقلتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية مؤخرا عن وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي، إذ أشارت إلى أن تدفق الاستثمارات نما في الربع الأول من 2022 بواقع 73 في المئة بمقارنة سنوية.

ويعود هذا الارتفاع إلى حزمة من الاستثمارات التي شهدتها تونس في مارس الماضي من بينها، إعلان مجموعة بوخاطر عن استئناف مشروع طموح بقيمة خمسة مليارات دولار، فضلا عن تدفق رؤوس أموال على قطاع الطاقة النظيفة بقيمة تتجاوز 410 ملايين دولار.

الصادق جبنون: يجب إزاحة العوائق القانونية والبيروقراطية أمام المستثمر

وتسببت قيود الإغلاق التي أثرت على مجمل الأنشطة الاقتصادية بالبلاد خلال العامين الماضيين، في تراجع حجم الاستثمار الخارجي ليصل إلى 652 مليون دولار نهاية العام الماضي مقارنة مع 845 مليون دولار في نهاية 2019.

وتمر تونس بوضع مالي واقتصادي صعب انعكس بوضوح على عدة مؤشرات من بينها التضخم الذي يبلغ 7.5 في المئة وتفاقم العجز التجاري. وما يزيد من القلق هو انحدار قيمة العملة المحلية أمام الدولار.

وسبق أن قالت رئيسة الحكومة نجلاء بودن إن “الدولة نجحت في تسديد ديونها الخارجية والداخلية وفي توفير احتياطي مقبول من النقد الأجنبي، رغم الظرف الاقتصادي الصعب وغير المسبوق”.

ويربط خبراء اقتصاد تحسن مناخ الأعمال بضرورة تجاوز العقبات القائمة، على غرار صعوبة الإجراءات الإدارية وتشعبها، علاوة على تطوير الخدمات اللوجستية وتبني خطاب سياسي مطمئن.

ويرى المستشار الاستثماري الصادق جبنون أن الاستثمار هو المحرّك الأساسي للاقتصاد، وتونس اليوم تحتاج إلى تفعيل هذا المحرك لتحقيق الطموحات الاقتصادية للتونسيين من حيث توفير فرص العمل.

وفسّر نمو تدفق رؤوس الأموال منذ بداية هذا العام بـ”الارتفاع الآلي، باعتبار أن نسبة النمو الاقتصادي كانت في انكماش عند سالب 8 في المئة بسبب تداعيات الجائحة، وأنه عند عودة النشاط ارتفع الطلب على السلع والخدمات ما أدى إلى ترفيع وسائل الإنتاج”.

وقال جبنون لـ”العرب” إن “هذه البداية تستحق التشجيع، ويجب إزاحة العراقيل القانونية والبيروقراطية أمام المستثمر، فضلا عن قانون الصرف الذي يكبل خطط تطوير القطاع”.

◙ الحكومة تسعى إلى اعتماد برنامج لرقمنة الإدارة والخدمات المتعلّقة بتأسيس الشركات ودعم السيولة لديها وتيسير النفاذ إلى التمويل

ومع ذلك ركز على نقطة مهمة وهي الصعوبات اللوجستية أمام انسياب السلع، مثلما هو الحال في ميناء رادس، والتي يفترض حلها بسرعة.

ويعتقد جبنون أنه على الحكومة استهداف رقم سنوي من الاستثمار الأجنبي يتراوح بين مليارين و3 مليارات دولار لتحقيق أهدافها عبر تحسين الفرص مع الدول الآسيوية وأفريقيا والأميركيتين خاصة مع عودة الطلب على السلع والمنتجات.

ولا يزال قطاع الصناعات التحويلية يستحوذ على معظم الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 54 في المئة، تليه الطاقة بنسبة 33 في المئة.

في المقابل تقدر نسبة التراجع في الخدمات بنحو 44 في المئة، وهو على ارتباط وثيق بالسياحة التي كانت حصيلتها ضعيفة للغاية، ما جعل حصة القطاع من إجمالي تدفقات رؤوس الأموال لا تزيد على 9 في المئة في 2019.

وركز قانون الاستثمار الجديد الذي أقرته تونس في أبريل 2017 على الاستثمار في المحافظ المالية عبر التخلص من التراخيص المسبقة وعدة إجراءات أخرى تمكن المستثمرين الأجانب من دخول السوق المحلية.

رضا الشكندالي: الجباية مرتفعة مقابل تراجع الدينار ما يثقل كلفة الاستثمار

وأقر القانون الذي تضمن إنشاء هيئة للاستثمار تشرف على القطاع امتيازات كبيرة للمستثمرين الأجانب بمنحهم حق إطلاق مشاريع في كل المجالات بعد أن كان القانون السابق الذي تم إقراره في العام 1993 يسمح فقط بالنشاط في القطاع الصناعي.

وكان يفترض أن يسهم القانون في الدفع بسوق العمل من خلال توفير فرص وظيفية أكبر للشباب، لكنه لم يحقق أهدافه ما جعل حكومة بودن تبحث عن آليات جديدة لتشجيع الشركات من دول العالم على ضخ أموالها بالبلاد.

ويرى أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي أنه لا يمكن تحديد نمو الاستثمار الأجنبي بالاعتماد على نتائج ربع واحد، أي الفترة الفاصلة بين يناير ومارس الماضيين، خاصة عند مقارنتها بالربع الأخير من 2021 والتي تأثرت بتداعيات الجائحة، وبالتالي التقييم النهائي يفترض أن يكون في نهاية 2022.

وقال لـ”العرب” إنه “لتطوير الاستثمار الأجنبي علينا أولا أن نهتم بالاستثمار الداخلي، وهناك حالة من التردد والتخوّف لدى التونسيين للإقبال على الاستثمار، فضلا عن أهمية العامل السياسي وضرورة تجاوز حالة الارتباك القائمة”.

وتابع “لدينا إدارة تقتات من الضرائب، ونحتل مرتبة سيئة في كمية الإجراءات وطول الآجال، وهي لا زالت تعطّل وتيرة الاستثمار، وهذا ما يستدعي مرونة أكبر خاصة وأنها مرتبطة أساسا بمناخ سياسي ملائم وخطاب واضح”.

وأكد الشكندالي أنه على الحكومة خفض الضرائب وإصلاح السياسة النقدية خاصة وأن ثمة توجه لزيادة أسعار الفائدة في ظل تراجع قيمة الدينار وهو ما يثقل كلفة الاستثمار.

وكانت بودن قد قالت في مارس الماضي إن “التدابير العاجلة التي أقرتها الحكومة في فبراير 2022 تعتبر من أبرز عناصر البرنامج الإصلاحي الذي يهدف إلى تحسين مناخ الاستثمار والأعمال”.

وأشارت حينها إلى أن الإجراءات ستساعد على معالجة الخلل في التوازنات المالية مع تقديم تسهيلات للمؤسسات الاقتصادية وتنمية قدرات التصدير وتفكيك العقبات أمام المبادرات الخاصة.

قطاع الصناعات التحويلية لا يزال يستحوذ على معظم الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 54 في المئة، تليه الطاقة بنسبة 33 في المئة

وتسعى الحكومة إلى اعتماد برنامج لرقمنة الإدارة والخدمات المتعلّقة بتأسيس الشركات ودعم السيولة لديها وتيسير النفاذ إلى التمويل.

كما تعمل على إعطاء نفس جديد للمشاريع العمومية المتوقفة ودفع وتيرة استثمارات القطاع الخاص مع تنشيط الصادرات.

وتخوض تونس ماراثونا صعبا من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على خط ائتمان بقيمة أربعة مليارات دولار حتى يساعدها في الخروج من أزماتها المالية. وقد قدمت برنامجا تفصيليا لعميلة الإصلاح الاقتصادي.

10