الهجمة البرلمانية ضد الخُلع في مصر تمهّد لتقييد تطليق الزوجة لنفسها

تزامنا مع تحركات الحكومة المصرية ضد ظاهرة الطلاق، يصعد نواب في البرلمان ضد قانون الخلع معتبرين أنه السبب الرئيسي وراء تزايد حالات الطلاق. ويذهب النواب إلى حد حرمان الزوجة التي تخلع زوجها من مستحقاتها المالية لأنها فعلت ذلك بإرادتها، متحججين بأن الأسباب التي تدفع الزوجة إلى الخلع عادة ما تكون واهية لذلك لا تستحق تعويضا من الزوج، حسب اعتقادهم.
القاهرة- يوحي تصعيد العديد من نواب البرلمان في مصر أخيرا ضد قانون الخلع واتهامه بأنه السبب في قرابة 90 في المئة من حالات الطلاق بوجود نوايا شبه رسمية بتقييد تطليق الزوجة نفسها، وعدم استبعاد تعديل القانون الخاص به، بالتزامن مع تحركات حكومية حثيثة لمواجهة ظاهرة الطلاق التي أصبحت بعيدة عن السيطرة.
وتمسك نواب في البرلمان بحرمان الزوجة التي تخلع زوجها من الحصول على تعويض تأميني، كما يحدث مع المطلقة بقرار من زوجها أو المطلقة بسبب الضرر، باعتبار أن الزوجة التي تطلق شريكها بإرادتها لا تستحق الحصول على تعويض مادي أو تستفيد من التشريع الخاص بالتأمين الموحّد الذي أقره مجلس النواب مؤخرا.
وشن إسلام عامر نقيب المأذونين هجوما ضاريا على قانون الخلع، واصفا إياه بأنه “سبب خراب الأسرة المصرية”، وتحدث عن تسببه في 88 في المئة من حالات الطلاق، وهي إحصائية استثمرها بعض أعضاء مجلس النواب للهجوم على قانون الخلع، والمطالبة بتعديله وتقييد حجج المرأة في استخدامه بدلا من حالة الاستسهال الموجودة.

إسلام عامر: تعديل قانون الخلع أصبح ضرورة وخطوة لا بد منها
وأشار بعض النواب خلال مناقشة قانون التأمين الموحد ردا على هجوم تعرض له البرلمان من استثناء الخالعة من الحصول على تأمين ضد الطلاق، إلى أن هناك أسبابا واهية للخلع لا تستحق تعويضا من الزوج ولا يمكن استمرار القانون بصورته الحالية، لأنه يتسبب في هدم الآلاف من الكيانات الأسرية سنويا.
وترى منظمات نسوية أن هجمة البرلمان ضد قانون الخلع توحي بأن هناك نية لتعديله في القريب العاجل، وأن هذا التصعيد مقصود منه خلق أجواء مواتية للحصول على تأييد شعبي، والضغط على الحكومة لإجراء تغييرات في نصوص التشريع المطبق منذ 22 عاما، مع أنه أنقذ نساء كثيرات من القهر والذل والعنف اللفظي والجسدي.
ويُعطي قانون الخلع في مصر للزوجة الحق في أن تطلق نفسها أو يحكم قاضي محكمة الأسرة بتطليقها متى أرادت، طالما أفصحت عن استحالة العشرة مع زوجها، لكن مقابل ذلك تقر بتنازلها عن كامل حقوقها المادية والأدبية، ولا تحصل على نفقة ومؤخر صداق ولا يحق لها الحصول على مزايا مثل التي تم تطليقها بشكل تقليدي.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُصعد فيها نواب البرلمان المصري ضد قانون الخلع، فخلال العام الماضي جرى فتح باب النقاش حول ضرورة تعديله، وتم تحديد أسباب مقنعة تستند إليها الزوجة في طلب طلاقها ولا يكون ذلك مفتوحا أمام كل امرأة تطلب هدم كيان الأسرة، لكن تم غلق الملف أمام التنديد والرفض الواسع من المنظمات النسائية.
ويطالب مؤيدو تعديل قانون الخلع أن تقتصر دوافع الخلع على السماح للزوجة بطلب الطلاق عن طريق المحكمة إذا كانت متضررة، بمعنى وجود عجز جنسي أو تتعرض لأذى جسدي يتم إثباته في تقارير طبية وشهادة الشهود لغلق باب استسهال الخلع.
ووفق العديد من الشواهد، فإن تصعيد البرلمان ضد قانون بعينه يوحي بأنه مقدمة لتعديله مهما بلغت درجة الرفض المجتمعي حوله، وأن غضب المنظمات النسوية لن يجدي نفعا أمام تمسك نواب البرلمان بالتعديل، وإصرار الحكومة على البحث عن حلول جذرية لاستفحال أزمة الطلاق وما يترتب عليها من منغصات أسرية.
محمد هاني: انتشار ظاهرة الخلع تعكس تحرر الكثير من الزوجات من القيود العائلية المحافظة
ومن المستبعد أن تبادر الحكومة من تلقاء نفسها بإدخال تعديلات على قانون الخلع وإرسالها إلى البرلمان لمناقشتها والتصديق عليها لأنها لا تريد الدخول في مواجهة مع المرأة، التي يفترض أنها مدعومة من الرئيس عبدالفتاح السيسي شخصيا وتحظى بتقدير دائم وحصلت على مكاسب مختلفة منذ رئاسته للبلاد.
وترى الحكومة أنه من الأفضل أن تكون بعيدة عن المشهد لتمنح التعديلات مباركة رسمية بالصمت عن الجدل الدائر حول مطالبة البرلمان بتعديل قانون الخلع، وهذه إشارة غير مباشرة إلى النواب للمضي قدما في فتح هذا الملف، فهي لا تريد أن تبدو كأنها تحابي الرجل على حساب المرأة وتفضل أن تظل على الحياد بين الطرفين.
وأكد إسلام عامر نقيب المأذونين لـ”العرب” أن تعديل قانون الخلع أصبح ضرورة وخطوة لا بد منها إذا أرادت الدولة الحفاظ على الكيانات الأسرية من الانهيار، وهذا ليس موجها ضد النساء أو محاولة للتضييق عليهن بقدر ما يهدف إلى التصدي لاستسهال الطلاق دون أسباب مقنعة، والمشكلة أنه يتم الحكم بتطليق المرأة خلال أسابيع قليلة وكثيرا ما يكون ذلك دون علم الأسرة.
وأضاف أن الأزمة تكمن في أن الخلع أصبح بالنسبة إلى شريحة كبيرة من النساء سهلا كأن الزواج رفاهية، خاصة للفئات حديثة الزواج التي لا تعرف قدسية هذه العلاقة، أو تُدرك خطورة انهيار الحياة الزوجية، وهذه مسؤولية تتشارك فيها الأسر لأنها لا تثقف فتياتها بصورة كافية أو تعرفهن كيفية حل الخلافات الزوجية دون اللجوء إلى خيار الطلاق، بل تتركهن يتصرفن وفق ظروفهن المعيشية دون وعي.
وتؤكد أسباب الخلع التي تفصح عنها محاكم الأسرة بين الحين والآخر أن الزواج بالنسبة إلى بعض النساء مجرد جولة إذا كسبنها يقررن الاستمرار ولو خسرن مبكرا يطلبن عدم البقاء مهما بلغت الخسائر ومهما كانت التكاليف، أي أن هناك أسبابا غير مقنعة ولا تستحق إنهاء العلاقة الزوجية، وهو ما ينم عن عدم فهم وغياب وعي لدى حديثات الزواج بماهية الحياة الأسرية وكيفية إدارتها والتعامل مع أزماتها.
ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن التلاعب بقدسية الحياة الزوجية يتطلب تعديل قانون الخلع لتكون هناك قواعد يستند عليها القاضي قبل خلع المرأة زوجها، فلا يمكن ترك القانون مفتوحا للجميع دون ضوابط حاكمة، وحالة الرفض النسائية ضد أي مساس بالقانون مرتبطة بالنزعة التحررية التي أصبحت سمة عند الكثير من المصريات على حساب تراجع دور الرجل في حياتهن.
نواب في البرلمان تمسكوا بحرمان الزوجة التي تخلع زوجها من الحصول على تعويض تأميني، كما يحدث مع المطلقة
وقال محمد هاني الاستشاري في العلاقات الأسرية في القاهرة إن انتشار ظاهرة الخلع تعكس تحرر الكثير من الزوجات من القيود العائلية المحافظة التي تعتبر تطليق الزوجة لنفسها من الأمور المعيبة، ويبرهن على غياب ثقافة التفاهم بين الشريكين، وعدم فهم الأجيال الجديدة للطبيعة التي يجب أن تكون عليها العلاقة الزوجية السوية.
وأوضح لـ”العرب” أن تقنين حق الزوجة في الخلع ضمانة للاستقرار الأسري في ظل حالة الاستسهال غير المبررة في إنهاء العلاقة الزوجية، ما يتطلب تثقيف الأبناء وتوعيتهم بتحمل المسؤولية وإدارة مشكلاتهم بحكمة وعقلانية وتريبتهم على ألا يكون الطلاق أفضل حل للخلافات، وهذا يتطلب توسيع دائرة تأهيل المقبلين على الزواج قبل التعويل على تعديل قانون الخلع لمواجهة ظاهرة الطلاق في المجتمع.