اللبنانية وفاء نصر تنسج لوحاتها من أقمشة الأحلام

"نسيج من حياتي".. معرض مرتبك يبحث عن ميلاد تجربة فنية جديدة.
الأربعاء 2022/04/27
فن منصهر في الواقع

تطوع الفنانة اللبنانية وفاء نصر الخيوط والنسيج لإنتاج لوحات عن نساء ماهرات في هذا الفن، وهي تلتمس أولى خطواتها في الاحتراف الفني وتحاول رسم نقطة انطلاقة واضحة لتجربة فنية مختلفة، لكنها تبحث عن هويتها بالبعض من الفوضى.

تستضيف صالة “إكزود” الفنية المعرض الفردي الأول للفنانة التشكيلية اللبنانية وفاء نصر تحت عنوان “نسيج من حياتي”. ويتضمن المعرض مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية مختلفة الأحجام والمشغولة بمواد متنوعة أهمها ألوان الأكريليك.

في زمن تعلو فيه نبرة التوتر والأحلام المهدورة تستعرض الفنانة التشكيلية اللبنانية وفاء نصر من خلال 26 لوحة أحلاما وردية ناجية من الكوابيس. هي أحلام استلتها الفنانة، خيطان دقيقة من شلة حرير ملونة تعيش في صميمها لتنهمك بحياكتها عبر سرد قصصي يعتمد على مشاهد وأجواء عابقة بالتفاؤل.

وفي حين يعتبر الكثيرون أن هذا النوع من الفن هو مفصول عن الواقع المعيش، يؤكد آخرون، وهم على الغالب محقون في ذلك، أن العيش في صميم المآسي ينتج أسلوبين مختلفين في التعبير: أحدهما إدانة ومقاومة حادة وغوص في المآسي، والآخر تطهير ومحاولة ليس تجميل الواقع بقدر ما هي محاولة للقبض على اللحظات الجميلة مهما ندرت وتظهير الانطباعات والمشاهد الباسمة التي لا تخلو من الحزن في لوحات عديدة تنحو أحيانا إلى المبالغة التي تشرعنها كل ممارسة فنية. مبالغة بدورها لا تقوم على الكذب والتكاذب، بل على القدرة على اجتراح الفرح من صميم الحزن.

وتنتمي لوحات الفنانة نصر بقوة إلى النوع الثاني من الفن. ومن العناوين التي أطلقتها على أعمالها نذكر “لبيروت” و”نسيج الذكريات”.

ومما قالت الفنانة حول أعمالها تلك “إلهام غامض وجميل ينتابني ما إن أتصل بهذه الخيطان. وكأنها صلة الوصل مع كلمة، أو جملة، أو قصيدة، أو قصة، حيث أسمع الصدى العميق بالغ التأثير، والذي يجعلني أتذكر، للحظة على الأقل، المادة التي يتكون منها نسيجنا الحقيقي، وأين يقع موطننا الأصلي”.

وتستطرد الفنانة قائلة “الروح.. تغذينا بالحكايات.. حلقات من الحكايات الإنسانية متصلة مع بعضها البعض في نسيج الوجود، ومتصاعدة عبر الزمان والمكان، زاخرة، تتدفق منها الحياة التي ما تزال تنبض فيها..”.

☚ الحياكة والنسيج ظهرا في معظمهما من خلال النسوة اللاتي يقمن باستخدامهما أكثر مما ظهرا كلغة منفردة لها قوانينها
☚ الحياكة والنسيج ظهرا في معظمهما من خلال النسوة اللاتي يقمن باستخدامهما أكثر مما ظهرا كلغة منفردة لها قوانينها

الحياكة والنسيج في الفن لهما باع طويل وقد حضرا لاسيما في أعمال الفنانات المناصرات لقضايا المرأة واستخدما فعليا في اللوحات أو رسمت معالم تحاكيهما في اللوحات حتى أنهما برزا كفن يرسي آراء وتطلعات سياسية مشروعة. غير أن الحياكة والنسيج في لوحات الفنانة ظهرا في معظمهما من خلال النسوة اللاتي يقمن باستخدامهما أكثر مما ظهرا كلغة منفردة لها قوانينها ومساراتها ورموزها وإحالاتها.

وظهر فعل الحياكة في لوحات الفنانة اللبنانية في معظم لوحاتها من ناحية على أنه فعل تزيين وتجميل للواقع المعيش ومن ناحية ثانية على أنه احتفال بالحياة وزخم يستحق كل الألوان وتدرجاتها التي أغدقتها الفنانة بإسهاب على قماش لوحاتها.

ورأى أستاذ الفن وعلوم الفن في المعهد العالي في الجامعة اللبنانية جميل قاسم في قراءة لمعرض نصر أن ما قدمته الفنانة هو “تأمل جمالي حول نسيج العلائق في الكون والمجتمع والإنسان في روابطه المتعددة”.

وأضاف قائلا “هذه الروحانية، والشاعرية في الشكل، والاختيار، وضربة الريشة، والتقنية الجديدة (التي تقوم على الجدة) التي حولت بواسطتها الحياكة كتيمة في لوحاتها، إلى طريقة مبتكرة شكلا ولونا ومضمونا، إلى تيمة أنطولوجية تتساءل عن علاقة العمل الحرفي بالحياة والوجود والمطلق وبالمحيط الاجتماعي والعائلي المتمثل في الوطن، والمدينة، والجبل والقرية والطبيعة بالحكمة الربانية المنورة..”.

ويصوّب الدكتور قاسم انتباه المُتلقي الفني لأعمال نصر حول أهمية البعد الجمالي والتشكيلي في الأعمال ويردها إلى “الروحانية في الفن، التي توظف القيمة الجمالية في خدمة لوحة ‘من الشكل إلى اللون’. يغلب على لوحة الفنانة استعمال مادة الأَكريليك بصفائها ورونقها في تعبيرية تطغى عليها تقنية المواد المختلفة. وتستوحي الفنانة أيضا من المنمنمات المشرقية مع مزيج من نسيج يجعل من الحياكة صنعة وحرفة وطريقة فنية تشكيلية في معية واحدة”.

نسيج العلائق في الكون والمجتمع
نسيج العلائق في الكون والمجتمع

غير أنه يجدر القول بصدد المعرض بشكل عام إنه ثمة نقطة ضعف في النتاج الفني المعروض في الصالة وهو مفهوم تماما بالنسبة إلى فنانة تعرض فرديا لأول مرة. ويتجلى ذلك في الأساليب المختلفة في التعبير. وتتجلى تلك الضعضعة الفنية حتى في وجوه نسوتها، وهي وجوه حققتها الفنانة بمنطق فني متعدد ومتباعد جدا مما ساهم بإظهار غياب لأسلوب فني واحد ومتكامل تُعرف فيه قبل أن تقوم بتطويره لاحقا في معارضها التالية.

من هذا المنطلق بدت اللوحات كأنها ساحات اختبار واستعراض ضحل، وبحث فوضوي عن الوجهة الفنية التي ستعتمدها الفنانة قبل المضي في تعميق تجربتها الفنية. وربما سيكون من المفيد جدا للفنانة الموهوبة حتما بأن تتأمل في أعمالها وتعيد النظر لا بل من الضروري أن تفكك نصها البصري بروية لعلها تعثر على المفتاح الخاص بها دون غيره والذي سنفتح به عالمها الفني المغاير والمتميز والذي يمكنه أن يحمل إمضاءها.

كما تحار أعمال الفنانة في المضمون أيضا. إذ توجد في صالة العرض أعمال من ناحية تبدو أنها ” تزينه” بألوان وزخارف جميلة وخطوط رشيقة وأجواء محببة لا تريد أن تقول أكثر مما يظهر مباشرة للعيان ولا بأس بذلك إطلاقا. ومن ناحية ثانية توجد في الصالة أعمال ملونة وبديعة لكنها لا تكتفي بذلك إذ ثمة شيء آخر تريد أن تعبر عنه غير الظهور بأبهى حلتها.

14