محاكم التفتيش تصل إلى المسلسلات في مصر

محاصرة الفن بقيود صارمة شبيهة بحصار الإعلام التقليدي تثير الجدل.
الثلاثاء 2022/04/05
الضرورات لا تبيح المحظورات في الإعلام المصري

صدام بين المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بمصر وفريق عمل مسلسل “دنيا تانية” يتحول إلى قضية رأي عام تفاعل معها الجمهور، وخرجت من الإطار الدرامي والإعلامي إلى الديني، في وقت انتقد خبراء نصب محاكم التفتيش للفن.

القاهرة - أقحم المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بمصر نفسه في أزمة جديدة بعدما قرر وقف الحلقة الأولى من مسلسل “دنيا تانية” الذي تقوم ببطولته الفنانة ليلى علوي، وبدأ عرضه في الأول من شهر رمضان، بحجة “احتواء العمل على مشاهد غير أخلاقية، لا تتناسب مع قيم وعادات وتقاليد المجتمع”، مهددا بسحب ترخيص أي قناة تذيع المسلسل من دون ترخيص مسبق للحلقات.

وتحول الصدام بين المجلس وفريق العمل إلى قضية رأي عام تفاعل معها الجمهور، وخرجت من الإطار الدرامي والإعلامي إلى الديني، باعتبار أن التلفزيون يدخل كل البيوت ومن الضروري وضع ضوابط أخلاقية حاكمة لما يبث على الشاشة.

وبدت ردة فعل مجلس تنظيم الإعلام صارمة، رافضا كل الدعوات التي أطلقتها أصوات منفتحة بأن يكون التعامل بحكمة مع العمل الفني طالما يناقش قضية موجودة في المجتمع، لكنه تمسك بوقف الحلقة الأولى من المسلسل بعد شكاوى وصلته من الرقابة على المصنفات الفنية بقيام قناة “النهار” بإذاعة الحلقة المتنازع عليها بالتحايل.

وقال المجلس إن الحلقة تضمنت مشاهد تتعلق بزنا المحارم، محذرا من إذاعتها بالمشاهد التي قررت الرقابة على المصنفات الفنية حجبها، ولن يتوانى في تطبيق المعايير التي يتضمنها الكود الإعلامي المعلن عنه، وتطبيق النصوص الواردة في قانونه حال المخالفة التي تتدرج من وقف الإذاعة حتى سحب ترخيص القناة.

وأذاعت قناة “النهار” الحلقة بما فيها من مشاهد طُلب حذفها من جانب الرقابة، ما أغضب المجلس وجعل مسؤوليه يشعرون بأن نفوذهم يتراجع، فأصدروا بيانا هددوا فيه باقي القنوات التي تعاقدت على بث المسلسل بسحب تراخيصها ووقف بثها، إذا لم تلتزم بالحصول على ترخيص مسبق ببث باقي الحلقات.

أحدث الصدام بين مجلس الإعلام وقناة النهار، ومحطات حصلت على حق بث المسلسل انقساما وسط الجمهور، و هناك من دعم موقف المجلس للحفاظ على هوية المجتمع، فيما هاجمه آخرون لكونه يتجاوز اختصاصاته التي كفلها له القانون وصار ينصب نفسه وصيا على حرية التعبير.

وأكد الناقد المصري محمد رفعت لـ”العرب” أن كثرة المحظورات في الأعمال الدرامية ضرورية، بعكس السينما، لارتباط ذلك بأن المسلسل يدخل كل البيوت، وبمختلف شرائحها الاجتماعية والفكرية والثقافية، وأن التصعيد هدفه ترهيب باقي القنوات من التعاقد مستقبلا على أعمال درامية تخالف التقاليد.

وكشفت الأزمة أن الهيئات الإعلامية لا تزال منفصلة عن الواقع ولا تدرك أن حجب المحتوى في زمن الإعلام الرقمي درب من الخيال، ومجرد التلويح بأن العمل يتضمن مشاهد ممنوع بثها سيلقى رواجا مضاعفا عند الجمهور، ولا يمكن أن تكون نفس العقلية القديمة مهيمنة على إدارة منظومة الإعلام في الوقت الحاضر.

ويعتقد متابعون أن تدخل الجهة التي تدير الإعلام في الأعمال الفنية ووصايتها على ما يذاع وما يُحجب رسالة سلبية توحي بأن المنظومة تعاني أزمة إدارة وفكر، لأن استمرار محاكم التفتيش لا يصنع إعلاما محترفا يتناول القضايا الواقعية، بعيدا عن التعاطي مع الموضوعات المطروحة من وجهة نظر سطحية، أو حتى أخلاقية.

محمد شومان: الحل ليس في الحجب، الأولى مناقشة القضايا المجتمعية بواقعية

وطالما رفضت الجهات المسؤولة عن إدارة المشهد العمل بقاعدة الضرورات لا تبيح المحظورات لن يكون من السهل توقع انفراجة على مستوى حرية الرأي والتعبير والتعددية الإعلامية والدرامية في مناقشة القضايا المسكوت عنها، والمعضلة أنه صار يتم التحجج بذرائع دينية وأخلاقية لدفع الشارع لمساندة هذه القرارات.

ويدور المشهد الذي يتحدث عنه مجلس الإعلام والرقابة على المصنفات الفنية حول اكتشاف بطلة العمل (ليلى علوي) أن زوجها (الفنان السوري فراس سعيد) يخونها مع شقيقتها (مي سليم) في سياق درامي سريع، لم تتضمن الحلقة أكثر من هذا الموقف، ما دفع كثيرين إلى البحث في خلفيات كل هذا الجدل والتصعيد والتهديد والوعيد.

وأبدى مخرج العمل أحمد عبدالعال استنكاره للاتهامات التي تعرض لها المسلسل، قائلا إن “المجلس تسرع في الحكم على العمل الدرامي بدون سبب مقنع.. الحلقات المقبلة ستكشف عن أحداث مغايرة سوف تنسف كل ما قيل عن الحلقة الأولى وسيتبين للجميع أن ما جرى التسويق له من اتهامات لا يمت للعمل بصلة”.

وأصدر منتجو المسلسل بيانا حمل إحراجا لمجلس تنظيم الإعلام، قالوا فيه إن الخط الرئيسي للعمل بعيد كل البعد عن الانطباع الذي وصل إلى الرقابة والمجلس، في إشارة إلى تهمة زنا المحارم، ثم أكدوا في بيان آخر أن حكما غير صحيح صدر على المسلسل، استنادا إلى نهاية الحلقة الأولى ودون مشاهدة العمل بالكامل.

محمد رفعت: كثرة المحظورات في الدراما ضرورية، بعكس السينما

ويعكس تدخل مجلس الإعلام في مسألة الرقابة على المحتويات الدرامية حجم التضارب الحاصل في الأدوار التي من المفترض أن يقوم بها، لأن انشغاله بأمور بعيدة عن صميم صلاحياته، على رأسها ضبط المشهد وإنهاء الفوضى الإعلامية، ترتب عليه تراجع المهنية والمصداقية لتفضيله الوصاية على التطوير.

ونوقشت قضية زنا المحارم في دراما رمضان الماضي بنفس تشكيل مجلس الإعلام الحالي في مسلسل “البرنس” عندما جسدت الفنانة روجينا شخصية فدوى، وخانت زوجها مع شقيقه، وكانت تلتقيه سرا، وصارت بينهما علاقة حميمة ولم يتحرك المجلس ما أوحى للبعض بأنه يكيل بمكيالين.

وقال محمد شومان الخبير الإعلامي لـ”العرب” إن احتواء العمل الفني على مشاهد قد لا تتناسب مع عادات وتقاليد شريحة كبيرة بالمجتمع أمر طبيعي، لكن الحل ليس في حجبها لأن ذلك يكرس المحرمات الموجودة في الإعلام، والأولى مناقشة القضايا المجتمعية بواقعية وأسلوب مرن يتناسب مع فكر وثقافة الشريحة المستهدفة.

وأوضح أن التوعية بالقضايا المعاصرة والغريبة على الشارع فرض عين على الإعلام، والصورة المثالية للمجتمع يصعب أن تتلوث لمجرد أن هناك واقعية في التناول، ثم أن فكرة الحذف لا تتناسب مع التقنيات الحديثة في الإعلام.

ويرى خبراء أن محاصرة الفن بقيود صارمة، مثل التي يُحاصر بها الإعلام التقليدي من تحديد خطوط حمراء محظور تجاوزها والابتعاد عن رصد الواقع بحذافيره، يعطي انطباعا سلبيا عن حرية الرأي والتعبير في مصر، ويضع الحكومة في خانة المتهمة بالتضييق والحصار، مع أنها بريئة من ذلك وهناك جهات أخرى تتبرع بالتعتيم.

16