نجاح المرأة في زواجها الثاني يبدأ بالتوقف عن تقديم تنازلات

إجبار المطلقة على الزواج بدافع الستر ووقف ملاحقة المتلصصين يقودها إلى الفشل.
الجمعة 2022/03/18
إدارة العلاقة مع شريك جديد تتطلب رأيا مستقلا

تواجه المرأة المصرية صعوبة عند قرارها الزواج للمرة الثانية وتجد الرفض غالبا من أسرتها. ويرى استشاريو العلاقات الأسرية أن أزمة الأسر المحافظة تتمثل في أنها تأخذ موقفا عدائيا من زواج المرأة مرة أخرى إلا إذا كان ذلك بضغوط من عائلتها. ويؤكد الاستشاريون على ضرورة أن تتفهم الأسرة قيمة الزواج الثاني للمرأة في إثبات ذاتها.

القاهرة - لا يزال الزواج الثاني للأم المطلقة أو الأرملة خطوة محفوفة بالمخاطر في بعض المجتمعات لكونها ترتبط بتدخلات العائلة في تحديد مسار مستقبلها، فإن وجدت الدعم الأسري قد تواجه رفضا من البيئة القريبة منها، وإذا دعمها المحيطون ربما تجد مشكلة في تذمر أولادها الذين يقابلون زواجها من رجل غير أبيهم برفض قاطع.

تعاني الكثير من النساء المطلقات والأرامل من التدخلات الفجة في حياتهن من جانب الأبوين والأخوة، وقد يتم إجبار المرأة على الزواج من رجل أكبر منها سنا بدافع الستر وإسكات المتلصصين على حياتها وتحركاتها وسلوكياتها، فيحاولون تغيير هذه النظرة بدفعها إلى تقديم تنازلات ترضيهم أولا وأسرتها ثانيا.

ومهما تقبلت أسرة المطلقة أو الأرملة قرار زواجها الثاني، فالمجتمع ربما لا يرحمها ويراها سيدة تتخلى عن أولادها أو لا تحفظ العشرة لزوجها السابق وتبحث فقط عن علاقة زوجية توفر لها احتياجاتها النفسية، أي أنها في كل الأحوال تظل متهمة، لكن العبرة في مدى شجاعتها واستقلالية قرارها وتمسكها بعدم تقديم تنازلات.

عنان حجازي: نجاح الزواج الثاني للمرأة مرتبط بعدة عوامل

وتكمن إشكالية هذه النوعية من النساء في عدم قدرتهن على مواجهة المجتمع، وتلجأ غالبيتهن لاختيار عدم الزواج مرة ثانية أو الدخول في مرحلة متقدمة من الرهبنة، خوفا من تكرار تجربة الفشل في الزواج أو مطاردتهن بعبارات ونظرات جارحة، أو حتى الخوف من إسقاط الحضانة عن أولادهن، وتصبح خطوة الزواج الثاني مستبعدة أو تحدث في ظل ضغوط عائلية كبيرة.

وهناك شريحة في مصر تعتقد أن زواج المطلقة أو الأرملة من الأمور المعيبة، وتوجد نساء لا تتجاوز أعمارهن 30 عاما ورحل أزواجهن أو انفصلن، لكن يرفضن الزواج الثاني خشية رد فعل الأسرة والأقارب والمحيطين وتتوقف حياتهن عند تربية الأبناء، ثم يتحولن إلى خادمات للأبوين والأخوة وينزعن عنهن فكرة تكوين أسرة جديدة.

ويفضل بعض الرجال الزواج من امرأة مطلقة أو أرملة باعتبارها لن تتشدد في مطالبها وتبحث عن شخص يتقدم لها بعد رحيل زوجها السابق أو الانفصال عنه، وهذه النوعية من الذكور يبحثون عن سيدات من هذه الفئة بحجة خدمتهم أو تعويض الوحدة التي يعيشون فيها، خاصة إذا كان هؤلاء الرجال يعانون من تبعات رحيل الزوجة.

ويميل البعض إلى الزواج من امرأة لم تنجب أبناء كي تكون لهم وحدهم، توفر لهم ما يريدون وقتما شاءوا دون انشغالها بأشياء أخرى مثل تربية ورعاية أولادها، وفئة قليلة من الذكور هي التي تقبل الارتباط بامرأة معها ابن أو أكثر بناء على علاقة عاطفية أو تكون لدى هؤلاء استعدادات لأن يكونوا آباء لأبناء الزوجة.

وفي الحالتين تتعرض المطلقة والأرملة أحيانا لمضايقات إذا أفصحت عن قبولها الزواج من أيّ رجل ويتم اتهامها بأنها لا تضحي لأجل أولادها، مع أن نفس القاعدة لا يتم تطبيقها على الأب الذي يمنحه المجتمع رخصة الزواج الثاني والثالث والرابع، وهو معه زوجته أو لو غابت عنه بسبب الموت أو الطلاق.

ضغوط العائلة لا تتيح للمرأة حرية الاختيار
ضغوط العائلة لا تتيح للمرأة حرية الاختيار

وافقت مريم مصطفى على الزواج من رجل كان يكبرها في السن بنحو عقدين لمجرد إرضاء أسرتها التي رفضت أن تظل مطلقة طوال حياتها، ومع أول شخص تقدم لخطبتها أرغمتها العائلة على القبول بالزواج منه، رغم أنها لم تكن تحبه ولا تقبل الحياة معه لفارق السن بينهما، وأمام ضغوط الأسرة وافقت على مضض.

حيال تنازل المرأة عن حقها في اختيار الشريك الثاني تصبح علاقتها الزوجية حتما مهددة بالفشل، هكذا أكدت مريم لـ”العرب”، لأنها عانت مع زوجها الثاني الذي عاملها كخادمة، وكلما دافعت عن نفسها لمواجهة أي مشكلة يذكرها بزواجها الأول ويقول لها إن طليقها كان على حق عندما ألقاها في الشارع لأنها ليست مطيعة للرجل.

وحاولت الضغط على أسرتها للتدخل لتطليقها من زوجها الثاني، فجاء الرد بالرفض، كي لا يتهمها المجتمع بأن بها عيوبا ولا تستمر لها زيجة، ووقتها لن يقبل أي رجل بالزواج منها، وقد قبلت ذلك نظير طلاقها، لكنّ والديها وأخواتها استمروا في الرفض، حتى صارت تعيش في مأساة، لا تستطيع خلع زوجها حتى لا تخالف التقاليد.

أزمة الأسر المحافظة تتمثل في أنها تأخذ موقفا عدائيا من زواج المرأة لمرة ثانية إذ أن ضغوط العائلة عائلتها لا تتيح للمرأة اختيار قرارها بأريحية وبناء على تفكير وتخطيط عقلاني لتعويض فشلها في علاقتها الزوجية السابقة، إذ تبحث كل امرأة عن حياة آمنة مع شريك هي وحدها تختاره بحرية مطلقة.

وأكدت عنان حجازي استشارية العلاقات الأسرية بالقاهرة أن نجاح الزواج الثاني للمرأة مرتبط بعدة عوامل في مقدمتها الاختيار القويم ورفض تقديم تنازلات مهينة، لأن ذلك يدفع الشريك للتقليل منها، وهنا لا بد أن تكون قراراتها بعيدة عن تدخلات العائلة مع التشاور معها بعيدا عن الرضوخ لما يُملى عليها ولو عكس توجهاتها.

أزمة الأسر المحافظة تتمثل في أنها تأخذ موقفا عدائيا من زواج المرأة ثانية، وتسلط عليها ضغوطا لا تتيح لها حرية الاختيار

وأشارت لـ”العرب” إلى أن مشكلة الكثير من النساء مع الزواج الثاني أنه حتى لو كان غير ناجح يقررن الاستمرار في العلاقة خوفا من الطلاق الثاني وعدم القدرة على مواجهة النظرة الأسرية القاسية، إذ يتم وصم المرأة بأنها متعددة الطلاق، وأحيانا تكون سببا لتبرئة الزوج الأول، رغم أنه قد يكون هو والزوج الثاني نسخة سيئة.

وبغض النظر عن شجاعة المرأة أو خوفها من أسرتها فالزواج الثاني لمجرد الانتقام من الشريك الأول أو الهروب من النظرة السلبية للمطلقة عموما يقود إلى الفشل مجددا وتكون وحدها في مرمى كلام الناس مرة ثانية، ما يعزز حتمية أن يكون الزواج الثاني مدروسا بعناية لا مجرد تلبية لرغبات العائلة ووقف كلام الناس. ولفتت حجازي إلى ضرورة أن تتفهم الأسرة قيمة الزواج الثاني للمرأة في إثبات نفسها وقدرتها على العيش حياة طبيعية خالية من الفشل والمنغصات، ولا يعني طلاقها الأول أنها سوف تواجه المصير ذاته مرة أخرى، لأنها ستكون قد اكتسبت خبرة ومهارة إدارة العلاقة الزوجية مستفيدة من تجارب الماضي السلبية والإيجابية.

وتعتقد نساء مؤيدات للزواج الثاني للمرأة في مصر أن الطلاق في المرة الأولى ليس نهاية المطاف، لكن السيدة العاقلة وصاحبة الرأي المستقل والقرار الحر هي فقط من تستطيع إدارة علاقتها مع شريك جديد لتصنع معه حياة مستقرة، بعد أن استوعبت نتيجة تجربتها السابقة وتجاوزت صدمتها وهيأت نفسها لنجاح زواجها الثاني.

ويسود الكثير من المجتمعات العربية اعتقاد مفاده أنّ المرأة عندما تصبح من دون رجل، سواء أكان بسبب طلاقها أو وفاة زوجها، يحرم عليها الزواج مرة أخرى.

في حين أنّ الرجل لو واجه الموقف نفسه وفقد زوجته لأي سبب، فإنّه يجد تشجيعا على الزواج مرة أخرى، وإذا لم يمارس هذا الحقّ اعتُبر موقفه قمة التضحية.

أما لو تزوجت المرأة ثانية اعتبرت خائنة، وينظر إليها على أنّها لم “تصن العشرة”، خصوصا إذا كان لديها أبناء.

17