تونس أمام تحدي إضفاء الرقابة على تمويل الجمعيات

تونس- تستعد الحكومة التونسية لإماطة اللثام عن مشروع مرسوم يهدف إلى تنظيم عمل الجمعيات، في خطوة أثارت تكهنات واسعة وتساؤلات عن مدى قدرة الدولة على مراقبة مصادر تمويل الجمعيات، التي عرفت طفرة بعد الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في العام 2011.
وكان الرئيس قيس سعيد قد دعا في وقت سابق إلى منع التمويل الأجنبي عن الجمعيات ما أثار جدلا واسع النطاق.
وقال خلال آخر مجلس للوزراء عُقد تحت إشرافه “لا بدّ من اتخاذ نص يمنع تمويل الجمعيات من الخارج، لأنها في الظاهر جمعيات، لكنها امتداد لقوى خارجية، ولن نسمح بأن تأتي هذه الأموال للجمعيات للعبث بالدولة التونسية أو للقيام بالحملات الانتخابية تحت غطاء تمويلات أجنبية”.

رافع الطبيب: أم المعارك اليوم في تونس هي تطهير المشهد الجمعياتي
وتابع سعيد “سنتخذ مثل هذا الأمر للإحاطة بكل الجوانب، ولكن لا مجال لأن يتدخل فينا وفي اختياراتنا أحد بأمواله وبضغوطه، فنحن شعب له سيادته، ولا مجال للتلاعب بالقوانين حتى يتم شراء الذمم وتهريب الأموال عن طريق هذه الجمعيات”.
واعتبر النائب بالبرلمان المُجمدة أعماله بدرالدين القمودي أن الحديث عن مناخ سياسي سليم يستوجب إعادة النظر في الدستور ومراسيم تنظيم الأحزاب والجمعيات وغيرها من النصوص القانونية المنظمة للمشهد السياسي في البلاد.
وأضاف القمودي في تصريح لـ”العرب” أن “مرسوم الأحزاب والجمعيات الحالي يسمح بالتمويل الأجنبي، لكن ثبت بالوقائع أن هذه الجمعيات مجرد واجهة إما لتمويل أنشطة إرهابية وإما سياسية لأحزاب معينة، تطهير المناخ الانتخابي والسياسي يتطلب مراجعة قوانين هذه الأحزاب والجمعيات لقطع أي تمويل مشتبه به وإضفاء المزيد من الرقابة على النشاط الجمعياتي في تونس”.
وأوضح أن “المرسوم الذي تم سنه في 2011 مكن الآلاف من الجمعيات من النشاط في تونس ولكن حقيقة نشاطها وطبيعته وتمويله يثير الريبة، تعديل المراسيم المنظمة للمشهد الجمعياتي أمر ضروري يحتّمه حسن الاستعداد للمرحلة المقبلة”.
ويُساير المحلل السياسي رافع الطبيب القمودي في رأيه، حيث يشدد على أن هناك جمعيات مورطة في القيام بأنشطة مشبوهة مثل الإرهاب ومحاولة تغيير الهندسة الفكرية والمجتمعية في تونس بدعم من أطراف خارجية.
وأردف الطبيب لـ”العرب”، “لكن أكثر الجمعيات التي يرى الرئيس أنها ساهمت في تقويض المجتمع والعملية السياسية هي الجمعيات التي يتم تمويلها من المؤسسات الخارجية، مثل المجموعات التي تدافع عن الديمقراطية وغيرها، لقد باتت خطرا باعتبار أنها تموّل أحزابا وجمعيات وتقوم بتدخل سافر بعد أن تركت بعض الأحزاب فراغا فسح المجال للجمعيات لتلعب دور الأحزاب مثل جمعية بوصلة وغيرها”.
وأكد أنه “لا يمكن في أي نظام القبول بمكونات تدعمها أطراف من الخارج وتصبح رئيسية في المعادلة السياسية، يجب إيقاف تدفق المال الذي يخلق جمعيات لا التزام لها بالأجندة والمصالح الوطنية، هذه الجمعيات تنفذ أجندات عابرة للحدود فقط، أم المعارك اليوم في تونس هي المعركة لتطهير المشهد الجمعياتي لأن الرئيس سعيد سيمس مالهم وأرزاقهم ولذلك سيحاربونه بكل ما أوتوا من قوة ولهم قوة”.
في المقابل، هناك أوساط جمعياتية وسياسية تحذر من أن تخلق محاولات ضبط المشهد الجمعياتي “المنفلت” في تونس نوعا من التضييق على مكونات المجتمع المدني.
وقال رئيس منظمة 23-10 سامي بن سلامة، إن المرسوم الذي يتم تداوله لتنظيم العمل الجمعياتي سيضيّق بشكل كبير على الجمعيات وليس هذا المطلوب.
سامي بن سلامة: المرسوم المتداول سيضيّق بشكل كبير على الجمعيات
وأبرز بن سلامة في تصريح لـ”العرب” أن “المرسوم سيضيّق على مسألة حرية تكوين الجمعيات وسيجعلها خاضعة وخائفة من السلطة التنفيذية في أي تحرك تقوم به على المستوى المدني والسياسي، أي تحرك للجمعية قد يفضي إلى حلها أو تجميدها من قبل الإدارة، بينما المبدأ في المرسوم المعمول به حاليا هو أن القضاء الوحيد المخول لحل الجمعيات”.
وأشار إلى أنه “لا يمكن إخضاع جمعيات لطالما دافعت عن حقوق الإنسان وخاضت أيضا معارك ضد النهضة بجرة قلم من قبل إداري، المشكلة تكمن في بعض التمويل الأجنبي فقط”.
والجدل بشأن الجمعيات ومصادر تمويلها في تونس ليس وليد اللحظة حيث لطالما كانت هناك دعوات لإعادة ضبط المشهد الجمعياتي.
وتعرف تونس انتشارا عشوائيا للجمعيات التي يثير تواجدها تساؤلات عديدة حول مصادر تمويلها والأنشطة الحقيقية التي تقوم بها، حيث ترددت كثيرا في السنوات التي تلت ثورة الرابع عشر من يناير 2011 اتهامات لبعضها بتمويل الإرهاب والقيام بأنشطة دعوية تحت غطاء العمل الجمعياتي، خاصة أن تلك الفترة شهدت عدة عمليات تسفير للشباب التونسي إلى بؤر التوتر على غرار سوريا والعراق، فيما تنشط العديد من الجماعات الإرهابية في الجبال التونسية.
وبلغ عدد الجمعيات الناشطة في تونس 23.676 جمعية إلى غاية العاشر من نوفمبر الماضي، وفقا لإحصائيات نشرها مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات التابع لرئاسة الحكومة على موقعه الإلكتروني.
وبلغ عدد الجمعيات الأجنبية الناشطة في تونس 200 جمعية وهو رقم يثير مخاوف الأوساط السياسية التونسية، لاسيما في ظل غياب مكافحة جدية للفساد لتعزيز مراقبة مصادر تمويل تلك الجمعيات ومدى احترامها للقوانين التونسية.