مصر تلجأ إلى الشباب لتأهيل المقبلين على الزواج

يؤكد اختصاصيو العلاقات الأسرية أن نقل الشباب خبراتهم إلى ذويهم من الفئة العمرية نفسها يرفع لديهم مستوى الوعي بمنظومة الحقوق والواجبات الزوجية ويقلل من نسب الطلاق كما يجعل الخطاب بينهم أكثر عقلانية وواقعية، مشيرين إلى أن احتكاك الشباب بأقرانهم من الفئة العمرية ذاتها وإدراكهم لمشكلاتهم يجعلان نصائحهم ذات معنى.
القاهرة - لجأت الحكومة المصرية إلى إجراء هو الأول من نوعه تقوم فكرته على تدريب مجموعات شبابية بمختلف الأقاليم على أيدي متخصصين واستشاريين أسريين، ثم يقوم أعضاء من هذه المجموعات بالنزول إلى الشباب في الجامعات والتجمعات الشبابية وغيرها لعقد لقاءات معهم لتأهيلهم قبل الزواج وتعريفهم بطرق حل المشكلات وإدارة العلاقات الزوجية بشكل سوي.
واختصت وزارة التضامن الاجتماعي صاحبة المبادرة الشباب باعتبارهم أكثر احتكاكا بأقرانهم من نفس الفئة العمرية، حيث يُدركون مشكلاتهم ويعرفون اللغة التي يتحدثون بها إليهم ويتعاطون مع أفكارهم بشكل سليم ويعيشون نفس معاناتهم، بحيث يكون الخطاب الملقى على الشريحة المستهدفة أكثر عقلانية وواقعية لا مجرد ندوات روتينية أو محاضرات تُلقى على هيئة خُطب أو دروس تعريفية.
وتستهدف الحكومة من هذه الخطوة تأهيل المقبلين والمقبلات على الزواج، حيث أن المبادرة موجهة إلى الجنسين معا على أمل تغيير الصورة الذهنية الراسخة عند الشباب، من مجرد علاقة تزاوجية إلى أخرى قائمة على الترابط والتفاهم والمودة والتضحية والألفة والمحبة بين الطرفين تزداد قدسيتها بزيادة وعي الشريكين.
المقبلون على الزواج يعانون من أزمة الجهل بالحد الأدنى من الثقافة الخاصة بالزواج والطريقة المثالية لبناء أسرة
ووفق المخطط فإن نقل الشباب المشاركين في المبادرة لخبراتهم إلى ذويهم من نفس الفئة يقود إلى رفع مستوى الوعي بمنظومة الحقوق والواجبات الزوجية وتعريفهم بطرق حل الأزمات التي يصطدم بها الشريكان في مرحلة مبكرة من بناء الأسرة، تحديدا في السنوات الأولى التي تكون بحاجة إلى خبرة ووعي يمهدان للطرفين تجاوز المشكلات دون منغصات تؤثر على سلامة العلاقة برمتها وأحيانا ما تقود إلى الطلاق السريع لأسباب واهية.
ويتدرب الشباب على كل شيء قبل النزول إلى الميدان والاختلاط بنفس الفئة، بحيث يكون لديهم خبرة في النواحي القانونية والنفسية والمادية والسلوكية، كأنهم استشاريون نفسيون واجتماعيون، بحيث يحقق البرنامج الهدف منه بتعريف المقبلين على الزواج بمهارات التواصل الفعال داخل الأسرة والتعامل مع الشريك بشكل صحيح، وتحديد المستهدفين لأهم مبادئ ووسائل تحقيق السعادة الزوجية.
ويعاني المقبلون على الزواج في مصر من الشباب أو الفتيات من أزمة الجهل بالحد الأدنى من الثقافة الخاصة بالزواج والطريقة المثالية لبناء أسرة، ما يجعل الخلافات البسيطة تقود إلى انهيار العلاقة، وهي تحذيرات أطلقها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (جهة حكومية) عندما أعلن أن الطلاق في السنوات الأولى من الزواج هو الأعلى في مصر، داعيا إلى تبني أفكار واقعية لتأهيل الشباب على حُسن إدارة شؤون علاقاتهم الزوجية.
وقرر محمد مجدي، وهو شاب متزوج منذ عامين، إنهاء العلاقة الزوجية بعدما أصبحت حياته مع شريكته محاطة بالمشكلات والشجار شبه اليومي لأي سبب، رغم أنهما تزوجا بعد قصة حب امتدت لثلاث سنوات، لكنه لم يعد يحتمل استمرار هذه الزيجة، وكل تفكيره الآن في الطريقة التي يحافظ بها على ابنه الوحيد الذي نتج عن العلاقة، فهو لا يطيق عدم رؤيته لشهور طويلة بعد الانفصال عن زوجته.
ولم ينف الشاب في حديثه لـ”العرب” أنه لا يزال يُحب زوجته، وهي كذلك، لكنهما وصلا إلى مرحلة انعدام التفاهم بينهما حتى أصبحا عاجزين عن عبور مشكلاتهما، رغم تدخل الأهل من الجانبين لترميم العلاقة أكثر من مرة، وصار غير قادر على التعامل مع شريكته بطريقة عاطفية، ووصلا معا إلى مرحلة التفاهم والتشارك في حل الأزمات التي تعصف بحياتهما الأسرية.
وتعكس هذه الحالة أن الكثير من الشباب والفتيات حديثي الزواج يتعاملون مع الطلاق باعتباره الحل الأمثل، وربما الوحيد لتحقيق الراحة النفسية المفقودة داخل منزل الزوجية، مع أن العاطفة بينهما لم تمت بعد.
فهذا الشاب (محمد مجدي) يحب زوجته وابنه، أيّ أن مشكلته الوحيدة هي كيف يعبر مع شريكته حالة غياب التفاهم حيث يجهل الطرق الصحيحة لترميم العلاقة، مع أن الطرفين إذا تم تأهيلهما وتعريفهما كيف يتصرفان وقت الخلافات لن تصل علاقتهما إلى مرحلة الطلاق وهدم الكيان الأسري.
وتبدو حالة محمد ظاهرة عامة عند الكثير من الشباب في مصر في ما يتعلق بغياب الثقافة الزوجية، وتراجع منسوب التوعية الخاصة بمسؤولية الزواج، والتعامل مع الاختلافات الفكرية والسلوكية بين الطرفين، ما يعزز أهمية تدريب الشباب المقبلين على الزواج ومنحهم برامج تثقيفية تعينهم على تكوين أسرة ذات كيان راسخ، تجعلهم قادرين على الوصول إلى حلول واقعية للإشكاليات الزوجية عن طريق الحوار والتفاهم.
وقالت عبير سليمان الباحثة في العلاقات الأسرية وقضايا المرأة في القاهرة إن الكثير من الشباب والفتيات اليوم يجهلون تحمل المسؤولية الأسرية ويعانون من غياب التوازن الانفعالي في مواجهة المشكلات، مع أنه لو تم توجيههم إلى الصواب وصقل معارفهم وثقافتهم في ما يرتبط بالتأقلم مع التغيير الحاصل في حياة الطرفين من المؤكد أن الطلاق سيكون آخر خيار يمكن اللجوء إليه للهروب من دوامة الأزمات.
وأضافت لـ”العرب” أن شريحة كبيرة من المقبلين على الزواج يفشلون في التأقلم مع الشريك خلال السنوات الأولى من العلاقة، لأنهم ينتقلون من مرحلة المراهقة إلى العزوبية ثم إلى العائلية المستقلة دون خبرات تؤهلهم لتحمل المسؤولية، فيفرض كلاهما رأيه على الآخر بدافع السيطرة بلا اتفاق مبدئي على آلية وشكل وطريقة تكوين أسرة مستقرة، حتى يصلان إلى مرحلة العجز عن تحقيق التفاهم بينهما، وكل ذلك بسبب غياب الوعي الخاص بإدارة العلاقة الزوجية.
نقل الشباب المشاركين في المبادرة لخبراتهم إلى ذويهم من نفس الفئة يقود إلى رفع مستوى الوعي بمنظومة الحقوق والواجبات الزوجية وتعريفهم بطرق حل الأزمات التي يصطدم بها الشريكان في مرحلة مبكرة من بناء الأسرة
وترتبط المعضلة الأكبر بنشر ثقافة التأهيل النفسي والفكري والسلوكي بين الشبان والفتيات قبل الزواج، ففي النهاية ستكون البرامج التي تطلقها الحكومة المصرية لهذه الفئة اختيارية وليست إجبارية ولن يتقدم للمشاركة فيها سوى الشريحة التي تبحث عن الراحة الأسرية ومعرفة السبيل الأمثل لإدارة العلاقة الزوجية، وهنا لا يتحقق الغرض بأن تشمل هذه الدورات التأهيلية عموم المقبلين على الزواج.
وأدركت وزارة التضامن في مصر حتمية اختلاف الخطاب التوعوي المقدم للشبان والفتيات، حسب النطاق الجغرافي، لتجاوز الخلاف الفكري والثقافي بين الريف والحضر، فقررت أن تخاطب كل شريحة ومجتمع بنفس أسلوبهما وعاداتهما وتقاليدهما لاختلاف العادات والتقاليد، لأنه ليس من السهل إقناع الأسر في المناطق الشعبية مثلا بأن يقبل شبابها على التأهيل للزواج، أو تقدم لها خطابا متحررا، لأن ذلك يمثل لهم مظهرا من مظاهر الانحلال الأخلاقي لا يتوافق معهم جزئيا أو كليا.
ويرى متخصصون في العلاقات الاجتماعية أنه لا بديل عن إطلاق مشروع قومي يختص بالتأهيل قبل الزواج تكون المشاركة فيه إلزامية على الشاب والفتاة، لأن غياب الوعي بطريقة إنشاء كيان أسري يقود إلى مشكلات اجتماعية خطيرة، على رأسها ظاهرة الطلاق وتشرد الأبناء والتفكك الاجتماعي.
وهناك دول اشترطت إجبارية التدريب مثل السعودية والأردن وماليزيا وكانت نتائج ذلك إيجابية للغاية، حيث انخفضت معدلات الطلاق بين الأزواج الشباب بنسبة كبيرة.
وتبني هذه الأصوات وجهات نظرها على أن استمرار ظاهرة عدم الفهم الصحيح للزواج وقدسية الحفاظ على العائلة تكرس لدى الشباب والمجتمع عموما أن العلاقة الزوجية مجرد وسيلة لإشباع غريزة أو عاطفة، وبمجرد تحقيق الغرض من ذلك، تنهار قيمة العلاقة وتصل إلى مرحلة الانفصال.
أما التأهيل لهذه المرحلة مبكرا فيرفع من مستوى الوعي بمنظومة الحقوق والواجبات الزوجية قبل الانتقال من مرحلة المراهقة إلى المسؤولية دون فهم ووعي وخبرة تجعل الطرفين يعيشان حياة ملغمة بالصراعات.