"توهان في المسار الصحيح" معرض جماعي يتحدّى الخراب

الفن يجترح الحياة من قلب الموت تخليدا لذكرى الفنانة اللبنانية غايا فاضوليان.
الأربعاء 2021/12/08
غايا فاضوليان في آخر صورة لها قبل انفجار بيروت

“توهان في المسار الصحيح” هو المعرض الثاني الذي تنظمه “آرت ديزاين ليبانون” التي هي مساحة ثقافية ومنصة رقمية مخصّصة لدعم الإنتاج الثقافي بشكل عام والفني بشكل خاص في لبنان والشرق الأوسط. ويُقام الحدث هذا العام في موقع أثري جبلي في شرق بيروت في إطار معرض في الهواء الطلق يمتدّ إلى غاية التاسع من يناير 2022.

قدّم البيان الصحافي الحدث الفني “توهان في المسار الصحيح” المقام حاليا في موقع أثري جبلي في شرق بيروت بهذه الكلمات التي فتحت أبوابا عديدة على عالم قيد التحوّل “في نهاية سنة مضطربة أخرى في لبنان، يقدّم هذا المعرض فرصة للتواصل مع الغير وإطلاق حوار حيوي حول الأهداف والآمال التي يمكن إيجادها في عالم الإبداع. على نطاق أوسع، يتماشى العنوان أيضا مع الأحداث العالمية التي تلت مرحلة غير مسبوقة على مرّ أزمة وباء كورونا”.

ويضيف البيان “فيما نسعى إلى التكيّف مع الظروف ونبحث عن وجهتنا في واقعٍ لا يكفّ عن التبدّل، يمكننا أن نكتشف معنى جديدا للحياة عبر التعبير الفني والمنظور الواسع الذي يقدّمهما التاريخ والثقافة”.

المشروع الحلم

معرض "توهان" يكشف معنى جديدا للحياة عبر التعبير الفني والمنظور الواسع الذي يقدّمهما التاريخ والثقافة

قد يستغرب البعض كيف لمؤسسة لبنانية لاسيما ثقافية أن تطلق نشاطها الواسع من خلال تلك الكلمات “المتفائلة” خلال السنة السابقة التي كانت محملّة بشتى أنواع المآسي لتستمرّ سنة ثانية في تقديم حدث فني جديد وكبير يشترك فيه الكثير من الفنانين، غير أن هذا الاستغراب سيزول فورا حينما نعلم أن هذه المؤسّسة قد أنشأتها والدة الفنانة والمصمّمة اللبنانية غايا فاضوليان ذات التسعة والعشرين ربيعا والتي استشهدت في انفجار الرابع من أغسطس 2020، تخليدا لذكرى ابنتها وما آمنت به من قدرة الفن على اجتراح الحياة من قلب الموت.

وكانت الفنانة قد ابتكرت فكرة معرض الأونلاين في بداية سنة 2020 قبل أن يعمّ وباء كوفيد – 19 ويبدّل أسلوب حياتنا لتكون معتمدة بشكل شبه كلي على التواصل وتحقيق الأعمال افتراضيا. لكن انفجار بيروت حال دون تحقيق الفكرة.

كانت الكلمات الأخيرة التي كتبتها الفنانة الراحلة على صفحتها الفيسبوكية قبل ساعة ونصف الساعة من انفجار بيروت “كل شخص هو مبدع إيمانه بنفسه”، وكانت غايا قد أرفقت كلماتها تلك بصورة لها وهي تركض في حقل كان صديق لها قد التقطها لها عندما كانا في سريلانكا في العام 2019.

وبعد أقل من ثمانية أشهر على الكارثة أنجزت الوالدة آني فاضوليان ما اعتبرته مشروع ابنتها الذي لم يكتمل، إذ أن الراحلة كانت تحلم بأن تكون واحدة من مصمّمي المعارض. وذكرت الوالدة في أكثر من مناسبة أنها تتمنى أن تكون حقّقت حلم ابنتها عبر إنشاء هذه المساحة على أن يعود ريعها إلى مساعدة الحيوانات الشريدة التي كانت غايا تهتم بها، وذلك أيضا عبر إنشاء مؤسّسة خاصة بذلك تحمل اسم الفنانة.

أما اليوم فيجيء المعرض الثاني المنظم من قبل “آرت ديزاين بيروت” حاملا هو الآخر عنوانا هو في حقيقته كلمات كانت غايا قد نشرتها على صفحة الإنستغرام الخاصة بها “التوهان في المسار الصحيح”.

وبالنسبة إلى أسماء الفنانين والمصمّمين والحرفيين والمبتكرين المشاركين في المعرض فهم: إلياس ويوسف أنستاز، ولارا بلدي، وبوكجا (هدى بارودي، ماريا هبري)، ومجموعة “بساط الريح”، وسامر بو رجيلي، وكلوديا شاهين، وكارين شكرجيان، ونهاد الضاهر، وأوليفر دو جيم، وجيلبير دبس، وندى دبس، وغايا فودوليان، ونهاد حنا ضاهر، وحاتم إمام، وريناجابر، إضافة إلى روجيه الجميل للإنارة، ومعمل خليفة للزجاج (نسرين خليفة)، ومحمد كنعان، وناتاشا كرم، و”مجموعة مرام” (إيليا لوكاس)، وبول مرعي، وإيلي مرقص، وكميل مراد، وحسين نصرالدين، ومعرض “أوبوس ماغنوم”، وأدريان بيبي، وناثانيال راكو، وبيار راجحة.

هذا بالإضافة إلى “مجموعة الصفا” (مروان بوغانم)، ومحمود الصفدي، وكريستين صفاتلي، ورولا سلمون، وإيفا سودارغيتي دويهي، وكارولين تابت، وسيبيل ترزي، وكريستيان زهر.

وتنوّعت الأعمال بشكل هائل وشملت المنحوتات والصور والرسومات والمنسوجات والتصاميم التفاعلية في أنحاء دير القلعة التي تضمّ معبدا رومانيا يعود إلى القرن الأول بعد الميلاد في بلدة بيت مري.

تفكيك الصور النمطية

معرض في الهواء الطلق يحتفي بالفن والحياة
معرض في الهواء الطلق يحتفي بالفن والحياة

يقول القيمون على معرض “توهان في المسار الصحيح” إنه إضافة إلى هذا النشاط الفني وعبر تشجيع التعاون بين سبعة وثلاثين فنانا ومصمّما يهدف المشروع إلى تفكيك الصور النمطية التي تُقسّم هذه التخصّصات المتنوّعة وتحدّي النزعة في عرض كل نوع من هذه الفنون بشكل منفصل.

لأجل ذلك صمّمت “آرت ديزاين ليبانون” ورش عمل تُعرَض فيها أعمال ومنتجات حرفية، لتُسلّط الضوء على أهمية حماية هذه الحِرَف المُهدّدة بالاندثار والحفاظ عليها.

وشملت المواضيع التي تناولها الفنانون: المناظر الطبيعية اللبنانية، والاضطرابات السياسية، واستفحال الوباء، والتقاليد والطقوس، ومظاهر مرور الزمن، ومشاعر الخسارة، والذكريات، والأمل.

كما حصل المبدعون المشاركون في المعرض على فرصة القيام بجولات مع أستاذ علم الآثار أسعد سيف لإيجاد مصدر إلهام مناسب لأعمالهم، وأسفرت هذه الجولات عن قطع مستوحاة من أجواء دير القلعة.

“توهان في المسار الصحيح” عنوان يحمل الكثير من الحزن، رغم أن التيه كما وصفته غايا حاصل في المسار الصحيح الذي قوامه الأمل، فصاحبة هذا المسار حملت كمعظم اللبنانيين آمالا كبيرة لم يكتب لها أن تتحقّق. وسكنها طموح تخطى حدود حياتها كما يتخطى اليوم، أكثر من أي وقت مضى، حدود حياة كل لبناني يعيش على أرض لبنان ليندثر بصمت ودونما وكيل أمين يحيي آماله عبر تحقيقها كما فعلت والدة غايا.

Thumbnail
14