تأخر تطوير شط العرب يختزل صعوبات تمويل المشاريع في العراق

الحكومة تحتاج إلى تغيير عاجل في النموذج التنموي لحل مشكلات التمويل.
السبت 2021/11/27
متعة النظر إلى البحر أفضل من لا شيء

تتفق الأوساط الاقتصادية العراقية على أن بطء الحكومة في تنفيذ برنامجها التنموي الطموح جراء شح التمويلات اللازمة، التي يُفترض تخصيصها للمشروعات بات يتطلب مراجعة شاملة وعاجلة لوضع الاقتصاد في مسار التعافي من الأزمات المتراكمة، التي دمرت أساسات نموّ ثاني أكبر منتج للنفط في العالم.

البصرة (العراق) - يعطي التأخير في تطوير منطقة شط العرب في العراق فكرة واضحة عن مدى الصعوبات التي تعترض الحكومة، من أجل تجسيد برامجها التنموية الطموحة في بلد يمر بأزمات مركبة انعكست بشكل واضح على معيشة السكان.

ويقول المسؤولون إن قضاء شط العرب يُعدّ واجهة سياحية واقتصادية تتميز بها البصرة الواقعة جنوب البلاد، وأن عملية تطويره يمكن أن تحوّله إلى معلم حضاري وثقافي واقتصادي كبير في المحافظة إذا ما فُعّل بالشكل الأمثل.

ويعاني البلد النفطي من تدهور كبير في البنية التحتية التي تدمرت بسبب الحروب والغزو الأميركي عام 2003 ومكافحة الإرهاب، والتي خلفت فسادا وأزمة مالية بسبب السياسات الاقتصادية للحكومات الموالية لإيران والمعتمدة على ريع النفط.

وبسبب ذلك تفتقر معظم المحافظات إلى البنية التحتية الضرورية مثل مشروعات النقل والموانئ والسكك الحديدية، وكذلك الماء والصرف الصحي والصحة والتربية والتعليم العالي وغيرها، وهو ما يفرض تغيير النموذج التنموي الراهن.

ويؤكد معاون محافظ البصرة لشؤون الأقضية والنواحي عرب الجزائري، أن قضاء شط العرب له دور إيجابي كبير في إنعاش الحركة الاقتصادية والتجارية في البصرة.

عرب الجزائري: قلة المخصصات المالية بالموازنة حالت دون تنمية المنطقة

ونسبت وكالة الأنباء العراقية الرسمية إلى الجزائري قوله إن “ما رفع من أهميته توزيع قطع أراض سكنية مخصصة سواء للموظفين أو لمختلف الطبقات الاجتماعية، وبذلك فقد زاد التوسع العمراني في القضاء وتطور”.

لكنه يرى مع ذلك أن تنمية المنطقة تحتاج إلى الكثير من الاستثمارات والأموال وأنه لتحقيق ذلك لا بد من اعتماد “خطة مدروسة لتطوير القضاء”، حتى “يحتضن معالم سياحية وأثرية بدءا من تمثال السياب وأسد بابل إضافة إلى السفن والبواخر التي ترسو على ضفافه”.

وشلت الظروف التي عاشتها البصرة في السنوات الماضية والجفاف الحركة الاقتصادية. وقال الجزائري إن “قلة المخصصات المالية في الموازنة السنوية حالت دون تطوير القضاء والنهوض بالتنمية فيه”.

وعكس إقرار وزارة التخطيط في وقت سابق من هذا الشهر بعجزها عن إنجاز مشاريع حكومية في قطاعات الخدمات والبنى التحتية، أن السياسات الاقتصادية المعتمدة طيلة سنوات كانت خاطئة، وأن مساعي حكومة مصطفى الكاظمي لإصلاحها تتطلب نفسا أقوى.

وتظهر حاجة العراق بشكل ملح إلى مساعدة القطاع الخاص في خطط التنمية لتحقيق أهدافه في مواجهة هذه المعضلة، لاسيما مع تفاقم مشكلات الدولة وتراجع قدرتها على تمويل برامج التنمية وتحقيق طموحات الناس.

ويعتقد الخبراء أن أي خطوة حكومية لبلورة مشاريع البنية التحتية واقعيا يتطلب مناخ أعمال مستقرا وتشريعات وقوانين ملائمة، إضافة إلى مكافحة الفساد والبيروقراطية وتعزيز الشفافية والاستقرار الأمني.

ويرى هؤلاء أن تحقيق الهدف يبدو صعبا في ظل تواصل الفوضى وضعف كفاءة المؤسسات العراقية، التي تديرها المحاصصة الطائفية بعد اجتثاث الكفاءات التي يمكنها التعاون مع المستثمرين والشركات الأجنبية لتنفيذ المشاريع.

ومع أن معظم المشاريع التنموية التي شرعت السلطات متركزة في المحافظات الجنوبية وخاصة في ميسان والبصرة والمثنى وذي قار قياسا بما تحظى به محافظات ديالى ونينوى وصلاح الدين، إلا أن تنفيذ الخطط تسير بوتيرة بطيئة.

وتعدّ البصرة دليلا على ذلك، فثمة العديد من المشاريع السياحية والاستثمارية وبالأخص في كورنيش شط العرب تنتظر الدعم المالي، كون مناخ الأعمال لا يشجع القطاع الخاص لدخول مثل هذه المغامرات.

وإلى جانب ذلك، فقد تسببت معاناة الأراضي الزراعية والبساتين من التجريف والجفاف في نزوح العديد من سكان المنطقة بحثا عن مناطق أخرى بها موارد يعيشون منها.

عملية تطوير قضاء شط العرب يمكن أن تحوّله إلى معلم حضاري وثقافي واقتصادي كبير في البصرة إذا ما فُعّل بالشكل الأمثل

ويقول المزارع عبدالله حسين صاحب بستان بالمنطقة إنه “من الممكن أن نعتبر قضاء شط العرب المكان الأول والأكبر لزراعة النخيل، فمنذ خمسينات القرن الماضي كان القضاء يضم ما يقارب 50 مليون نخلة”.

غير أنه أشار إلى أن “ظروف البصرة والجفاف والتجريف وارتفاع اللسان الملحي، كلها عوامل أدت إلى انخفاض عدد النخيل ليصل حاليا إلى ما يقارب التسعة ملايين نخلة” فقط.

ورغم ذلك فإن المنطقة لا تزال تنتج أصنافا من التمور تصل إلى ما يقارب مئة نوع موزعة على الأقضية والنواحي بمحافظة البصرة.

ويقول قائم مقام شط العرب حيدر طعمة “إن ارتفاع التراكيز الملحية بشكل متذبذب وعدم وجود سياسة مائية واضحة أديا إلى عزوف المزارعين عن تطوير أراضيهم في شط العرب”.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن تهميش المزارعين جعلهم لا يقدرون على إنتاج المحاصيل بشكل مستدام وهذه الأمور، بحسب طعمة، “أثرت بصورة كبيرة على واقع قضاء شط العرب ومن مختلف النواحي”.

ويجري حاليا تنفيذ خطة زراعية مبسطة تعتمد بصورة أساسية على زراعة المحاصيل الحقلية كالحنطة والشعير والبريسم وهناك خطة موسمية تتجدد في كل سنة.

لكن طعمة دعا وزارة الزراعة إلى زيادة اهتمامها بالأقضية والنواحي لتطوير القطاع الزراعي ودعم المزارعين بشكل أكبر، حتى يتمكنوا من تحصيل عوائد مجزية من وراء أعمالهم.

11