صناعة الطيران تبحث عن آفاق ما بعد الوباء في دبي

تلتقي آراء الخبراء والمحللين على أن النسخة الجديدة من معرض دبي للطيران ستكون منصة مثالية وفي توقيت استثنائي لتحديد وجهة هذه الصناعة ما بعد الجائحة عبر حجم الصفقات التي يتوقع إبرامها خلال أسبوع مع أكبر مصنعين في العالم، في الوقت الذي ما يزال فيه قطاع السفر يعاني من تراكمات قيود الإغلاق.
دبي - اتجهت أنظار المهتمين بصناعة الطيران إلى إمارة دبي التي تستضيف أحد أكبر معارض الطيران في العالم، وسط توقعات بعقد صفقات بمليارات من الدولارات طيلة أيام هذا الحدث والذي دشنته أيرباص بصفقة ضخمة جعلت منافستها بوينغ في “التسلل”.
ولطالما كانت أيرباص وبوينغ نجمتي معرض الطيران التجاري الذي يُقام كل عامين، حيث تتسابقان على مشتريات شركات الطيران الخليجية بمليارات من الدولارات التي وصلت إلى التفاصيل النهائية قبل دقائق من المؤتمرات الصحافية المتتالية.
ويجسد معرض دبي للطيران 2021 الذي انطلق الأحد بمشاركة عمالقة هذه الصناعة وشركات الطيران فرصة لقياس مدى نجاح القطاع في تجاوز التحديات خاصة بعد أزمة كورونا التي جعلت الطائرات عالقة في مدارج المطارات لأكثر من 18 شهرا.
ورغم العثرات التي تعترض الصناعة يبدو أن التركيز على قطاع الشحن الجوي لم يغب عن تفكير المصنعين بعد أن قامت بعض شركات الطيران بنزع مقاعد على رحلات الركاب التي توقفت عن العمل وحولت طائراتها إلى وسائل نقل جوي لوجستي.
وعلى عكس توقعات البعض بأن يكون المعرض الذي يستمر خمسة أيام أكثر هدوءا مما كان عليه سابقا بسبب حالة الطيران والسفر الضعيفة وسط الجائحة والتأخيرات في سلسلة التوريد العالمية التي أثرت على المصنعين، فقد كان اليوم الأول من الحدث صاخبا.
ووقّعت أيرباص طلبية لبيع 255 طائرة من طراز أي 321 أحادية الممر لأربع شركات تابعة لمجموعة أنديغو بارتنرز الأميركية.

ريتشارد أبوالعافية: بوينغ تخسر حصتها في السوق بفضل أيرباص أي 321 نيو
وتبلغ قيمة الطلبيات لصالح كل من ويز أير وفرونتير أيرلاينز وفولاريس وجيت مسارت أكثر من 33 مليار دولار وفقا لآخر قائمة أسعار تم نشرها في 2018 من قبل المصنّع الأوروبي العملاق.
في المقابل افتتحت بوينغ سوق الاتفاقيات في اليوم نفسه من المعرض بعقد يقضي بتحويل 11 طائرة ممر واحد من طراز 737 إلى طائرات شحن لصالح شركة آسليز الأيسلندية التي تؤجّر طائرات.
ويقول محللون إنه بينما تشهد أيرباص انتعاشا بعد الأزمة الصحية ما زالت بوينغ عالقة في أزمات متكررة ما يمنح فرصة تفوق طويل الأمد إلى منافستها التي تلبي أنواع طائراتها بشكل أفضل حاجات الشركات.
وخلال الأشهر العشرة الأولى من هذا العام سلمت أيرباص 460 طائرة مقابل 268 طائرة قامت بوينغ بتسليمها. وكان الوباء قد أضعف نشاط المجموعتين، لكن الأوروبية استأنفت تسجيل الأرباح فيما واصلت الأميركية تكبد الخسائر.
واستأنفت طائرات 737 ماكس رحلاتها بعد توقفها لأكثر من عام بسبب حادثين أسفرا عن سقوط قتلى، لكن على بوينغ الآن بيع حوالي 370 طائرة مخزنة في مواقفها، ما يحتاج إلى سنتين أخريين بحسب مديرها العام ديفيد كالهون.
والمشكلة الأخرى هي تعليق عمليات تسليم طائرات 787 دريملاينر منذ يونيو الماضي بعد اكتشاف مشكلات جديدة في الإنتاج لدى إحدى الشركات المزودة. وتفيد تقديرات بأن ذلك قد يكلف حوالي مليار دولار.
وهذا المبلغ يجب أن يضاف إلى 6.5 مليار دولار من النفقات الإضافية المتوقعة لمواجهة تأخر المصادقة على طائرتها الكبيرة المستقبلية 777 إكس المنتظرة في 2023.
وقال ريتشارد أبوالعافية المحلل في مجموعة تيل غروب لوكالة الصحافة الفرنسية “كان هناك الكثير من المشكلات ومن الصعب جدا القول إنها انتهت”.
ولكن ريمي بونري من المكتب الاستشاري آرتشيري كونسلتينغ أكد أن ما جعل الأمور أكثر صعوبة هو أن “أزمة كوفيد أثرت خصوصا على طائرات الرحلات الطويلة حيث تتمتع بونيغ بالموقع الأقوى تاريخيا”.
فمع مواجهة حركة جوية للمسافات الطويلة لعقبات بسبب قيود السفر والتوقعات بألا تستعيد مستواها السابق إلا بين 2023 و2025، قد تتقلص مبيعات الطائرات الكبيرة بشكل دائم.
وتستفيد إيرباص بشكل كامل من سوق الرحلات المتوسطة الأكثر ازدهارا مع تراجع طائرتها أي 320.
وأطلقت مجموعة الصناعات الجوية الأوروبية طائرتها أي 321 نيو خصوصا نسختها المستقبلية إكس.أل.آر التي تتمتع بمسافة عمل طويلة جدا، والمنتظرة في 2023.
وهذه الطائرة ذات الممر الواحد قادرة على القيام برحلات لمدة عشر ساعات وهذا لم يكن ممكنا إلا بطائرات عملاقة يصعب ملؤها.
وفي ظل حركة نقل جوي ضعيفة بسبب الوباء، تسمح هذه الطائرة للشركات بالتفكير في تطوير طرق لمسافات طويلة بشكل مربح مع حركة بطيئة و”اختبار” وجهات جديدة، مع تشغيل الطرق الأكثر تقليدية لطائرة متوسطة المسافات.

ريمي بونري: أيرباص ستسيطر على سوق الطائرات ذات الممر الواحد لعقد
وقال بونري “أيرباص هي الوحيدة الموجودة في سوق الطائرات ذات الممر الواحد القادرة على القيام برحلات طويلة”، معتبرا أنه “على مدى السنوات العشر المقبلة سيكون لدينا عمليات تسليم طائرات أكثر لدى إيرباص مقارنة ببوينغ”.
وفي مواجهة هذا الأمر أصبحت المجموعة الأميركية لتصنيع الطائرات عاجزة في الوقت الحالي بعدما تخلت أوائل العام الماضي عن إطلاق مشروع طائرات جديدة متوسطة الحجم المعروف بـ”أن.أم.أي”.
وأوضح أبوالعافية أن “بوينغ تخسر عشر نقاط من حصتها في السوق، ويعود ذلك بشكل كبير إلى طائرة أي 321 نيو ما يعرّضها لخطر أن تصبح لاعبا هامشيا” في السوق.
وقال ميشال ميرلوزو المحلل في المكتب الاستشاري الأميركي أير إنه “يجب وقف النزيف مقارنة بإيرباص لأن استعادة الحصة المفقودة في السوق أمر معقد ومكلف للغاية”.
وذلك الأمر يتحقق عبر طائرة جديدة وهي باهظة الثمن تصل كلفتها إلى 15 مليار دولار على الأقل، لكن ديون بوينغ ازدادت خمس مرات في أقل من ثلاث سنوات لتصل الآن إلى أكثر من 62 مليار دولار.
ووفق ميرلوزو فإنه حتى لو أطلقت برنامجا جديدا بسرعة، ستواجه بوينغ صعوبة في الحصول على طائرة جديدة قبل 2028 - 2029.
وقد لا تستفيد هذه الطائرات الجديدة من الاختراقات التكنولوجية، وهي مرادفة للكفاءة وبالتالي زيادة الربحية وتقليل الأثر البيئي، وهو أمر غير متوقع قبل العام 2035. لكن هل تستطيع بوينغ الانتظار؟ يقول أبوالعافية ساخرا “بالطبع، إذا كانت حصة 30 في المئة في السوق تناسبها”.