"سورية يا حبيبتي" قصص تحول المآسي إلى أساطير

ميلانو (إيطاليا) - تتقاطع في نصوص المجموعة القصصية “سورية يا حبيبتي” للكاتب السوري زياد عبدالله حيوات صغيرة بشكل قاس مع مأساة وطن بأكمله، ويبني عبدالله قصصه عبر نسيج كثيف من المشاهد والشخصيات والأحداث، لحياة أراد أن يجعل من كل تفصيل ثانوي فيها متراميا متأججا بين الذكريات والمرثيات والأمل أو شيئا منه.
يتخذ الكاتب من أبطال قصصه، حجة ليمنع الأشياء المتداعية من التلاشي، وقد أمسى كل شيء مدمرا وآيلا للزوال، ليطالعنا القرف بوصفه دافعا إنسانيا أصيلا، حسب قناعة “صانع قناديل البحر المزيفة”. أو تلك الرائحة التي لا تفارق الجدة، بل تمضي وراءها وقد تحولت شوارع ألمانيا تحت قدميها إلى شوارع حلب.

مأساة وطن
هناك دمار فادح تصوره القصص التي تجول بين عوالم الواقع والخيال، لتكشف عن الأذى الذي لحق حتى بأغاني المذياع الصباحية والأزهار في الشرفات. وليتحول سؤال “هل كنت تطبخين لوبياء بالزيت في تمام الخامسة فجرا؟” إلى سؤال وجودي، ولنا أن نلتقي في الأرجاء بـ”قط شبه له أنه نمر”، ثم ليأتي ليل وبعده ليل آخر، لا نهار بينهما، وعتمة تلو عتمة، وذكريات معسكرات، واعتقالات وفظاعات، ودوافع أصيلة للانتحار في أمكنة متفرقة، لا يجمعها سوى البعد عن الوطن، أو الضياع فيه، قبل أن يداهمنا الحزن شفيفا وحقيقيا عبر مفاصل كل قصة بنهايتها التراجيدية.
قراءة قصة واحدة من مجموعة “سورية يا حبيبتي”، ترسخ لدى القارئ فعل التماهي مع شخصيات أبطاله. فهي شخصيات هشة في حالة الحب، عنيفة في حالة الغضب، لكنها تائهة بين الحالتين. إذ يمتلك الكاتب تلك القدرة على توظيف الكلمة الواحدة في مكانها، متلبسا بأصوات أبطاله، محولا كل صراعات الحرب ومآسيها إلى أساطير سورية يومية تستحق الكتابة، بينما الفقد متواصل والقسوة ماثلة والدم حقيقي، لكنه يرمينا بدفقات أمل متتالية، مقابل ما نتلقاه من لكمات لا ترحم.
يمكننا الإقرار بأن قصص المجموعة، الصادرة أخيرا عن منشورات المتوسط -إيطاليا، محكمة في بنائها بينما يتبدى فيها اللامعقول منطقيا، وبشكل سريالي العكس صحيح، في عالم ما يفتأ ينهار من حولنا، عالم نعتقد أننا نعرفه لكننا ما نبرح نتعرف عليه من جديد. وعبدالله هنا نجده واقعيا ساخرا، يرمي بنا في عاصفة قصص تتآمر علينا، كما لو أننا في فيلم ملحمي ندرك مسبقا أن نهايته تراجيدية لا ريب.