مقابلة الرئيس الجزائري مع "دير شبيغل" تزيد من حرج الإعلام المداهن

الرئيس الجزائري استغرق ثماني دقائق في الرد على سؤال في إحدى الجلسات، دون أن يتدخل أي صحافي لفرض توجه آخر للحديث.
السبت 2021/11/13
صحافيتا "دير شبيغل" رفعتا السقف في كيفية التعامل مع تبون

الجزائر - ربطت أوساط صحافية تنحية وزير الاتصال الجزائري عمار بلحيمر، في تعديل وزاري جزئي أعلن عنه مساء الخميس، بفرضه “بروباغندا” نمطية أساءت لصورة البلاد، وهي إحدى المسائل التي اهتمت بها مجلة “دير شبيغل” في مقابلتها مع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون.

ويأمل الجزائريون أن تكون تنحية بلحيمر خطوة في طريق مراجعة أوراق السلطة في تسيير ملف الإعلام.

ورفعت مجلة “دير شبيغل” السقف عاليا عن وسائل الإعلام الجزائرية في تعاطيها مع الرجل الأول في الدولة، فالمجلة تميزت في مقابلتها مع تبون بالجرأة والمهنية، وجاءت أسئلتها وتعليقاتها دقيقة، عكس ما تعود عليه الرأي العام المحلي خلال المقابلات التي أجراها الرئيس مع وسائل الإعلام المحلية التي كانت تداهنه وتتقرب إليه أكثر مما تثير الحقائق والانشغالات الحقيقية التي ينتظرها الشارع الجزائري.

"دير شبيغل" رفعت السقف عاليا عن وسائل الإعلام الجزائرية في تعاطيها مع الرجل الأول في الدولة، فالمجلة تميزت في مقابلتها مع تبون بالجرأة والمهنية

وتعرضت مديرية الإعلام في قصر المرادية لانتقادات شديدة جراء تنظيمها وإخراجها للمقابلات الصحافية التي دأب الرئيس تبون على إجرائها من حين لآخر مع وسائل إعلام حكومية وخاصة، في إطار تقليد جديد أرساه منذ قدومه لقصر المرادية نهاية العام 2019، عكس سلفه الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة الذي حكم البلاد لعقدين دون أن يدلي بتصريح أو مقابلة مع أي من إعلام بلاده.

وبغض النظر عن الشكل الذي ظهرت فيه مقابلات الرئيس، فإن إدارتها للمحتوى خيب آمال وظنون الرأي العام المحلي، حيث بدا محاورو الرئيس تبون، الذين يجهل كيفية اختيارهم لمحاورته، دون الجرأة والمهنية اللتين يستوجب توفرهما في الإعلامي خلال حديثه مع شخصية مرموقة، فلم يجرؤ أي واحد منهم على طرح الأسئلة الملحة التي ينتظرها الجزائريون، ولا على مقاطعة الرئيس، لدرجة أن استغرق ثماني دقائق في الرد على سؤال طرح في إحدى الجلسات، دون أن يتدخل أي من الحضور لاستعادة المبادرة أو مقاطعته لفرض توجه آخر للحديث.

ورغم حرص مديرية الإعلام التي تدعمت بوجوه إعلامية استقدمها تبون لقصر المرادية، من مديرية حملته الانتخابية، على إخراج تلك اللقاءات في صورة لافتة لتسويق الخطاب الرسمي للسلطة التي يمثلها، وتعمدها على التسجيل وتفادي الوضع المباشر، فإن الإعلام المحلي والمديرية المذكورة سيجدان نفسيهما في حرج شديد، بعدما رفعت مجلة دير شبيغل سقف الممارسة الإعلامية عاليا، وزاد من حجم الفجوة التي تفصلها عن الشارع الجزائري.

فقد كانت المجلة جريئة في طرح تعليقات واستفهامات جوهرية، على غرار “منذ ما يقرب من عامين وعدت بتغيير الأوضاع التي كانت سائدة سابقا وبدء عهد جديد. إلى أي مدى حدث هذا في هذه الأثناء؟”، و”حتى قبل أن تتولى منصبك، كان الجيش قد وضع وراء القضبان أعضاء رفيعي المستوى في جهاز السلطة القديم، بمن فيهم سعيد، شقيق بوتفليقة، الذي أدين بالتآمر على الدولة. هل تمت اعتقالات أخرى بموجب أوامرك؟”، و”ومع ذلك فإن مواطنيك يخشون القمع أكثر من أي وقت مضى ولا يجرأون على التعبير عن آرائهم علانية. يتم اعتقال الصحافيين في بلدك. ألستم مجرد جبهة مدنية لنظام عسكري لا يزال قائما؟”، و”ما هو ميزان القوى الحالي بين الجيش والرئيس؟”.. وغيرها من الأسئلة التي يسمعها تبون لأول مرة منذ قدومه لقصر المرادية.

وبغض النظر عن الإجابات التي قدمها الرجل لموفدي المجلة، فإن نوعية ومحتوى المقابلة الصحافية حملا بعدا مهنيا عاليا، سيضع الإعلام المحلي ومديرية الإعلام الرئاسي أمام حقيقة ظلت محل تجاهل من طرفهما، وهي أنه لا شيء آخر غير الحقيقة بإمكانها ردم الفجوة بين السلطة والشارع، الأمر الذي قد يدفعهما إلى مراجعة استراتيجيتهما في إدارة وتسيير الشأن الإعلامي الرسمي في البلاد.

أول مرة يسمع الجزائريون خطابا واقعيا من رئيسهم
أول مرة يسمع الجزائريون خطابا واقعيا من رئيسهم

ورغم أن وضعية الإعلام هي مرآة للوضع السياسي العام وانعكاس مباشر لحالة الحقوق والحريات، ولا يمكن انتظار شيء آخر أكثر مما هو متداول إعلاميا في الساحة، لأن السلطة مازالت تحمل رؤية أخرى لرسالة وأداء الإعلام، إلا أنه تستمر نمطية تقديم وتسويق الخطاب السياسي بالشكل الذي فاقم تعميق الهوة بين السلطة والشارع.

وعلى النقيض تتجلى المسألة في المرونة التي جاءت في مقابلة دير شبيغل، فلأول مرة يسمع الجزائريون خطابا واقعيا من رئيسهم، لما قال “في الوقت الحالي ينصب تركيزي الأساسي على الفساد في المستويات الأدنى. ما حدث على المستوى الحكومي هو إهدار لا يغتفر لثروة هذا البلد. مع الفساد اليومي، المواطنون هم من يدفعون. انتهى الأمر الآن. يجب ألا يضطر أي شخص إلى ترك ورقة مالية في بلدية للحصول على جواز سفر جديد مرة أخرى”.

وذكر تبون أيضا “الشعب الجزائري يعرف أن هذا غير صحيح. لقد عينت قائد الجيش. أنا وزير دفاع بالإضافة إلى مهمتي كرئيس للجمهورية. لقد تم وضع أجهزة المخابرات تحت سلطتي ولم تعد تحت سلطة الجيش. هذا هو الواقع الجديد في الجزائر، الذي يكفله الدستور – لا تبعيات، وهذا عمل سيادي”.

وأكد أيضا “أستطيع أن أقول لك، لقد تلقى قائد الجيش الذي أقوده تعليمات مني لتحديث الجيش. علاوة على ذلك، فهو لديه عمل كبير وخاصة بالنظر للوضع الحساس على حدودنا. السياسة هي أنا. لن يمارسها أحد مكاني. أنا من أمر بإغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات العسكرية الفرنسية. كنت أيضا الشخص الذي أمر بنفس الإجراء للطائرات المغربية. لكن لا يمكننا التخلص من الصورة القائلة إن الجزائر دولة عسكرية”.

16