فوزي البنزرتي عميد المدربين الذي ينحت اسمه بأحرف ذهبية في القارة السمراء

صانع المعجزة في الرياضة التونسية.
السبت 2021/11/06
البنزرتي حاصد الألقاب

عرفت الكرة التونسية على امتداد عقود من الزمن بروز ثلة من الفنيين والرياضيين الذين تألقوا في التظاهرات المحلية والدولية، ونحتوا أسماءهم بأحرف من ذهب في ذاكرة الشارع الرياضي العربي والدولي، لعلّ من أبرزهم مدرب كرة القدم فوزي البنزرتي الذي أشرف على أندية عديدة في تونس والمغرب وليبيا والإمارات العربية المتحدة، وفاز مع أقطاب الدوري المحلي على غرار النجم الساحلي والترجي التونسي بألقاب محلية وقارية.

تطلق على البنزرتي في تونس ألقاب مهيبة من بينها “شيخ المدربين” و”الجنرال” و”عميد المدربين”، وهو الذي عرف بفرض أسلوب خاص في التدريب والإشراف الفني على مختلف النوادي يجمع بين الجدية والواقعية، ما جعله يضع بصمته الخاصة أينما ذهب.

ونحت البنزرتي مسيرة مظفرة بالألقاب والبطولات في أعرق النوادي التونسية والمغربية في القارة السمراء، وهو يشرف حاليا على ناديه الأم الاتحاد الرياضي المنستيري ويتصدر معه ترتيب المجموعة الثانية من الدوري المحلي بتسع نقاط بعد ثلاثة انتصارات متتالية كان آخرها ضد الجار النجم الرياضي الساحلي.

حاصد الكؤوس

أسلوبه الخاص في التدريب والإشراف الفني على مختلف النوادي يجمع بين الجدية والواقعية
أسلوبه الخاص في التدريب والإشراف الفني على مختلف النوادي يجمع بين الجدية والواقعية

ولد البنزرتي في الثالث من يناير سنة 1950 في مدينة المنستير الساحلية متحدراً من عائلة رياضية، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدينته، ثم التحق بالمعهد العالي للرياضة بتونس وتخرج منه عام 1975 وعمل مدرسًا للتربية البدنية في العديد من المعاهد التونسية من 1975 إلى 1977، وبعد الحصول على شهادة مدرب كرة قدم اختار عالم التدريب.

وطوّر حياته المهنية كلاعب وسط مهاجم ممضياً عشر سنوات في فريقه الاتحاد الرياضي المنستيري منذ أن كان عمره ثمانية عشر عامًا، لكنه لم يلعب مع منتخب بلاده.

وبدأ حياته المهنية في نادي أولمبيك سيدي بوزيد قبل أن يعود إلى الاتحاد الرياضي المنستيري الذي دربه منذ نهاية سبعينات القرن الماضي ما مكنه من العودة إلى الرابطة التونسية المحترفة الأولى في أول تجربة له مع النجم الرياضي الساحلي، وفاز بلقب البطولة التونسية ثم كأس السوبر.

وقاد في العام 1990 النادي الأفريقي للفوز بلقب البطولة والوصول إلى نهائي كأس الكؤوس الأفريقية في نفس الموسم، ثم درب الترجي الرياضي التونسي عام 1993 وفاز مرة أخرى بالبطولة التونسية وكأس أفريقيا للأندية البطلة وكأس السوبر الأفريقي ضد نادي موتيما بيمبي الكونغولي.

مسيرة البنزرتي تدرّس، فقد انطلق من النقطة صفر، ودرب نوادي مغمورة في درجات سفلى، ثم تدرّج وفرض أسلوبه إلى أن صنع معجزة في النوادي التونسية والمغربية

وتم تعيينه في مارس 1994 مدربا لمنتخب تونس في المباراة الثانية في كأس الأمم الأفريقية 1994 التي استضافتها البلاد بعد إقالة يوسف الزواوي الذي فشل في المباراة الافتتاحية ضد مالي، كما درب النادي الرياضي الصفاقسي في يونيو 1996، لكنه سرعان ما غادر قبل بداية الموسم من أجل أول تجربة خارجية له على رأس نادي الشعب الإماراتي. ولم تكن تجربة البنزرتي تلك ناجحة، حيث أنهى الفريق الموسم في المركز السابع في الدوري الإماراتي الدرجة الأولى، وعاد إلى النادي الأفريقي ووصل إلى نهائي كأس الكؤوس الأفريقية لعام 1999 ثم قام بتجربة قصيرة كمدرب مع فريق الملعب التونسي بنتائج غير مقنعة.

يرى مراقبون أن البنزرتي يتأثر بشكل خاص بأسلوب اللعب الواقعي، سواء في طرائق لعبه أوإدارته، مصنّفين إياه من أبرز الأسماء التي أنجبتها الكرة التونسية.

ويقول المحامي والناقد الرياضي التونسي فتحي المولدي إن “مسيرة البنزرتي تدرّس باعتبار أنه انطلق من النقطة صفر، ودرب نوادي مغمورة في درجات سفلى على غرار أولمبيك سيدي بوزيد وسكك الحديد الصفاقسي، ثم تدرّج وفرض أسلوبه إلى أن صنع معجزة في النوادي التونسية والمغربية مثل الوداد البيضاوي وفريق الرجاء”.

ويضيف في تصريحات خاصة لـ”العرب” أن البنزرتي “يتمتع بروح انتصارية عالية أكثر من اللاعبين أحيانا، ويشحنهم معنويا. وهو إنسان غير عادي، لأنه بقدر ما يكون شرسا جدا مع اللاعبين ويتجاوز الحدود أحيانا، سرعان ما يهدأ بانتهاء المباراة أو الحصة التدريبية ويعتذر”، لافتا إلى أن “اللاعب الذي يدربه البنزرتي لا يمكن له أن يتخاذل”.

وأضاف المولدي أن النقطة السوداء الوحيدة هي أن البنزرتي “لم يأخذ فرصته كاملة في تدريب منتخب بلاده، وفي كل مرة يتم الاستنجاد به، لا بدّ أن يشرف على المنتخب سواء في نهائيات كأس العالم أو كأس الأمم الأفريقية”.

اشتباك عنيف

البنزرتي لديه عالم آخر غير الرياضة، فقد خاض غمار السياسة بقيادته لقائمة "الجرأة والطموح"
البنزرتي لديه عالم آخر غير الرياضة، فقد خاض غمار السياسة بقيادته لقائمة "الجرأة والطموح"

مرت المسيرة الوردية للبنزرتي بمراحل مثيرة، فقد تم تعيينه مدربا للترجي الرياضي التونسي في موسم 2002 - 2003 وفاز معه بالبطولة، ثم وقّع مع النجم الرياضي الساحلي في 2006 وحقق نتائج مبهرة في الفوز ببطولة الرابطة التونسية المحترفة الأولى لذلك الموسم وكبطل لكأس الكونفيدرالية الأفريقية، وحلّ وصيفا لحامل كأس السوبر الأفريقي، ثم انتقل إثرها إلى الترجي الرياضي التونسي، لكنه غادر بعد ذلك نحو العاصمة طرابلس لتدريب المنتخب الليبي.

وقاد المدرب الجديد للمنتخب الليبي الفريق في مباراته الأخيرة من تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2008. وبعد عودته إلى الترجي الرياضي التونسي فاز بلقب الرابطة التونسية مرتين ليصبح أكثر مدرب يفوز بالبطولة التونسية، كما فاز بلقب دوري أبطال العرب، ووصل إلى نهائي دوري أبطال أفريقيا لكنه خسر أمام تي.بي مازيمبي الكونغولي.

إقالة البنزرتي من تدريب المنتخب التونسي بعد ثلاثة انتصارات والتأهل إلى كأس الأمم الأفريقية تعود إلى خلافه مع رئيس الاتحاد التونسي لكرة القدم وديع الجريء ورفضه لتدخلاته

ودرّب البنزرتي المنتخب التونسي في كأس الأمم الأفريقية في أنغولا، وبعدها بعام وقّع عقدًا لمدة عامين مع النادي الأفريقي وأصبح مديرًا فنيا للفريق لثلاث مرات في حياته المهنية، وصل إلى نهائي كأس الكونفيدرالية الأفريقية قبل أن ينضم إلى البطل المغربي الرجاء البيضاوي، وفي وقت لاحق تم توسيمه من قبل العاهل المغربي الملك محمد السادس مع الفريق بأكمله.

بعد وصوله إلى كأس السوبر الأفريقي 2016 فرضت عليه عقوبة بعد اشتباك عنيف مع طبيب الترجي الرياضي التونسي خلال دور الثمانية من كأس تونس، ما أدى إلى مغادرته في نهاية العام وعودته إلى الترجي.

وفي تلك الفترة فاز بالبطولة التونسية للمرة الثانية على التوالي ولكن مع فريقين مختلفين. ولكنه قرر ترك منصبه كمدرب للفريق في الترجي الرياضي التونسي على الرغم من أنه كان متصدر المجموعة الأولى، ووقع عقداً مع الوداد البيضاوي بطل أفريقيا آنذاك لمدة سنة ونصف بعد البداية السيئة في البطولة الوطنية المغربية وتمكن الفريق من الفوز بلقب كأس السوبر الأفريقي سنة 2018 وإعادة الفريق إلى المنافسة على اللقب قبل أن يحتل المركز الثاني خلف الاتحاد الرياضي بطنجة.

وأعلنت إدارة الاتحاد التونسي لكرة القدم تعيين البنزرتي مدربا للفريق الوطني خلفا لنبيل معلول الذي استقال بعد فشله في كأس العالم 2018، لكن تمت إقالته بعد ثلاثة انتصارات والتأهل إلى كأس الأمم الأفريقية 2019 بعد خلاف مع رئيس الاتحاد التونسي لكرة القدم وديع الجريء لرفضه تدخلاته في التدريبات، ليعود مجددا إلى الوداد المغربي حيث تمكن من تحقيق نتائج جيدة إثر فوزه بالدوري المحلي بعد مباراته مع غريمه الرجاء البيضاوي، كما وصل إلى نهائي دوري أبطال أفريقيا 2019 للعب مع الترجي الرياضي التونسي قبل إيقاف المباراة بسبب المشاكل مع الحكم التي أدت إلى توقف المباراة. وفي 2019 تم تعيين البنزرتي مدربا للمنتخب الليبي بعقد لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد للمرة الثانية.

الأفضل في أفريقيا

الجماهير تطلق على البنزرتي ألقاب مهيبة مثل "شيخ المدربين" و"الجنرال"
الجماهير تطلق على البنزرتي ألقاب مهيبة مثل "شيخ المدربين" و"الجنرال"

تم اختيار البنزرتي كأفضل مدرب أفريقي على الإطلاق، وكان من بين أهم إنجازاته الوصول إلى نهائي كأس العالم للأندية مع الرجاء البيضاوي. وإلى جانب عالم المستديرة، خاض البنزرتي تجارب سياسية قصيرة، حيث قاد قائمة مستقلة سمّيت “الجرأة والطموح” في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التونسي في الثالث والعشرين من أكتوبر 2011، ثم انضم إلى حزب نداء تونس ودعم الرئيس السابق الراحل الباجي قائد السبسي في الانتخابات الرئاسية.

مراقبو مسيرة البنزرتي يرون أنه يتأثر بشكل خاص بأسلوب اللعب الواقعي، سواء في طرائق لعبه أوإدارته، مصنّفين إياه من أبرز الأسماء التي أنجبتها الكرة التونسية

وقد أثار خبر إقالته من تدريب منتخب بلاده بعد ثلاثة أشهر فقط من تعيينه جدلا سياسيا ورياضيا كبيراً، وألمحت الناطقة الرسمية باسم نداء تونس آنذاك أنس الحطاب في تدوينة على حسابها على فيسبوك إلى أن إقالة البنزرتي تعود إلى حضوره اجتماعات حزب نداء تونس، وألمحت أيضًا إلى دور حركة النهضة في هذه الإقالة.

 وكتبت الحطاب في تدوينتها “كل التضامن مع السيد والكابتن فوزي البنزرتي، ارفع رأسك، نعم إنك ابن النداء ولو كره الإخوان”. كما أكدت في تدوينة أخرى أن “عزل مدرب نجح في ثلاث مباريات متتالية تبقى مهزلة وأن التوقيت بعد حضوره اجتماع نداء تونس في المنستير يبقى مفاجئًا”.

وتفاعل كاتب الدولة السابق للشؤون الجهوية والمحلية عبدالرزاق بن خليفة مع هذه المسألة، معتبرًا على حسابه على فيسبوك أن إقالة المدرب الوطني لحضوره اجتماعاً حزبياً سياسياً هو سبب غير قانوني وأن مرسوم الأحزاب لم يحجر الانخراط في الأحزاب إلا على فئات محددة ليس من بينهم مدرب المنتخب الوطني.

12