السعودية تبقي الباب مواربا بشأن التطبيع مع بشار الأسد

الرياض تؤكد أنها لا تفكر في التواصل مع الرئيس السوري أسوة بالعديد من الحكومات لكنها تدعم العملية السياسية في جنيف بين النظام السوري والمعارضة.
الأربعاء 2021/11/03
عودة سوريا إلى الجامعة العربية مسألة وقت

الرياض- أبقت السعودية الباب مواربا بشأن التطبيع مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، في وقت يقود فيه الأردن مساعي حثيثة لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وما يحمله ذلك من تنفيس عن النظام إقليميا.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن بلاده لا تفكر في التعامل مع رئيس النظام السوري في الوقت الحالي.

وفي معرض رده على سؤال في مقابلة مع قناة سي.أن.بي.سي الأميركية الاثنين حول إن كانت السعودية تفكر في التواصل مع الأسد أسوة بالعديد من الحكومات، قال بن فرحان “السعودية لا تفكر بذلك حاليا”. لكنه أشار إلى أن الرياض تدعم العملية السياسية في جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة بين النظام السوري والمعارضة، وأنها تريد المحافظة على الأمن وتدعم ما يحقق مصلحة الشعب السوري.

وكانت الرياض سحبت سفيرها لدى دمشق عام 2011، وجمدت علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد، على خلفية قمع قوات النظام للمظاهرات الشعبية السلمية، ما خلف أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى.

الأمير فيصل بن فرحان: لا نفكر في التعامل مع بشار الأسد في الوقت الحالي

وتبعتها في ذلك بقية دول مجلس التعاون الخليجي عام 2012، إلا أن الإمارات والبحرين أعادتا فتح سفارتيهما في دمشق نهاية عام 2018، على مستوى القائمين بالأعمال.
وفي أكتوبر 2020 أعادت سلطنة عمان سفيرها إلى دمشق، لتصبح أول دولة خليجية تعيد تمثيلها الدبلوماسي على مستوى السفراء.

ووفقا لتقارير إعلامية، أعادت السعودية في مايو الماضي فتح قنوات مباشرة مع النظام، بزيارة رئيس جهاز المخابرات السعودي خالد الحميدان لدمشق ولقائه بشار الأسد ورئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك، إلا أنه لم يصدر تأكيد أو نفي سعودي لهذه التقارير.

ومؤخرا قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط إن الجزائر والعراق والأردن لديها رغبة في عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. وأكد أبوالغيط أن سوريا قد تعود إلى الجامعة خلال القمة المقبلة في حالة حدوث توافق عربي على مشروع القرار، مشيرا إلى رغبة عدد من الدول في ذلك.

وأعاد الزخم في العلاقات الأردنية – السورية مؤخرا الحديث عن المساعي الأردنية للتطبيع العربي مع دمشق، والتي لا تتحفظ عليها كل من الولايات المتحدة وروسيا وعدد من الدول العربية، فيما يقول مراقبون إن التطبيع مع نظام الأسد سيكون في خطوة أولى عربيا ثم دوليا، بناء على تغيّرات إقليمية واستراتيجية قد تدفع الدول الكبرى والدول العربية المتحفظة إلى تعديل بوصلتها في نهاية المطاف.

ويرى مراقبون أن الحرب في سوريا حُسمت عسكريا لصالح قوات النظام والقوات الحليفة لها منذ عام 2018، بخروج مقاتلي المعارضة المسلحة من محيط العاصمة ومحافظة درعا القريبة منها، وأن فرص إسقاط النظام عسكريا باتت “معدومة” تماما.

وبدفع من حكومات عربية وعلى رأسها الحكومة الأردنية، يدور نقاش عميق في أوساط جامعة الدول العربية حول إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وإعادة مقعد سوريا المعلّق في الجامعة.

وعلقت الجامعة عضوية سوريا في الثاني عشر من أكتوبر 2011، ودعت إلى سحب السفراء العرب من دمشق، إلى حين تنفيذ النظام كامل تعهداته في توفير الحماية للمدنيين. وبعد مرور عشر سنوات من الحرب في سوريا، لا يزال البلد يعاني من عدم استقرار داخلي وتراجع المستوى المعيشي وأزمات اقتصادية واجتماعية متراكمة، مع عزلة سياسية.

وقدمت دول عربية في بداية الصراع السوري الدعم لفصائل المعارضة السورية منذ أواخر 2011، بعد أشهر على توجه الثورة السورية إلى الخيار المسلح لمواجهة القمع من طرف القوات الأمنية وحملات القتل والاعتقالات. وكانت للعمليات العسكرية تداعيات مباشرة على أمن واستقرار دول الجوار السوري، لبنان والعراق والأردن.

وأكد التدخل العسكري الروسي في الحرب السورية منذ 2015، وقبله الدعم الإيراني بعشرات الآلاف من مقاتلي المجموعات الشيعية المسلحة اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، بقاء نظام بشار الأسد في الحكم وتراجع احتمالات إسقاطه عسكريا. وأدركت الكثير من الدول العربية في وقت مبكر هذه الحقيقة، ورأت أن من مصلحتها إعادة تطبيع علاقاتها مع النظام الحاكم في دمشق.

أحمد أبوالغيط: الجزائر والعراق والأردن لديها رغبة في عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية

لكن التحول الأكبر في الموقف العربي كان بدايات عام 2017، الذي شهد خسارة المعارضة المسلحة معركة حلب (شمال)، وخلال 2018 عندما خسرت معارك ريف دمشق ومحافظة درعا (جنوب) وتسليمها أسلحتها للنظام والقبول بالخروج من تلك المناطق إلى الشمال السوري، الذي تسيطر عليه فصائل الجيش الوطني (المعارض) وهيئة تحرير الشام وفصائل أخرى.

ويرى مراقبون أن الانفتاح العربي على دمشق جاء نتيجة لتغيير الولايات المتحدة استراتيجياتها في المنطقة، بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض. وكان كذلك نتيجة تبعات سياسات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب (2017 – 2021)، الذي تبنى شعار “أميركا أولا”، واتجاه واشنطن حاليا لمواجهة تهديدات صينية مفترضة، والتركيز على إبقاء عمليات الأمم المتحدة للمساعدة عبر الحدود مفتوحة في أجزاء من سوريا لا تخضع لسيطرة قوات النظام.

وتستند معظم الدول العربية التي أعادت علاقاتها مع سوريا على افتراض غير واقعي، بسيطرة النظام على معظم المناطق الحيوية في سوريا ونجاح قواته في فرض الأمن والاستقرار. وبالرغم من عدم توفر معطيات عن إمكانية تفكيك التحالف بين النظام السوري وإيران، وعدم وجود إرادة سياسية أو رغبة لدى النظام، إلا أن الإمارات والبحرين ودول أخرى تعتقد أن التطبيع مع النظام واستعادة الدور السوري في محيطه العربي والإقليمي سيتكفلان بتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة.

وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية ويليام لورانس إن واشنطن بصدد تقييم سياساتها تجاه دمشق، لكن ليس لديها ما تعلنه في الوقت الحالي. وكانت الإدارة الأميركية قد بعثت بإشارة إلى حلفائها العرب بأن لا مشكلة لديها مع التقارب مع دمشق طالما أن الولايات المتحدة لا تتأثر بذلك، ولاسيما بالعقوبات. وتمنح واشنطن الأفضلية للعملية السياسية في تعاملها مع دمشق، لكنها لا تود التطبيع مع نظام الأسد الذي ارتكب إبادات جماعية في حق شعبه.

ويؤكد العارفون بالسياسة الخارجية الأميركية أنه لا شيء ثابتا لدى واشنطن، وأن ما هو غير قابل للتغيير الآن قد يصبح أولوية في مراحل قادمة، ولعل انسحاب واشنطن من أفغانستان والذي كان خطا أحمر في وقت سابق أضحى أولوية استراتيجية الآن.

وبناء على المتغيرات الإقليمية المتسارعة وتغيّر الأولويات الأميركية قد تنفتح سوريا على محيطها العربي قريبا تحت أعين الولايات المتحدة التي لن تقف حائلا أمام ذلك، مدفوعة بحسابات إقليمية وجيواستراتيجية.

2