اِشتر الآن وادفع لاحقا

الدفع الآجل يحمل نفس إغراء المقامرة، خصوصا عند الذين لا يخططون لدفوعاتهم الشهرية، فمتعة الاستهلاك بالشراء لا تستمر طويلا، لكن قلق تأخير الدفع له آثار نفسية على الإنسان تهدد علاقته بالمحيط الأسري.
الاثنين 2021/11/01
دهاء تجاري يعتمد محفزات مرئية تحرك غريزة الشراء لدى الإنسان

لا أسوأ من فكرة “اِشتر الآن وادفع لاحقا” لأن “لاحقا” هذه لا تبالي بالقلق الذي يمكن أن تتسبب به الديون للمشتري، فهي ببساطة تقدم لك إغراء الشراء، ولا تقترح عليك حلول الدفع!

يعاني أغلب البريطانيين والأميركيين من مرض اقتصادي واجتماعي مستمر اسمه القرض العقاري، أوصل العديد منهم إلى الانهيار الأسري والانتحار، في لحظة العجز المستمرة عن تسديد أقساط قرض المنزل للمصرف الدائن.

هذا المرض لا ينجو منه إلا الأثرياء القادرون على دفع مبلغ شراء المنزل دفعة واحدة، أو الذين استكملوا تسديد القرض وصارت منازلهم ملكا لهم، حتى هؤلاء يتوقون إلى منزل أكبر وقرض جديد.

مرض القرض العقاري عادة ما يستمر مع الموظف صاحب الراتب المتوسط أكثر من عشرين عاما، فيبقى عبدا للعمل من أجل الاطمئنان على الاستمرار في الشعور بأن المنزل سيكون يوما ما ملكه.

مكر الشركات والمتاجر نقل العدوى إلى مرض جديد يشبه القرض العقاري لكن بمبالغ أقل، خلال أزمة الإغلاق إثر انتشار وباء كورونا؛ فقد عرضت التسوق على الإنترنت والدفع لاحقا. لكن العدوى مستمرة بين المتسوقين خصوصا في بريطانيا حتى بعد إنهاء الإغلاق. وقدرت ديون المتاجر على المتسوقين مؤخرا بأربعة مليارات جنيه إسترليني.

لنا أن نتخيل الوضع النفسي لأكثر من 11 مليون بريطاني عليهم أن يدفعوا ديونا مستحقة بمعدل أكثر من 500 جنيها إسترلينيا. بالطبع لو كانوا يمتلكون المال لما انصاعوا لإغراء اشتر وادفع لاحقا.

لذلك حثت أكبر مجموعة استهلاكية في بريطانيا الحكومة على التعجيل بتنظيم “اشتر الآن وادفع لاحقًا” بعد أن تجاوزت القروض غير المسددة أربع مليارات جنيه إسترليني لأول مرة.

وتشير الأرقام المنشورة إلى أن ما يقارب واحدا من كل أربعة بالغين في بريطانيا يستخدم القروض المقدمة لدفع ثمن التسوق عبر الإنترنت.

وتتصاعد التحذيرات من فقدان المدفوعات قبل السماح للمتسوقين بالحصول على قرض، بينما وعدت الحكومة البريطانية بوضع المقرضين تحت سيطرة هيئة السلوك المالي.

الدفع الآجل يحمل نفس إغراء المقامرة، خصوصا عند الذين لا يخططون لدفوعاتهم الشهرية، فمتعة الاستهلاك بالشراء لا تستمر طويلا، لكن قلق تأخير الدفع له آثار نفسية على الإنسان تهدد علاقته بالمحيط الأسري.

الطموح حق مشروع كما حلم الثراء، لكن القناعة أيضا كنز حقيقي للاستقرار النفسي. والتجارب علمتنا ما معنى الإنفاق بقدر ما يملك الإنسان عندما لا يكون مضطرا إلى الاستدانة. الدهاء التجاري يعمل على كسر تلك القناعات الإنسانية من أجل هدف واحد لا يعبأ بالمستهلك ويتمثل في زيادة أرصدة مالكي الشركات، بينما يحتاج الإنسان المتوازن إلى عدم فقْد صوابه وعدم الخضوع إلى غريزة الشراء.

20