غياب التناغم داخل التنسيقية الشيعية يشتت جهود المالكي

يحاول رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي بناء جبهة عريضة تضم القوى المعترضة على نتائج الانتخابات التشريعية التي فاز بها التيار الصدري، بيد أن جهوده تواجه إشكاليات عديدة بينها غياب التوافق مع تلك القوى.
بغداد - خلقت نتائج الانتخابات التشريعية وضعا معقدا في العراق ليس فقط بين المتنافسين من داخل المكون الشيعي، بل وأيضا بين الحلفاء أنفسهم، في ظل تباينات حول سبل التعاطي مع الواقع الجديد الذي هز التوازنات الداخلية.
ويسعى زعيم كتلة “دولة القانون” ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، إلى توسيع جبهة المعترضين على نتائج الاستحقاق، عبر ما يسمى بالإطار التنسيقي، بيد أن غياب التناغم بين مكونات هذا الإطار وسعي آخرين إلى الإمساك بالعصا من المنتصف يجعلان من مهمة المالكي صعبة.
ويضم الإطار التنسيقي إلى جانب “دولة القانون” تحالف “فتح”، الذي يشكل المظلة السياسية للميليشيات المسلحة الموالية لإيران، والذي مني بهزيمة قاسية في الاستحقاق حيث لم يحصد سوى 17 مقعدا، بعد أن حل في المرتبة الثانية بواقع 48 مقعدا في انتخابات 2018.

خلافات داخل تحالف فتح، الحليف الذي يراهن عليه نوري المالكي لمحاصرة مقتدى الصدر
ويتشارك مع الإطار التنسيقي في الموقف من نتائج الانتخابات كل من “تحالف قوى الدولة” بزعامة رجل الدين الشيعي عمار الحكيم ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، وتحالف “العقد الوطني” الذي يتزعمه فالح الفياض، وحزب “الفضيلة”.
ورغم الموقف الجامع بين هذه الأطراف، إلا أن هناك عدم تجانس يصل حد التباين في التعامل مع الوضع القائم، فهناك منهم من يدعو إلى إعادة الانتخابات برمتها في حال لم تتدارك المفوضية المستقلة للانتخابات ما يعتبرونها “أخطاء” شابت عملية العد والفرز، وشق يرفض هذا الخيار ويعتبره غير واقعي.
وصرح عضو ائتلاف دولة القانون، عباس الياسري، الثلاثاء أن الائتلاف ليس مع دعوات إعادة الانتخابات قائلا “نحن نتعامل مع الأمور بواقعية جدا وأعتقد أن إعادة الانتخابات مطلب ليس مطروحا وإنما هو مطلب للجماهير، ومن حق المتظاهرين أن يرفعوا مطالبهم مادام أنهم لم يجدوا آذاناً صاغية من المفوضية”.
وأضاف الياسري “نحن مع سير العملية السياسية بواقعية ودون رفع سقف المطالب حتى نحصل على مطلب آخر، لذا ندعو المفوضية إلى الاستجابة لمطالب المحتجين، وشركاؤنا في الإطار التنسيقي مع هذا الخيار”.
وكانت قوى في تحالف فتح دعت صراحة إلى إعادة العملية الانتخابية برمتها بيد أن كثيرين يرون في مثل هذه المطالب محاولة من تلك القوى الخاسرة للضغط من أجل تحسين تموقعها وحظوظها في المشاركة في تقاسم الحصص الحكومية.
ويرى مراقبون أن المالكي الذي يريد أن يكون صاحب اليد الطولى في نسج خيوط العملية السياسية ما يزال إلى حد الآن عاجزا عن تحقيق اختراق في موقف “تحالف قوى الدولة” الذي لم يحسم موقفه بشأن ما إذا سيكون ضمن مظلة “دولة القانون” أو ينتصر للتيار الصدري الذي حقق المفاجأة بتصدره الاستحقاق بواقع 73 مقعدا.
وتبدو أزمة المالكي مركبة خصوصا وأنه يواجه تحديا آخر يتمثل في الخلافات التي برزت إلى السطح داخل تحالف فتح، الحليف الذي يراهن عليه لفرض محاصرة الصدر والحيلولة دون أن يكون اللاعب الأول على الساحة.وتميل مواقف رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم إلى التيار الصدري، وسبق وأن عقد قبل أيام لقاء مع ممثلي الأخير للتباحث بشأن الأزمة.
وتصاعد مؤخرا الحديث عن خلافات داخل “فتح” بشأن سبل الضغط للتقليل من حجم الخسارة الانتخابية، ففيما يذهب زعيم التحالف هادي العامري إلى تصعيد مضبوط في الشارع، يميل زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي إلى كسر جميع الخطوط الحمراء لإعادة خلط الأوراق مجددا، على الساحة وفرض واقع جديد.
وحاول تحالف فتح التقليل من أهمية الخلافات بين الطرفين، معتبرا أن ما يحصل هو اختلاف في وجهات النظر لا أكثر، وقال عضو التحالف عدنان عزام، الثلاثاء إنه “وحسب استطلاعي وقراءتي لما هو موجود بالتحالف، لا يوجد خلاف جوهري، وإنما اختلاف في ما يتعلق بالتظاهرات الرافضة لنتائج الانتخابات”.
وأضاف عزام لشبكة “روداوو” أنه “لا يوجد خلاف ظاهري بين قيادات تحالف الفتح، وإنما بآلية التظاهرات وآلية الضغط حول التصريح الأخير لمجلس الأمن وترحيبه بنتائج الانتخابات على الرغم من الشكوك الكبيرة في هذه النتائج”، مشددا على أنه “ليس خلافا، وإنما اختلاف في وجهات النظر”.
يذكر أن العلاقة بين الخزعلي والعامري قد شهدت بعض التجاذبات قبل الانتخابات ولاسيما في علاقة بالترشحات على مستوى الدوائر، حيث كان للخزعلي موقف متحفظ لاحتكار العامري العملية ومحاولته استبعاد مرشحين تابعين له ضمن دوائر بعينها.
ويقول محللون إن الخلافات بين الجانبين أمر متوقع خصوصا أن الخزعلي الذي كان ضمن التيار الصدري في السابق قبل أن ينشق عنه، والذي يمتلك تحت إمرته الآلاف من العناصر المسلحة، يرفض أن يكون مجرد لاعب ثانوي على مسرح الأحداث، ويريد أن تكون له حصته من المغانم الحكومية.
ويشير المحللون إلى أنه من غير المرجح أن يذهب الخلاف بينهما حدا بعيدا، حيث إن إيران لن تسمح بذلك، لأن أي اهتزاز في فريقها الميليشياوي سينعكس مما لا شك فيه على وضعها في الداخل العراقي.