هل يجزئ الحوار مع الشباب في تونس عن الحوار مع الأحزاب والمنظمات الاجتماعية

أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد إجراء حوار وطني يقتصر على مشاركة الشباب عبر المنصات الافتراضية لعرض الأفكار والتصورات في مختلف الجهات، في وقت يتساءل فيه المراقبون عن مدى نجاعته في ظل استبعاد الأحزاب والمنظمات الاجتماعية التي تعودت على المشاركة باستمرار في الحوارات السابقة.
تونس - حملت تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد بشأن تنظيم حوار وطني مع الشباب تساؤلات لدى الأوساط السياسية بالبلاد مفادها إن كان الحوار المرتقب سيغني عن الحوار مع الأحزاب السياسية والمنظمات والوطنية والاجتماعية.
وقال قيس سعيد خلال لقائه الجمعة بوزير تكنولوجيات الاتصال نزار بن ناجي إن العديد من الإدارات والوزارات تحولت في السنوات الأخيرة إلى بؤر للتجسس ومراكز للمخابرات، مشددا على ضرورة تطهير هذه الإدارات من كلّ مظاهر الاختراق لتعمل في إطار القانون.
وفي إطار متابعة نتائج أعمال مجلس الوزراء المنعقد مؤخرا كلّف الرئيس سعيد وزارة تكنولوجيات الاتصال بإحداث منصات للتواصل الافتراضي في كل الجهات في أقرب الآجال لتمكين الشباب خصوصا وكافة فئات الشعب التونسي عموما من المشاركة في حوار وطني حقيقي عبر عرض مقترحاتهم وتصوراتهم في كافة المجالات.
وقال سعيد إن “هذا الحوار سيكون نوعا جديدا من الاستفتاء، ولكنه لن يكون استفتاءً بالمعنى التقليدي، حيث سيتم الاستماع إلى مقترحات الشعب التونسي في كل المجالات”.

ناجي جلول: نطالب بحوار عميق مع الشباب يطرح مسألة الانتقال الجيلي
وأكد على “ضرورة إشراك كل التونسيين في الداخل والخارج في هذا الحوار الوطني والاستماع إليهم والإنصات إلى مطالبهم”.
ويراهن الرئيس سعيد على دور الشباب في صناعة القرارات المفصلية للبلاد، ويسعى لممارسة الديمقراطية المباشرة مع الشعب بالاحتكاك مع كل الفئات دون وسائط أخرى على غرار الأحزاب والمنظمات الوطنية، لكن أوساطا سياسية تتساءل عن طرق إجراء الحوار المرتقب وآليات تنظيمه.
ولئن رحبت شخصيات سياسية بالحوار مع الشباب بما هو ممارسة ديمقراطية مباشرة، فإنها طالبت بتوسيع دائرته ومجالات اهتمامه ليشمل مختلف الأطراف بمن فيها الأحزاب والمنظمات الاجتماعية.
وأفاد ناجي جلول أمين عام الائتلاف الوطني التونسي أن “تونس نظمت عدة حوارات ولكن لم تعط نتائج ناجعة”، مؤكدا أن “الحوار مع الشباب يمكن أن يكون فكرة جيّدة فيها مسائل التكوين والتشغيل”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه “يجب أن يكون الحوار مع الشباب عميقا وأن تطرح فيه مسألة الانتقال الجيلي، وآن الأوان لننجح في هذه العملية”.
وبخصوص مشاركة الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية أوضح جلول “يمكن أن تشارك الأحزاب بشبابها وكذلك المنظمات الشبابية ولا داعي للحوارات التقليدية السابقة، فمشاكل تونس معروفة وحلولها معروفة أيضا”، لافتا إلى أنه “يوجد جيل جديد وشباب ناجح في هذا البلد”.
وحول مسألة المنصات الافتراضية ومساهمتها في تنظيم الحوار قال ناجي جلول “لا أرى أن المنصات الرقمية ناجعة في الحوار، ونريد حوارا لا يقصي أحدا، ويكون حوارا حقيقيا يفضي إلى مخرجات معقولة يمكن تطبيقها”.
وسبق أن أكد الرئيس سعيد خلال لقائه بالمكلف بتسيير وزارة الداخلية رضا غرسلاوي (قبل تشكيل حكومة نجلاء بودن) أنه “سيتم الإعلان عن مواعيد الحوار مع الشعب والشباب أساسا”.
وقال “سيتم الإعلان عن المواعيد القادمة في إطار الحوار مع الشعب التونسي ومع ممثلي الشباب في الجهات على وجه الخصوص”.
وتابع سعيّد “يعلمون جيدا ماذا فعلوا وما يفعلون وما زالوا إلى الآن وفي هذه اللحظة يقفون ويطلبون العون من الخارج (…) نحن نتعاون مع الدول والمؤسسات الدولية، ولكن لا بد أن تحترمنا وتحترم إرادة الشعب التونسي الذي له السيادة في الداخل، والدولة ذات سيادة”.
ويرى مراقبون أن الاقتصار على إشراك الشباب دون الأحزاب والمنظمات سيجعل “الحوارا مبتورا”، داعين إلى إشراك أكبر عدد من المواطنين إلا من تحاملوا على السيادة الوطنية واستنجدوا بالخارج ضد الرئيس سعيد.
وقال عبيد البريكي أمين عام حركة تونس إلى الأمام “لا أعتقد أن المقصود من إشراك الشباب في الحوار إقصاء الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية ومكونات المجتمع التونسي، ومع إشراك الشباب تحدث الرئيس سعيد عن عدم إشراك من وصفهم بالخونة ومن عرفوا باستعمال المال الفاسد وهو يعني أحزابا بعينها”.
وأضاف لـ”العرب” أنه “لا بد من إشراك أوسع عدد ممكن من المواطنين على قاعدة أنه لا مكان لمن وقفوا ضد تونس واستنجدوا بأطراف أجنبية ومن ساهموا في تأزيم الأوضاع بالبلاد”.

عبيد البريكي: حوار يعتمد على الشباب فقط سيكون حوارا مبتورا
وتابع البريكي “حوار يعتمد على الشباب فقط سيكون حوارا مبتورا، وإشكالية التعامل مع المنصات الرقمية مطروحة، لكن لا بدّ من قنوات تواصل، ويمكن توظيف الأماكن الريفية وغيرها”.
واستطرد “من لا يستطيع المشاركة في الحوار عبر المنصات مشاركته ستكون عبر المجتمع المدني، ولا بدّ أن تكون الآليات متنوعة”.
وفي وقت سابق أكدت الرئاسة الفرنسية تعهّد الرئيس التونسي بتنظيم حوار وطني بعد التحوّلات السياسية الكبيرة التي شهدتها البلاد منذ الخامس والعشرين من يوليو الماضي.
وقال الإليزيه إن الرئيس قيس سعيد تعهد خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس إيمانويل ماكرون بإطلاق حوار وطني في تونس.
وفي ديسمبر 2020 تقدم الاتحاد العام التونسي للشغل بمبادرة لإجراء حوار وطني، مؤكدا أن من شأنها أن تخرج تونس من أزمتها، وتقدّم رؤية من أجل إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تنتج تغييرا حقيقيا في البلاد.
وكانت أطراف تونسية أخرى قدمت مقترحات حوار عديدة إلى رئيس الجمهورية، كانت أولاها مبادرة حزب التيار الديمقراطي خلال شهر نوفمبر من العام الماضي، لكنها لم تلق سوى قبول شكلي من سعيد الذي لم يتخذ أي خطوة إضافية حيالها.
وإثارة الرئيس التونسي لهذا الحوار هي أول مؤشر منذ توليه السلطة التنفيذية في يوليو الماضي على استعداده للتشاور على نطاق أوسع حول إيجاد مخرج للأزمة. وعلق سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو عمل البرلمان ونحى جانبا الكثير من مواد دستور 2014.