تراجع تمثيل الأحزاب الكبرى يُحرك الحرس القديم في التجمع الديمقراطي الجزائري

قادة ومؤسسون أوائل يحنّون إلى عقيدة العداء للإسلاميين و"الحركيين".
السبت 2021/10/23
تهميش متعمد من قبل السلطة للأحزاب الكبرى

الجزائر - أفضت التزكية النهائية للوائح الترشيح للانتخابات المحلية في الجزائر، إلى تسجيل تراجع ملفت لتمثيل الأحزاب الكبرى في ربوع بلديات وولايات الجمهورية، لتسجل بذلك عجزا متفاوتا لأول مرة في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية المحلية، وهو ما أدى إلى ردود فعل غاضبة من قيادات مخضرمة في التجمع الوطني الديمقراطي، على أداء إدارة الحزب، بسبب ما أسمته بتراجع الحزب عن الأدبيات الأساسية التي ظهر من أجلها، بما فيها المصالحة مع الإسلاميين.

ورفعت مجموعة من القيادات المخضرمة في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، احتجاجا لدى قيادة الحزب، على خلفية ما أسموه بـ”تراجع انتشار الحزب على المستوى القاعدي، بعد غيابه عن نحو ثلث البلديات”، وهي سابقة أولى في تاريخ الحزب منذ نشأته في منتصف تسعينات القرن الماضي.

ولأول مرة في تاريخ الانتخابات المحلية الجزائرية منذ بداية التعددية الحزبية في البلاد، تسجل الطبقة الحزبية الموالية للسلطة تراجعا لافتا في الانتشار القاعدي، حيث غابت الأحزاب الكبرى لأول مرة عن العشرات من البلديات والولايات، تحسبا للانتخابات المحلية المقررة في السابع والعشرين من نوفمبر.

قيادات مخضرمة بالتجمع الوطني الديمقراطي رفعوا احتجاجا بسبب تراجع انتشار الحزب بعد غيابه عن نحو ثلث البلديات

وأعرب قادة مؤسسون للحزب عن امتعاضهم الشديد من سياسات القيادة الحالية للحزب، واتهمومها بـ”التراجع عن المبادئ التي تأسس لأجلها الحزب”، مما كلفه انكماشا ملحوظا لدى القواعد الشعبية، أفضى إلى تسجيل تراجع في نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث حل الحزب خامسا في لائحة القوى المهيمنة على البرلمان الجديد.

ولا يستبعد القادة المتمردون على الأمين العام العالي طيب زيتوني، تسجيل تراجع جديد في الانتخابات المحلية القادمة، مما سيهدد مصيره لدى الشارع السياسي، وأوعزوا ذلك إلى تراجع عقيدة الحزب عن المبادئ والمواقف الأساسية التي ظهر لأجلها.

وذكر مصدر مطلع في الحزب، رفض الكشف عن هويته، لـ”العرب”، بأن “التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يوصف بأنه حزب ولد بالشوارب، فقد ثقته لدى الوعاء الانتخابي في مؤسسات الدولة على غرار الإدارة وبعض المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، بسبب تماهيه مع توجهات النظام السابق”.

وألمح المصدر، إلى أن الحزب الذي تأسس في ذروة الحرب على الإرهاب، من أجل تقويم الانحراف الذي ظهر في التيار الوطني، صار “ذراعا سياسية لنظام لا يتحرج في الجلوس مع رموز الإرهاب والطابور الخامس الموالي لفرنسا”.

وتجري الانتخابات المحلية المقررة نهاية الشهر القادم في 58 ولاية و1571 بلدية تشكل تراب الجمهورية، إلا أن اللافت أن أعرق الأحزاب وأقواها لم تستطع تغطية كامل التراب الوطني، واضطرت للغياب عن العشرات من البلديات، وهو ما سُجل بشكل واضح لدى التجمع الوطني الديمقراطي، الذي سيغيب عن نحو 500 بلدية، الأمر الذي سيرهن حظوظه وتواجده القاعدي مستقبلا، خاصة وأن الانتخابات المحلية عادة ما تكون منصة للاستحقاقات الكبرى.

وأرجعت قيادة الحزب سبب التراجع المذكور، إلى الإجراءات المشددة التي طبقتها السلطة المستقلة للانتخابات في قبول لوائح المترشحين، حيث أقصت العشرات من اللوائح الحزبية والمستقلة لأسباب مختلفة، أبرزها شبهات المال الفاسد والتجوال الحزبي والارتباط بفلول النظام السابق.

التزكية النهائية للوائح الترشيح للانتخابات المحلية في الجزائرسجلت تراجع كبير لتمثيل الأحزاب الكبرى في ربوع بلديات وولايات البلاد

غير أن مصدر “العرب”، أكد على أن عقيدة الحزب التي قامت على معاداة التيار الإسلامي و”الحركى” (الجزائريين الذين حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي)، والتيار الموالي لفرنسا، اكتسبت دعما شعبيا واستطاعت كسب قواعد قوية داخل الجهاز الإداري وبعض المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني، إلا أن التمييع الذي طال العقيدة المذكورة، تحت مسمى المصالحة الوطنية، أفقد الحزب قواعده وشعبيته وهاهو يدفع فاتورة باهظة تهدد وجوده أصلا.

ولفت إلى أن القيادة الحالية بزعامة زيتوني، المنبثقة عن المؤتمر الأخير قدمت تعهدات بالعودة إلى الأدبيات الأساسية للحزب، لاسيما التخلص من الجيوب الموالية للإسلاميين و”الحركيين”، وعلى تطهير الحزب من الدخلاء، إلا أن الممارسات المطبقة سارت عكس ذلك تماما، مما كلفه تقلصا في التشريعيات الماضية ومصيرا غامضا في الانتخابات القادمة.

وفيما دعا المتحدث، إلى “ضرورة تكتل أبناء الحزب والمؤسسين من أجل إنقاذ التجمع الوطني الديمقراطي من التلاشي السياسي”، رمت معظم القيادات الحزبية بتراجع انتشارها إلى سلطة تنظيم الانتخابات، التي طبقت تدابير مشددة وصفها رئيس حركة مجتمع السلم الإخوانية عبدالرزاق مقري، بـ “الغريبة” و”الواهية”، كما استغرب مبررات “تهديد الأمن” التي طالت بعض المرشحين.

وظل التجمع الوطني الديمقراطي، الذي تزعمه سابقا رئيس الحكومة المسجون أحمد أويحيى، أحد أضلاع ما كان يوصف بـ”التحالف السياسي” المؤيد للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، إلى جانب كل من جبهة التحرير الوطني وحركة مجتمع السلم، غير أن إفرازات الحراك الشعبي في 2019، وقدوم سلطة جديدة في البلاد، دفعا إلى تراجع أطراف التحالف المذكور، رغم عدم تردده في دعمها، مقابل صعود قوى حزبية ومستقلة أخرى، على غرار حركة البناء الوطني، وجبهة المستقبل والمستقلين.

ويسود اعتقاد لدى ما يوصف بـ”الحرس القديم” الذي أعلن تمرده على قيادة الحزب، بأن فشل الحزب في الحفاظ على مواقعه، سيكون فرصة من أجل إعادة التجمع الوطني الديمقراطي، إلى عقيدته الأساسية، القائمة على معاداة الإسلام السياسي والإرهاب و”الحركيين”.

4