مشاريع البنية التحتية أولى بالاهتمام من التعليم والصحة في مصر

القاهرة – تجدد النقاش بين غالبية المواطنين في مصر حول أولويات الحكومة، بالتزامن مع انطلاق العام الدراسي الجديد هذا الأسبوع؛ حيث يتساءلون: هل تتقدم مشاريع البنية التحتية وتعبيد الطرق وشق وبناء الجسور والمدن على التعليم والصحة وباقي الخدمات التي تهم المصريين؟
بات الجواب عن هذا السؤال صعبا على المسؤولين والمواطنين، لأن الحكومة لا تقدر على إحداث هذا التوازن، وبدا انحيازها إلى المشاريع العمرانية كأنه على حساب التعليم والصحة.
واحتدم النقاش خلال اليومين الماضيين على وقع فشل وزارة التربية والتعليم في التعامل مع أزمة تكدس الطلاب داخل الفصول المدرسية، ما أزاح الغطاء عن عجز هائل بعد أن فتحت المدارس أبوابها لأول مرة منذ عامين بسبب فايروس كورونا، وهي المدة التي لم تستثمرها الحكومة في زيادة عدد المدارس التي تستوعب الأعداد الهائلة من التلاميذ.
وتواجه الحكومة انتقادات بسبب توجيه دفة اهتماماتها إلى المشاريع العمرانية مقارنة بالمشاريع الخدمية ذات الارتباط المباشر بحياة الفقراء ومحدودي الدخل، ونالت وزارة التعليم قدرا كبيرا من اللوم لأنها مسؤولة عن مستقبل أكثر من 23 مليون طالب في مراحل تعليمية مختلفة.
الحكومة المصرية على قناعة بأن الاستثمار في البنية الأساسية شرط مهم لجذب الاستثمارات الأجنبية ودون المشاريع العملاقة يصعب تحقيق هذا الهدف
والمشكلة الرئيسية التي أدت إلى ذلك هي أن شريحة كبيرة من المواطنين غير قادرة على الاستفادة بشكل مباشر من المشاريع التنموية المنتشرة في ربوع البلاد، وبالتوازي مع ذلك تواجه يوميًا مشكلات عديدة في المدارس والمستشفيات.
وكلما تعرض هؤلاء لأزمة تذكروا الأموال التي وجهتها الحكومة إلى مشاريع قومية، بلغت حسب أرقام حكومية نحو 6 تريليونات جنيه، أي حوالي 370 مليار دولار، بينما كان توجيه جزء يسير من هذا الرقم يكفي لتغيير حال التعليم في مصر.
وأمام الانتقادات الموجهة للحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي اضطر وزير التعليم المصري طارق شوقي إلى تبرير عدم قدرة وزارته على توفير خدمة تعليمية جيدة، قائلاً “لدينا 60 ألف مدرسة وتصل نسبة الكثافات إلى 100 طالب في الفصل الواحد ونعاني من عجز يصل إلى ربع مليون فصل، وما يحدث تتحمل مسؤوليته وزارات سابقة، ونعمل في الوقت الحالي على تصويب تلك الأخطاء”.
وأغرق شوقي الكثير من الفقراء في أرقام وإحصائيات تثير الشفقة على الدولة، إذ حاول من خلالها إيجاد تفسيرات عملية تخفف من وطأة الأزمة التي تعيشها وزارة يتولى حقيبتها منذ حوالي أربع سنوات وأخفق خلالها في إقناع الغالبية بأهمية مشروعه لتطوير التعليم.
لم تقنع الأرقام التي ذكرها شوقي السيدة إيمان إبراهيم، وهي مسؤولة عن إحدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تستقبل شكاوى أولياء الأمور، لأن ما تحدث عنه يشير إلى أزمة عجز في ميزانية إنشاء المدارس بينما هناك فائض من الأموال يوجه إلى مشاريع مختلفة، ولو وجه جزء منها إلى التعليم لتغيرت الصورة في هذا المجال.
وقالت لـ”العرب” إن “الحكومة تتحمل جزءا من مشكلة الزيادة السكانية التي أدت إلى استقبال هذا الكم الهائل من الطلاب، ولم تتمكن من توفير البنية التحتية اللازمة لاستيعابهم”.

وأضافت “ميزانيات قطاع التعليم التي تضاعفت بفعل المنح والقروض الدولية تم توجيهها لتطبيق منظومة تعليمية جديدة، وهذا أمر مهم للغاية، لكن لا يمكن الحصول على عوائده طالما استمر العجز على مستوى المباني المدرسية، ولن تكون هناك بيئة مواتية تساعد الطلاب على الاستفادة من التطوير”.
وتؤمن دوائر حكومية بأن توجيه الأموال لسد فجوة الإنشاءات في المدارس لن يأتي بمردود إيجابي لأن البيروقراطية في الإدارات والمديريات التعليمية ستجعل هناك مشكلات في الكثافات، وإن جرى التوسع فيها، والأمر يقوم على الرشاوى والوسائط لإلحاق الطلاب بمدارس بعينها.
ولا يتوقف جدل الأولويات في مصر، فالكثير من المشاريع القومية التي أثبتت نجاحها وأهميتها تحظى برضى المواطنين لأنها كشفت عن الوجه الحضاري للدولة التي تريد إحداث طفرة عمرانية تستوعب الزيادة السكانية المتواصلة.
وتقتنع الحكومة بأن الاستثمار في البنية الأساسية شرط مهم لجذب الاستثمارات الأجنبية ودون المشاريع العملاقة يصعب تحقيق هذا الهدف، بالتالي تظل هياكل الدولة مترهلة والمواطنون يعانون اقتصاديا، ويستمر الدوران في حلقات مفرغة.
وقال مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية مصطفى أبوزيد إن “حجم الاستثمارات الحكومية في مشاريع البنية التحتية والطرق والكباري -إلى جانب توجيه جزء من الميزانية للاستثمار في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات العامة- يؤدي إلى توفير عوائد مالية تقود إلى استدامة النمو الاقتصادي، وهو ما يتيح فرصة أكبر للدولة لتضاعف مخصصاتها للقطاعات الخدمية”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أنه “طالما لا يوجد نشاط اقتصادي واستثماري في قطاعات مختلفة فإن الخدمات المرتبطة بالمواطنين -من صحة وتعليم وغيرهما- لن تشهد تحسناً”.