الأزمة الجزائرية – الفرنسية فرصة تركيا لتعزيز مصالحها في الجزائر

الآلة الإعلامية التركية دفعت باتجاه مزيد تأجيج تصريحات إيمانويل ماكرون وتأليب الجزائريين على فرنسا.
الجمعة 2021/10/08
الاصطياد في الماء العكر

الجزائر- دخلت تركيا على خط التصعيد الدبلوماسي بين الجزائر وفرنسا، عبر تصريحات لوزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو انتقد فيها ما أسماه بـ”سعي باريس الدائم لتوريط بلاده في الماضي الاستعماري الفرنسي للجزائر”، وهو ما تزامن مع عرض وزارة الطاقة الجزائرية فرص استثمار وتنقيب على الأتراك في مجال الطاقة، ما يؤكد التقارب بين البلدين، ويشير إلى أن الجزائر تعيد ترتيب أوراقها فيما يتعلق بتصنيف وترتيب الشركاء والحلفاء.

وذكر بيان لوزارة الطاقة الجزائرية أن الوزير محمد عرقاب عرض فرص وإمكانيات استثمار في مجال الطاقة، لاسيما في التنقيب واستغلال النفط وتطوير الصناعات البتروكيماوية، وإنتاج ونقل الكهرباء، وذلك خلال الاستقبال الذي نظم الخميس للسفيرة التركية بالجزائر ماهينور أوزدمير كوكطاش.

وجاء العرض ليكرّس توجه السلطة الجزائرية لتعميق التعاون الشامل مع تركيا، كما أن فتح القطاع الاستراتيجي لأول مرة على الأتراك يحمل دلالات بأن الجزائر التي كانت تعتمد على الشركات الفرنسية والأميركية والبريطانية في مجال النفط، تريد فتح بوابة على تركيا التي ظلت طيلة السنوات الماضية تحوز فقط على استثمارات البناء والأشغال العمومية والسكن والخدمات.

وعلّقت السفيرة التركية على العرض الجزائري بالقول “إنني راضية عن علاقات التعاون بين الشركات في البلدين، وإن الشركات التركية مهتمة بتعزيز تواجدها في الجزائر، في إطار شراكة متطورة وتعاون ممتاز بين البلدين، وهذا العرض سيكثف التعاون في مجال الطاقة والمناجم واستكشاف فرص الأعمال والآفاق المستقبلية للاستثمار”.

العلاقات الجزائرية – التركية ستشهد انفتاحا آخر من خلال عقد اللجنة المشتركة الجزائرية – التركية، التي ستترأسها وزارة الطاقة

ويجري حاليا العمل على تنفيذ مشروع للبتروكيماويات بين سوناطراك الجزائرية وشركة رينيسانس هولدنغ التركية، بولاية أضنة جنوبي تركيا، وتبلغ تكلفته المالية 1.4 مليار دولار بحصة 66 في المئة لرينيسانس هولدنغ، و34 في المئة لسوناطراك، وسينتج مادة البلوبروبيلان البلاستيكية التي تدخل في عدة صناعات على غرار السيارات والنسيج.

وينتظر أن تشهد العلاقات الجزائرية – التركية انفتاحا جديدا من خلال عقد اللجنة المشتركة الحكومية الجزائرية – التركية، التي ستترأسها وزارة الطاقة والمناجم، وذلك بالموازاة مع لقاء منتدى للأعمال في البلدين، وهو الانفتاح الذي يهدد مكانة فرنسا كشريك ثان للجزائر بعد الصين بسبب المنافسة التركية، وأجج السجال السياسي والدبلوماسي بين باريس وأنقرة على خلفية حقبتهما التاريخية في الجزائر.

ولم تتأخر تركيا في الدخول على خط الأزمة الدبلوماسية المتصاعدة بين الجزائر وفرنسا على خلفية التصريحات المثيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول هرم السلطة في الجزائر والموقف من الوجود التركي، حيث رد وزير خارجيتها بقوة في تصريح صحافي وصف فيه التصريحات بـ”الرخيصة” و”غير المجدية”.

وذكر في مؤتمر صحافي مشترك انعقد الخميس مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا بمدينة لفيف الأوكرانية بأنه “من الخطأ إقحام تركيا في هذه النقاشات، فتاريخها خال من أيّ وصمة عار مثل الاستعمار، وأن الجزائر أظهرت بالفعل الرد اللازم على تصريحات الرئيس الفرنسي”.

ولفت إلى أن هناك توافقا بين تركيا وفرنسا على مستوى الرئيسين رجب طيب أردوغان وإيمانويل ماكرون، وكذلك على مستوى وزيري الخارجية بشأن “التحدث بطرق مباشرة وليس عبر الإعلام، ولذلك نعتقد أن مثل هذه التصريحات غير صائبة، ونرى أن ماكرون لجأ إلى هذه الأساليب بسبب الانتخابات التي بدأت أجواؤها تخيم على فرنسا”.

وأضاف “رأينا ولا نزال نرى أن مثل هذه الأساليب الرخيصة غير مجدية أبدا في الانتخابات أيضا سواء في فرنسا أو في بلدان أخرى، ولذلك أعتقد أنه سيكون من المفيد له (ماكرون) اتخاذ خطوات لكسب ثقة شعبه بدلا من اللجوء إلى مثل هذه الأساليب الشعبوية”.

الدخول على خط الأزمة
الدخول على خط الأزمة

وكان ماكرون قال الأسبوع الماضي “هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ لقد كان هناك استعمار قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر، أنا مفتون برؤية قدرة تركيا على جعل الناس ينسون تماما الدور الذي لعبته في الجزائر، والهيمنة التي مارستها، وأن الفرنسيين هم المستعمرون الوحيدون، وهو أمر يصدقه الجزائريون”.

واشتغلت الآلة الإعلامية التركية على تأجيج تلك التصريحات وتأليب الجزائريين على فرنسا حيث لم تتوقف وكالة الأناضول عن نشر تقارير منحازة للجزائر منذ بدء الأزمة.

وتحاول أنقرة من خلال ذلك استثمار أزمة فرنسا مع الجزائر لتكون فرصة لتصفية المعركة بينهما والبحث عن مواطئ نفوذ جديدة في الجزائر وإنهاء الهيمنة الفرنسية.

وتتواصل ردود الفعل الجزائرية على الفرنسيين، والتي كان آخرها التصريح الذي أدلى به الخميس وزير الخارجية رمطان لعمامرة وانتقد فيه التوجه الفرنسي تجاه بلاده، وأكد على متانة العلاقات بينها وبين الأتراك.

وذكر لوكالة الأناضول في روما، على هامش انعقاد قمة “إيطاليا – أفريقيا” بأن “تركيا لاعب دولي مهم جدا ونرتبط معها بعلاقات تاريخية عميقة، وهي إشارة قوية على الموقفين الرسمي والشعبي في الجزائر وعلى الموقف المختلف تجاه التواجد العثماني والفرنسي، الذي أغاض الرئيس ماكرون، في إطار ما يسمّى في باريس، بنقاش معالجة جرح الذاكرة”.

ووصف تصريح ماكرون بـ”الخطأ الجسيم”، وأن “الجزائر وتركيا تمتلكان علاقات تاريخية عميقة وروابط معنوية قوية، وتسعيان لتعزيز علاقاتهما المشتركة، وأن تركيا ساهمت بشكل مهم في عملية التنمية بالجزائر خلال السنوات الأخيرة، وأن بلاده تتطلع إلى المزيد من علاقات الشراكة والاستثمارات التركية خلال الأيام القادمة”.

1