قابيل الروسي

نعرف قصة أول سباق تسلح في التاريخ. دخل الحسد قلب قابيل على أخيه هابيل. لا نعرف هل تشاجرا أم غدر الأخ بأخيه. لكن قابيل سبق هابيل عندما استخدم سلاحا ربما هو عصا أو قطعة حجر، وضربه فمات. السلاح المتفوّق، رغم بدائيته، كان حاسما في مواجهة القوة العضلية المجردة.
سباقات التسلح ترسم التاريخ وتقرر مسيرته. بدأت بالعصا والرمح والسيف والقوس والنشاب، أي عصر السلاح الأداة. إذا سبق جيش جيشا آخر بتبنّي أقواس بحجم أكبر، أي بقدرة على رمي السهام لمديات أطول، قد يعني هذا أنه قادر على حسم المعركة لصالحه. سيضرب عدوّه في مقتل قبل أن يتاح للطرف الآخر توجيه أول سهم.
عندما دخلت الآلة سباق التسلح، تغير كل شيء. ما عادت القوة العضلية التي تستخدم السلاح الأداة هي المعيار. السبق الآن لمن لديه القدرة على حشد مدافع أكبر وبنادق أكثر. البارود آلة، في البندقية أو المدفع. لم تقتل المدافع الجنود في ساحات المعارك وحسب، بل أحالت إلى التقاعد مفهوم القلعة الحصينة. صمود القسطنطينية لقرون أمام الفاتحين المسلمين، انتهى عندما اشترى السلطان محمد الفاتح مدافع من أوروبا. ربح السلطان العثماني سباق التسلح عندما ضرب مدفع الدردنيل الذي صبه الصانع أوربان الهنغاري أسوار عاصمة البيزنطيين العصيّة.
ثم جاء عصر المنظومات. التكنولوجيا المدنية (البريئة) صارت هي العنصر الحاسم في سباقات التسلح. التليغراف والقطار، ثم اللاسلكي والطائرة، دخلت المعركة بنفس الطريقة التي تطوّرت فيها الأسلحة. ضع الدبابات والمدافع على عربات الشحن لقطار وانقلها من شرق ألمانيا إلى غربها مع جنودها، ثم تستطيع أن تنفذ استراتيجية الحرب الخاطفة.
وصلنا إلى عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية. سباق التسلح هو جزء من الأتمتة. من آليات الضربات النووية، إلى إطلاق الصواريخ. الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي هي سباق تسلح. بعضه حقيقي والآخر مسرحي. الحقيقي في ساحات مثل فيتنام وأفغانستان. والمسرحي عندما خدعت إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان السوفييت وجعلتهم يعتقدون بأنها طورت مدافع ليزر قادرة على إسقاط صواريخهم الباليستية وتحييد ما يمكن أن تحمله من رؤوس نووية. ظل السوفييت يركضون وراء حلم الفوز بما سمي في وقتها بـ"حرب النجوم"، إلى حين انقطعت أنفاسهم ومات الاتحاد السوفييتي بالسكتة القلبية.
تمتعت الولايات المتحدة بنشوة النصر في الحرب الباردة وما رافق نتائج حرب الخليج. في هذا الوقت تعلم الآخرون الدرس.

سباق التسلح هو المفتاح. صواريخ وصواريخ كروز ومسيّرات. مشهدية الهجوم الإيراني على منشآت أرامكو السعودية في أبقيق هي الصورة الرد على صور استعراضات طائرات الشبح الأميركية وهي تضرب بغداد وبلغراد.
قبل أن يهضم الغرب فكرة الخطر الكبير الذي تمثله المسيرات، جاءت الرشقة الأخرى. روسيا تطور تقنية صواريخ فرط صوتية. صواريخ قادرة على التحليق بسرع تزيد 5 مرات على سرعة الصوت. ثم لحقت بها كوريا الشمالية، وقريبا إيران. لا يتوفر حاليا سلاح للردّ على هذه الصواريخ. ومن سرعتها، تخلق حالة فيزيائية نادرة في الطبيعة تجعلها صعبة التتبع بالرادار. مؤشر سباق التسلح يميل ضد الغرب.
ستحتاج الولايات المتحدة إلى فعل الكثير لتجد ردا على هذه التقنيات الفائقة. قابيل الروسي أحسن انتقاء عصاه. قابيل اليمني ما يزال يقلب مسيّرته البسيطة فرحا بلعبة أهدتها له إيران.