هل يتحول ملف النفايات الإيطالية في تونس إلى أزمة سياسية؟

طفى على السطح مجددا ملف النفايات الإيطالية المصدرة إلى تونس بصفة غير قانونية، ولئن اعتبر مراقبون أن النشاط الدبلوماسي بشأن الملف ضعيف، فإن أطرافا أخرى رجحت أن تكون القضية قد اتخذت بعدا سياسيا بإشراف أطراف إيطالية وتونسية مشتركة، تسعى لتحقيق أهداف معينة.
تونس- لا يزال ملف النفايات الإيطالية الذي تجاوز سنة كاملة على ظهوره، يثير الجدل في تونس، وسط ترجيحات المراقبين بكونه اتخذ صبغة سياسية تهدف إلى تحقيق مصالح معينة، في وقت يفترض أن تعترف فيه إيطاليا بالخطأ وتشرع في إعادة النفايات إلى مصدرها.
وأعلنت شبكة “تونس الخضراء” أن القضاء الإيطالي ردّ دعوى الضمان المالي التي أقامتها شركة “سفيلوبو ريسورزي آمبيانتالي” مصدّرة النفايات إلى تونس بصفة غير قانونية.
ونددت الشبكة بـ”الضبابية التي تكتنف التحركات الدبلوماسية التونسية في ما يهم هذه القضية”، متسائلة عما تنتظره الدولة التونسية للتحرك في خضم هذه التطورات؟
وكان القضاء الايطالي قد أصدر في الرابع والعشرين من يوليو الماضي حكما بشأن قضية النفايات المصدرة من إيطاليا إلى تونس بشكل غير قانوني في الفترة بين مايو ويوليو 2020 يقضي بإجبار الشركة الإيطالية “أس آر أي” بتنفيذ قرار سلطات مقاطعة كامبانيا لاسترجاع 282 من الحاويات التي تحتوي على 7800 طن من النقايات، في أجل لا يتجاوز تسعين يوما بداية من التاسع من ديسمبر سنة 2020.

عادل الهنتاتي: هناك تواطؤ من جهات إيطالية رسمية متخفية بالمافيا
ولم يفصل القضاء الايطالي حينها في مسألة استعمال الضمان المالي الذي كان محل نظره.
وكانت الشركة الايطالية “أس آر أي” قد قدمت شكوى لدى المحكة الإدارية بنابولي ضد مقاطعة كامبانيا من أجل تعليق قرار هذه الأخيرة، لكن المحكمة قضت في التاسع من فبراير 2021 بعدم اختصاصها في مثل هذا الملف ليبقى قرار مقاطعة كامبانيا ساري المفعول.
ومضت أكثر من سنة منذ دخول شحنات النفايات الإيطالية إلى تونس وأكثر من ستّة أشهر بعد نهاية الآجال التي أقرتها اتفاقية بازل لإعادتها إلى بلد المصدر، ولازالت هذه النفايات تقبع في ميناء سوسة التجاري.
ويرى خبراء البيئة أن التباطؤ في إعادة نقل النفايات إلى إيطاليا جريمة كبرى، معتبرين أن هناك تواطؤا بين جهات إيطالية وأخرى تونسية.
وأفاد عادل الهنتاتي الخبير الدولي في البيئة والتنمية المستدامة وجود جهات تونسية ومجتمع مدني في إيطاليا يحركان الملف”، قائلا “هناك تواطؤ من جهات إيطالية رسمية متخفية بالمافيا”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “الشركة الإيطالية لم تمتثل لقرار المحكمة الإيطالية العليا، وتونس لم تضغط دبلوماسيا كما ينبغي على الجانب الإيطالي حتى تتكفل الشركة بإعادة النفايات إلى بلادها وتتحمل مسؤولية الخسائر والأضرار المادية”.
وتابع الهنتاتي” تونس اختارت التفاوض مع إيطاليا، لكن الآن النفايات تجاوزت السنة، وعلى السلطات أن تصعّد في لهجتها حتى تجبر الطرف الإيطالي على إعادة النفايات” لافتا إلى أن “الرئيس قيس سعيّد عليه أن يأخذ القضية بكل جدية حماية لسيادة تونس”. واستطرد “تحويل النفايات من إيطاليا إلى تونس جريمة كبرى، والدولة الإيطالية هي المسؤولة عما يحدث”.
وسبق أن نددت منظمات تونسية بما اعتبرته “تراخيا” من تونس وروما في ملف إعادة نفايات منزلية تم توريدها بطريقة غير قانونية من البلد الأوروبي، بالرغم من انتهاء الآجال القانونية.
وأفادت مصادر متطابقة لوكالة فرانس برس بأن حاويات النفايات المنزلية التي يُمنع تصديرها وفق القانون التونسي والتشريعات الدولية لا تزال في ميناء محافظة سوسة (شرق) منذ صيف 2020 إلى اليوم.

حسام حمدي: وجود أطراف في تونس تساعد الشركة الإيطالية في مهمتها
وقال المتحدث باسم المحكمة الابتدائية بسوسة جابر الغنيمي في تصريح صحافي “إن السلطات الإيطالية فرضت على شركة ‘كومبني’ (جنوب) إرجاع هذه الحاويات في آجال لا تتجاوز تسعين يوما بداية من التاسع من ديسمبر الماضي.
ويلاحق في “قضية الفساد” ستّة وعشرون شخصا من بينهم ثمانية مسجونين؛ على غرار وزير البيئة السابق مصطفى العروي ومسؤولين في الجمارك وآخر في حالة فرار وهو مدير الشركة التونسية الموردة للنفايات وفقا للغنيمي.
ويعتبر نشطاء المجتمع المدني أن التحرك الدبلوماسي التونسي لم يكن في مستوى الانتظارات، ولم ينفوا وجود مصالح سياسية للأطراف المستفيدة من الملف، مؤكدين على وجود أطراف في تونس تساعد الشركة الإيطالية في مهمتها.
وقال حسام حمدي المتحدّث الرسمي باسم شبكة تونس الخضراء في تصريح لـ”العرب” إن” التحرك التونسي بخصوص الملف دون المستوى، والشركة الإيطالية تريد إدخال السلطات التونسية في متاهات لكي تربح وقتا إضافيا، وهي تتابع الموضوع وتسعى لاستغلال أيّ تصريح تونسي خاطئ”.
وأضاف “الشركة الإيطالية نشاطها يندرج في التحرك غير الشرعي للنفايات، وهي من نسيج المافيا، وتعمدت أيضا إرسال نفايات مشابهة إلى دول أخرى، وهي تعتبر نفسها فوق القانون”. وقال حمدي “من المؤكد توجد أطراف في تونس تساعد الشركة الإيطالية في مهمتها ولو بصفة سلبية، وهي تحاول إيجاد مخرج قانوني”.
وبخصوص المشاكل الإقليمية المشتركة بين تونس وإيطاليا، على غرار الهجرة غير النظامية، وملف التمويل الخارجي، أفاد حسام حمدي أن “إيطاليا تريد تسوية الملف، في المقابل الدولة التونسية تسعى لتسوية ملف النفايات بطريقة تفاوضية وقانونية، حفاظا على العلاقات الدبلوماسية، وهنا لا بد من ذكاء سياسي في التعامل مع الملف الضبابي”.
وفي وقت سابق أعربت شبكة تونس الخضراء عن استغرابها الشديد بعد تصريحات مدير عام البيئة وجودة الحياة بوزارة البيئة الهادي شبيلي في ما يتعلّق بملف النفايات الإيطاليّة المورّدة إلى تونس بشكل غير قانوني، وطالبت بإرجاع حاويات النفايات التي لا تزال رابضة بمرفأ سوسة التجاري لفائدة الشركة التونسيّة المورّدة، إلى مصدرها.
أكثر من سنة مضت منذ دخول شحنات النفايات الإيطالية إلى تونس وأكثر من ستّة أشهر بعد نهاية الآجال التي أقرتها اتفاقية بازل لإعادتها إلى بلد المصدر
واعتبرت شبكة تونس الخضراء أنّ “تصريحات شبيلي من شأنها دعم موقف الشركة الإيطالية المصدرة للنفايات والحكومة الإيطاليّة وتمكينها من ربح المزيد من الوقت لإرجاع هذه القنبلة الموقوتة”.
وكان شبيلي قال في تصريح لإذاعة خاصّة إنّ “حاويات النفايات الإيطاليّة الموجودة بمرفأ سوسة التجاري لم يصدر عنها غاز الميثان أو روائح، وأن اختبارات مركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة، تبعا لزيارات التفقد، التي تمّ إجراؤها يوم الرابع والعشرين من يونيو الماضي للحاويات المذكورة أظهرت أن لا شيء مزعج صادر عنها”.
وبحسب هذه التصريحات فإنّ أغلب هذه النفايات المورّدة والمخزّنة بـ212 حاوية بمرفأ سوسة و70 حاوية بمستودع الشركة التونسيّة المورّدة هي نفايات بلاستيكية ولا تحتوي على نفايات عضويّة، التي من شأنها التخمر وإصدار غاز الميثان.