غياب برامج الإصلاح يفاقم أزمات الصناديق الاجتماعية في تونس

وزير الشؤون الاجتماعية  التونسي يؤكد تواصل المساهمة التضامنية المتمثلة في اقتطاع نسبة واحد في المئة من الأجور.
الجمعة 2021/09/10
الأزمات تتفاقم

تونس - لا تزال وضعية الصناديق الاجتماعية تثير جدلا واسعا في الأوساط التونسية، حيث تلكأت الحكومات المتعاقبة في إصلاحها ومعالجتها بما يتلاءم ومصالح الفئات الشعبية، وتهاونت الدولة في وضع استراتيجيات واضحة لتغييرها، ما جعل عجزها المالي يتفاقم.

وأكد وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي، تحسن وضعية الصناديق الاجتماعية، مشيرا إلى أن الدفعة الأولى من الإصلاحات التي قامت بها الدولة، جاءت لتغطية التعديل الآلي للرواتب.

وأضاف الطرابلسي في حوار مع التلفزيون الرسمي التونسي، أن “الإصلاحات التي انطلقت منذ سنة 2019، ساهمت في تحسين موارد الصناديق الاجتماعية، وهو ما مكّن من صرف الجرايات في السنوات الماضية بصفة منتظمة، مع احترام التعديل الآلي للرواتب”.

وأعلن وزير الشؤون الاجتماعية أن المساهمة التضامنية المتمثلة في اقتطاع نسبة واحد في المئة من الأجور، ستتواصل، نظرا لمساهمة هذا الإجراء، إلى جانب إجراءات أخرى كرفع سن التقاعد، في إنقاذ الصناديق الاجتماعية. وأشار إلى أنه سيتم سنة 2022 إحداث صندوق خاص لجمع المداخيل المتأتية من هذا الاقتطاع لوضعها على ذمة الصناديق الاجتماعية.

ويوجد بتونس ثلاثة صناديق اجتماعية، وهي الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والصندوق الوطني للتأمين على المرض.

واعتبر خبراء المالية أن هذه الصناديق تفتقر إلى تخطيط وبرمجة واضحة من قبل السلطات، ما جعل عجزها يتفاقم، مع انفجار كبير في عدد المتقاعدين والمشتركين.

ووصف حسين الديماسي وزير المالية الأسبق، وضعية الصناديق الاجتماعية بـ”سيئة للغاية”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “مشكلة الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية، أن الخدمات التي يوفرها للمشتركين تفوق بكثير طاقة الصندوق، وعندما انفجر عدد المتقاعدين منذ خمس عشرة سنة، دخل مرحلة من العجز وصلت إلى 1.1 مليار دينار (0.39 مليار دولار) سنة 2019، وهذا ما يجعل مهمة الإصلاح صعبة”.

حسين الديماسي: وضعية الصناديق الاجتماعية سيئة للغاية ومهمة إصلاحها صعبة
حسين الديماسي: وضعية الصناديق الاجتماعية سيئة للغاية ومهمة إصلاحها صعبة

وتابع “لا بد من إعادة النظر في هيكلة الصندوق ومستوى خدماته، ثم يقع تحسين الانتدابات والمداخيل، ومن كانوا في السلطة قبل الخامس والعشرين من يوليو الماضي، لم تكن لديهم نوايا للإصلاح”.

وبخصوص الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، اعتبر الديماسي أن “وضعيته مشابهة لسابقه، ولكنها أقل حدة وتضخما”، وأضاف “في العشر سنوات الماضية غادره عدد كبير من المشتركين والمتقاعدين، في ظل تباطؤ الموارد وتصاعد النفقات”، مشيرا إلى أنه “سجّل عجزا في حدود 0.7 مليار دينار (0.25 مليار دولار)”.

أما الصندوق الوطني للتأمين على المرض، أفاد الديماسي بأنه “سجّل عجزا منذ نشأته، وكان يملك نظاما يوفر له فائضا وهو حوادث الشغل والأمراض المهنية لتغطية العجز”.

واقترح الديماسي حلولا لمعالجة الأزمة من بينها “الدخول في فترة ترقيع دون تغيير البنية الأساسية للصناديق والجرايات، وزيادة نسبة الاشتراكات”، لافتا “كان من المفروض أن تتم إصلاحات جذرية في العشر سنوات الماضية، لكن الأحزاب تعرف أن الإصلاح سيمس من مصالحها، واعتمدت الشعبوية ولجأت لاعتماد أموال في الميزانية لسدّ العجز”.

وبدأ إصلاح الصناديق الاجتماعية خلال العام 1994، حيث تم اعتماد إصلاحات سريعة عبر زيادة في الاشتراكات وإعادة النظر في الآليات والمعاشات وخلال العام 1995 تمت مراجعة التشريعات التي تتعلق بالتقاعد المبكر وسنوات العمل في القطاع الخاص.

وأفاد الخبير الاقتصادي معز الجودي في تصريح لـ”العرب”، أن “الحكومات المتعاقبة في تونس خلقت ضريبة وقتية لمدة سنة” (ظرف استثنائي)، قائلا “القرارات المسقطة من شأنها أن تنفّر المستثمر وتقطع منسوب الثقة”.

وأردف “مشكلات الصناديق هيكلية بالأساس، لأن نسبة البطالة في تصاعد، مقابل تراجع المساهمات، وهناك من يتمتع بالتقاعد حتى سن الخامسة والسبعين، أو ما يسمى بأمل الحياة، فضلا عن الأنظمة الخصوصية التي فاقمت الصعوبات على غرار أعضاء الحكومات والنواب والولاة (المحافظون)، الذين يتمتعون بجرايات التقاعد مقابل سنة أو سنتين من العمل”.

وتابع “الإصلاح تتقاذفه الأمواج، ومنذ مدة الحكومات مسيّسة، والإرادة السياسية منعدمة”، مقترحا “ضرورة الزيادة في المساهمات المالية ورفع سن التقاعد وفق شروط معينة، فضلا عن قطع امتيازات أعوان الصناديق التي تعطل المسار العام”.

وسبق أن قال الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل المكلف بالملف الاجتماعي عبدالكريم جراد “إن الإرادة السياسية لإصلاح الصناديق الاجتماعية الثلاثة لم تكن طيلة العقد الأخير في المستوى المطلوب”.

 ولفت جراد في تصريح صحافي، إلى أن اقتراحات الإصلاح تتطلب مجهودات إضافية من الدولة على غرار المساهمة الاجتماعية التضامنية من خلال التأكيد على عدم الاكتفاء بالخصم على الأجير والمؤجر، وتوسيع القاعدة وإقرار بعض الأداءات الأخرى التي تدخل في قاعدة احتساب المساهمة الاجتماعية، مثل إقرار أداءات على الخمر والسجائر يتم توجيهها نحو الصناديق الاجتماعية لكن الحكومات المتعاقبة ارتأت إقرار هذه الإجراءات، ووجهتها إلى ميزانية الدولة وليس إلى الصناديق الاجتماعية.

  وأضاف أنه “من الضروري التفكير في طريقة خلاص ديون الصناديق الاجتماعية الثلاثة في ما بينها”، وكشف أن “الصندوق الوطني للتأمين على المرض له دين للصندوقين يقدر بقيمة 6 مليارات دينار (2.15 مليار دولار)، أي ما يعادل حوالي 4 في المئة من ميزانية تونس لهذا العام”.

وخلال ذروة أزمة كورونا الأولى أقرت الحكومة مجموعة من التسهيلات لتخفيف الصعوبات على الشركات، حيث سمحت بعدم سداد مستحقات الصناديق مما زاد في تأزم وضعها المالي.

وفي حال استمرت خطوات إعادة هيكلة الصناديق تسير ببطء شديد، فإن توقعات الخبراء ترجح أن يبلغ العجز في صندوق الحيطة الاجتماعية نحو 2.2 مليار دولار، بينما سيصل العجز في صندوق الضمان الاجتماعي إلى نحو 1.76 مليار دولار بحلول 2030.

وانعكس الركود وتباطؤ النمو في الكثير من القطاعات الإنتاجية خصوصا وسط ضغوط جائحة كورونا على وضعيات الصناديق بعد أن باتت ترزح تحت مشكلات مالية مزمنة، إلى درجة أن الأوساط الاقتصادية تتحدث عن دخولها في إفلاس غير معلن.

4