الطيور والحيوانات رموز شعرية منذ الجاهلية إلى اليوم

المصرية منال عبدالفضيل: الحيوانات عنصر أساسي في القصيدة العربية.
الخميس 2021/09/02
الحيوانات رموز شعرية (لوحة للفنانة خزيمة علواني)

يمثل الشعر العربي منذ القدم وثائق تاريخية ونصوصا لها أبعاد سياسية وفكرية وجمالية، حيث لا يتوقف عند حدود الجمالي بل يتشابك مع ما هو أوسع، وهو ما جعل الشعراء العرب منذ الفترة الجاهلية إلى اليوم يستنجدون برموز دينية وشعبية وأسطورية وحتى طبيعية وغيرها لبناء عوالمهم الشعرية، ومن بين هذه الرموز الحيوانات والطيور.

 انعكست المظاهر والرموز الطبيعية بما فيها من نبات وحيوان على الصورة الفنية في الشعر العربي في مختلف عصوره انطلاقا من العصر الجاهلي وانتهاء بالعصر الحديث، ففجّر وجود الحيوان والطير بكل خصائصهما وصفاتهما خيال الشعراء العرب فانتبهوا لما يتميز به عالم الحيوانات من صفات وسلوك خاص بها.

هذه المظاهر والرموز الطبيعية المتمثلة في الحيوانات والطيور كانت محور أطروحة الدكتوراه للباحثة منال يحيى عبدالفضيل والتي عنونتها بـ”تشكيلات الطير والحيوان في الشعر العربي المعاصر.. صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي وأمل دنقل نماذج”، ونالت بها درجة الدكتوراه من قسم البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن بكلية دار العلوم جامعة المنيا.

التعلق بالموروث

ترى عبدالفضيل أن الشعر المصري المعاصر احتوى على العديد من صور الحيوانات والطير التي تم استخدامها لتعبر عن بعض دقائق حياتهم، فالحيوان والطير في الشعر المصري المعاصر له معانٍ ومدلولات متعددة، وقد تشترك تلك الدلالات في معناها مع بعض ما ورد من موروثات الشعوب الأخرى وبالأخص الموروث العربي القديم، وقد ترتبط تلك المعاني والمدلولات بالأسطورة والخيال، كما قد ترتبط بالفكر والأدب.

الأطروحة جاءت في تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، ففي التمهيد “مصادر صور الطير والحيوان بين التأصيل والمعاصرة”، ذكرت صور الطير والحيوان في “الأساطير القديمة ومنها ما جاء من الحضارة السومرية، ومن الميثولوجيا الهندية والفرعونية واليونانية، التي كان للحيوان فيها ظهور فعال وأثر كبير. ومن العصور الأدبية السابقة ما ورد في كل من العصر الجاهلي والأموي والعباسي والأندلسي، وصولا إلى العصر الحديث، وكذلك قمت بتتبع كل ما ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف والسيرة النبوية وأقوال الصحابة، وفي الأديان السماوية جميعها”.

تعلقُ الشعراء العرب بالموروث يتمثل في ثلاثة محاور رئيسة هي التراث الأسطوري، والتراث الديني، والتراث الشعبي

وعرضت في الفصل الأول “صـور الطير والحيوان والتشكيل بالموروث”، لأبرز المصادر التراثية التي شكلت صورة الطير والحيوان في شعر كل من “صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي وأمل دنقل” كما كشفت عن مدى تعلق الشعراء بالموروث ممثلاً في ثلاثة محاور رئيسة هي: التراث الأسطوري، والتراث الديني، والتراث الشعبي.

وفي الفصل الثاني “صور الطير والحيوان والتعبير عن قضايا العصر” تحدثت عن أنماط صور الطير والحيوان وتوظيفها في إطار التعبير عن قضايا العصر، من خلال المباحث التالية: الموقف الأيديولوجي، والموقف السياسي والموقف الاجتماعي؛ حيث تم التعبير من خلالها عن خمس قضايا هي أولا “المثقف – السلطة” وآليه مقاومة القهر الصهيوني، ثانيا “الموت والضياع” بوصفه تجسيدًا للواقع الاجتماعي. ثالثا التشكيل بالمكان. رابعا التشكيل بالكلمة. وخامسا الحنين والاغتراب.

وقامت عبدالفضيل في الفصل الثالث “صور الطير والحيوان وجماليات التشكيل باللغة” بإيضاح المستويات الدلالية للأدوات التشكيلية التي تم التعبير من خلالها عن صور الطير والحيوان في النص الشعري في أربعة مستويات بداية بالتشكيل اللوني، والتشكيل الصوتي، ومن ثم الرمز فالانزياح.

وقد استخدمت الباحثة في تحليلاتها إلى جانب المنهج الفني معطيات المنهج الأسلوبي من منطلقين أولهما أن النص الشعري بناء فني بالدرجة الأولى يستلزم أن تتم دراسته وفق معطيات جماليات القصيدة المعاصرة، والثاني أن “المنهج الأسلوبي” يصلح بوصفه أداة مُثلى لتحليل الخطاب الشعري، إذ أن النص الشعري هو نص لغوي بالأساس كما يشير الناقد محمود عياد، ولا يمكن سبر أغوار هذا النص “دون تحليل العلاقات اللغوية التي ينطوي عليها، لأن هذا التحليل هو الذي يقودنا إلى تفهم الشحنة الدلالية والعاطفية الكامنة في النص، التي تؤثر في المتلقين، ولا يمكن أن ننفذ إلى قيمة العمل الأدبي إلا من خلال النص ذاته”.

وأكدت عبدالفضيل اختيارها للشعراء عبدالصبور وحجازي ودنقل جاء لكونهم “قاموا بتوظيف الخصائص الجمالية والمستويات الدلالية لصور الحيوان والطير في قصائدهم توظيفًا بنائيًا يهدف إلى خدمة سياق النص، وللتعبير عن القضايا التي كانت تشغلهم وتؤرق فكرهم، من خلال الرمز أو الإسقاط حينًا أو في إطار التعبير عن قيمة جمالية أو قضية موضوعية بعينها، مع توضيح أبعادها ومستوياتها الدلالية. كما تداخلت رموز الحيوان والطير مع صفات العزة والشجاعة والجرأة، والتكبر والغرور والعنفوان، والغدر والخيانة التي عبر عنها الشعراء، كما عكس استدعاء ذكر أحد الحيوان أو أنثاه اختلاف تجارب هؤلاء الشعراء، وتباين حالاتهم النفسية والفكرية”.

توظيف فكري وجمالي

Thumbnail

لفتت عبدالفضيل إلى أن العرب يمتلكون إنتاجا ضخما يتعلق بالحيوان سواء في كتب الشعر أو القصص أو الأمثال إلى غيرها من المؤلفات، مما يوضح مدى أهمية الحيوانات في البيئة العربية بصفة عامة والجاهلية بصفة خاصة، مما جعل الشعراء يتخذونها رمزاً للتعبير عن البيئة المحيطة بهم، وللتعبير عن مفهوم أهلها وتجاربهم وخبراتهم وثقافاتهم.

لذلك أصبح الحيوان ركيزة أساسية في أشعارهم وشكلاً من أشكال التعبير عن الحياة. لذلك كان رمز الحيوان والطير من أبرز أساليب تعبير شعراء العرب ووثيقة تاريخية مثل الوقوف على الكثير من الأعراف والتقاليد التي كانت سائدة منذ العصر الجاهلي ومعرفة مشاعرهم وظروف معيشتهم وعاداتهم الخاصة والعامة التي جعلتهم أكثر ارتباطاً بالحيوان والطير التي امتدت إلى باقي العصور الأدبية الأخرى.

وقالت إن “صور الطير والحيوان شكلت مادة فنية عكست عناية القرآن الكريم بمخاطبة عقول الناس كافة، والتحدث إليهم بأساليب تتماشى مع أفكارهم ومعتقداتهم، حيث كانت أكبر دليل على صدق القرآن، وأحقية الله عز وجل في العبادة والتوحيد. إن صور الطير والحيوان في القرآن تمحنا الشعور بلذة الصورة الفنية، وتستدعي الوقوف على التعبيرات القرآنية الخاصة بهذه المخلوقات وقفة المتأمل المدرك لحقائق الأمور. لذلك، أضحى التراث سمة وعلامة مميزة في الشعر المعاصر، لأنها توقظ في الشعر والشعراء الأصالة والإبداع والوقوف على جودة الصياغة الفنية”.

عبدالصبور وحجازي ودنقل قاموا بتوظيف الخصائص الجمالية والمستويات الدلالية لصور الحيوان والطير في قصائدهم توظيفا بنائيا

ورأت عبدالفضيل أن محاولات الشعراء أثمرت أن يتغلغلوا داخل التراث الشعري حيث جاء متنوعاً بين الأسطورة، التراث الديني، التراث التاريخي، والتراث الأدبي. وقد استطاعت الأسطورة وخرافة الحيوان أن تقدم بطريقة مشوقه تحمل في معناها البساطة والمضمون وتقدم بطريقة فنية وجمالية رائعة، بعيدة عن القواعد القوانين التي تمثلت في طائر العنقاء، طائر الرخ.

كما يعد الموروث الديني مصدراً سخياً لجأ إليه الشعراء للتعبير عما يخص نفسياتهم وعن بعض تجاربهم مثل الكتاب المقدس كمصدر للإلهام، وأيضاً المصادر الدينية الإسلامية. كذلك استدعاء الشخصيات التراثية وهي محملة بدلالات متنوعة منها شخصيات تاريخية إسلامية، وشخصيات تاريخية فنية، وأيضاً شخصيات تاريخية سياسية، سجلت حضوراً فعالاً ومؤثراً في القصيدة الشعرية، بالإضافة إلى أن استخدام الشعراء الثلاثة للتراث أضفى على عملهم الشعري عراقة وأصالة، ونوعاً من الامتداد الماضي في الحاضر، وتغلغل الحاضر بجذوره في تجربة الماضي الخصبة المعطاء، كما أنه منح الرؤية الشعرية نوعاً من الكلية والشمول، فمراجعتنا للتراث هي مراجعة للحاضر، وفهمنا للحاضر استشراق للمستقبل.

وأوضحت أن الشعراء الثلاثة تنبهوا إلى الدلالات المهمة التي يرمز إليها الحيوان والطير في الشعر العربي، لأنها تعتبر فناً تعبيرياً ثرياً بالألوان المتنوعة لذلك استخدموها بأكثر من دلالة، حيث تم توظيف أغلب رموز الحيوان أو الطير على مستوى غير مباشر، مما ساعد على إبراز الجوانب الفنية والإبداعية لقصائدهم، فقد كانت لديهم الحرية المطلقة في ذلك العصر ليعبروا عما يريدون من مضامين أو قضايا تمس جوانب الحياة المختلفة، دون أن ينقص ذلك من مستوى القصيدة الفنية.

وأكدت أن استخدام الحيوان والطير في متن القصائد ما هو إلا صدى للواقع، فهو يعبر عن مرحلة من مراحل الحياة التاريخية، فرمز الحيوان أو الطير لم يستخدم كهدف إنساني فقط بل ارتبط ذكره بأجزاء القصيدة، فرموز الحيوانات والطيور تداخلت مع صفات العزة والشجاعة والجرأة، والإباء والغرور والتكبر، والغدر والخيانة، كما تميز ذكر الحيوان أو الطير من شاعر لآخر وذلك باختلاف تجاربهم الشعرية، وطبقا لحالتهم النفسية والفكرية.

وكشفت عبدالفضيل أن الحرية مثلت ملمحا بارزا ومهما، ومن ثم كانت الهدف المنشود الذي قصد إليه الشعراء الثلاثة، فهي جزء أساسي في تكوين فكرهم وسلوكهم، وهي مطلب وجودي وحياتي وقومي ملح تتطلب منهم نوعاً من الصراع الدائم والمستمر لتكسير كل عوائقها وثوابتها ومسلماتها.

وقد غلب على شعرهم الطابع السياسي، حيث كانت من أهم القضايا التي شغلت تفكيرهم قضية الصراع العربي – الصهيوني، وقضية الصراع بين السلطة والمثقف، ومن ثم وظفوا أشعارهم في خدمة قضايا وطنهم وشعبهم، ويجب على الدارس لأشعارهم أن يعي ظروف مجتمعهم ويلم بالقضايا السياسية والتاريخية السائدة في عصرهم.

وخلصت عبدالفضيل إلى أن صورة الحيوان مع الصورة اللونية استطاعت أن تضفي جمالاً وتألقا في الصورة الشعرية، كما أشارت إلى تعدد الأبعاد النفسية والواقعية كاللون الأخضر والأبيض والأسود.

14