حكومة الدبيبة بين مطرقة الإحراج السياسي وسندان سحب الثقة

يتخفى شبح الانقسام من جديد من وراء التصريحات المتضاربة والمواقف المتناقضة في ليبيا، فيما يستعمل كل فريق جميع الأدوات المتاحة لإحراج الفريق المقابل والدفع به إلى خانة اليك المقفلة التي تساوي: كش ملك، في الشطرنج، بمعنى انتهاء اللعبة.
ولعل أحدث فصول الصراع ما يدور حاليا بين مجلس النواب المنعقد بشرق البلاد ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المتحصن في طريق السكة بطرابلس من تجاذبات مرتبطة بملفات عدة من بينها ملف الانتخابات والعلاقات الخارجية ولاسيما مع تركيا واتجاه المهندس عبدالحميد الدبيبة إلى مركزة القرار في غرب البلاد وعدم الحسم في ملف ميزانية 2021 مع السماح للحكومة بالصرف وفق منظومة 1/12 من ميزانية العام السابق.
والأحد الماضي قال مجلس النواب الليبي إنه “تم استدعاء الحكومة لجلسة استجواب الاثنين الموافق للثلاثين من أغسطس الجاري للمثول أمام مجلس النواب بمقر المجلس بمدينة طبرق”، مشيرا إلى أن هذا القرار تم اتخاذه “بناء على المذكرة التي تقدم بها عدد من السادة أعضاء مجلس النواب المتضمنة عددا من الملاحظات حول أداء الحكومة وإعمالا بالمواد رقم (188، 192) من القانون رقم (04) لسنة 2014، بشأن النظام الداخلي لمجلس النواب”.
وأوضح المجلس أنه أعطى أسبوعا للحكومة كي تعد ملفاتها جيدا لتجيب عن أسئلة النواب حول عدد من القضايا المطروحة ذات الأهمية القصوى، لكن ومنذ البداية كان واضحا أن الدبيبة لن يحضر الجلسة التي يرى مقربون منه أن الهدف منها إحراجه أمام الرأي العام الداخلي والخارجي ولاسيما من خلال البث التلفزيوني المباشر، وذلك انطلاقا من عدد المؤاخذات التي تلاحقه.
ومن المؤاخذات، رفضه تعيين وزير للدفاع وسعيه لإبقاء الوزارة تحت سيطرته، وموقفه من البيان الأخير للجنة العسكرية المشتركة بخصوص إجلاء كافة القوات الأجنبية والمرتزقة دون استثناء وتجميد العمل بالاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع الدول الأجنبية، واعتبار ملتقى الحوار السياسي مسؤولا عن اندلاع أي حرب جديدة في البلاد في حالة عدم توصله إلى إيجاد قاعدة دستورية توافقية لتنظيم الانتخابات في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم في ظل مؤشرات عن محاولة الجناح الداعم للحكومة داخل الملتقى قطع الطريق أمام التوافق وذلك لعرقلة الاستحقاق الانتخابي بهدف التمديد للسلطات الحالية، إضافة إلى ما يوصف بتبعيته المطلقة لنظام أنقرة بما يحول دون التقدم في إخراج المقاتلين الأجانب وتوحيد المؤسسة العسكرية، والصراع القائم حول وزارة الخارجية وعمل الدبيبة على الدفع بمقربين منه من خارج الوزارة لمناصب دبلوماسية في عواصم مؤثرة في القرار الدولي وصولا إلى قضية ميزانية الجيش وتمويل الميليشيات.
وبعد الحديث عن فشل مساع بذلها داخليا وخارجيا لإقناع رئيس مجلس النواب بتأجيل جلسة الاستجواب، قال الدبيبة إنه سيكون خارج ليبيا في اليوم المخصص لعقد الجلسة.
وأوضح الدبيبة خلال لقاء مع عدد من النواب الأربعاء أنه كان سابقا يستقبل الدعوة عبر هيئة رئاسة البرلمان. وأضاف “أحترم مجلس النواب ودعوته، ومستعد أن أذهب إليه كل يوم، وأنفذ ما يتفق عليه أعضاؤه، وأحترم المجلس ودعواته”، مؤكدا استعداده للمحاسبة، لكنه أعرب عن استغرابه من “محاسبة الحكومة قبل أن تصرف لها الميزانية العامة”.

وردّ رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، بعد ساعات قليلة، بالتأكيد على أنّ “المجلس سيسحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة إذا لم تحضر جلسة الاستجواب”، باعتبار أنها بذلك تتعالى ولا تحترم مجلس النواب، ولن يستطيع أي نائب أن يدافع عنها.
وتابع صالح “إنّ استجواب الحكومة يهدف لمواجهتها بشأن التقصير في عملها”، لافتا إلى أن “حكومة الدبيبة منحت مجموعات مسلحة ميزانية أكبر من ميزانية الجيش”، مضيفا “خلال 10 أيام يجب أن تحضر الحكومة إلى مجلس النواب للاستجواب”، معتبرا “إنّ الحكومة فشلت في توحيد المؤسسات، وتوفير متطلبات المواطنين من الغذاء والدواء والكهرباء، والمصالحة الوطنية، والاستعداد للانتخابات”، ولافتا إلى أنّ “مجلس النواب سيقرر بقاء حكومة الدبيبة أو رحيلها بعد الاستماع إليها”.
وأردف صالح “أن مجلس النواب منح الثقة للدبيبة كرئيس للحكومة، وليس كوزير للدفاع”، منوها بأن “المجلس الأعلى للجيش هو المجلس الرئاسي”، وبما أن “الجيش منقسم، فإن الجهة الوحيدة القادرة على توحيده هي لجنة 5+5”.
أما بخصوص قانون الميزانية العامة للدولة أكد على أنه لا توجد دولة دون ميزانية، حيث تعتبر الميزانية كبيرة جدا في ظل الفترة القصيرة للحكومة، وكذلك قدمت الميزانية بالبداية بمبلغ مئة مليار (22.8 مليار دولار) وتم تخفيضها إلى ثلاثة وتسعين مليار (20.54 مليار دولار)، كما تمت دراستها في مجلس النواب وأحيلت إلى لجنة المالية والتخطيط وقدمت بعض الملاحظات من ضمنها عدم تبويب باب التنمية.
وكان المجلس سيقر الميزانية باستثناء هذا الباب، وطلبت الحكومة تأجيل دراسة هذا الأمر لبعض التعديلات، وقدمت التعديلات مرة أخرى قبل أسبوعين بقيمة مئة وأحد عشر مليار (24.51 مليار دولار)، وتم التغيير في بعض البنود والأبواب وأحيلت إلى اللجنة مرة أخرى وجهزت قرارها بالخصوص وسيدرسها النواب وطبقاً للقانون فلديه الحق أن يصرف 1/12.
وتنص المادة 178 من الإعلان الدستوري والخاصة بفتح الاعتمادات الشهرية المؤقتة أنه “في حال عدم إقرار الموازنة قبل بداية السنة المالية يجوز لرئيس الوزراء التصرف على أساس واحد من أثنى عشر (12/1) من موازنة السنة السابقة بموجب مرسوم رئاسي في ما يتعلق بالمرتبات وما في حكمها والمصروفات العمومية، وذلك وفق ما يحدده القانون المالي للدولة”.
وفي الأثناء، وقع سبعة وعشرون نائبا من المنطقة الشرقية على بيان لسحب الثقة من حكومة الدبيبة، متهمين إياها بالتعامل مع مناطق المنطقة الشرقية بلغة العقاب والهزيمة.
وجاء في البيان أنه “نظرا لما تمر به البلاد من انقسامات سياسية ألقت بظلالها على كل مؤسسات الدولة، كان مجلس النواب ولا يزال الجسم الشرعي الوحيد وفقا للقانون وآخر كيان تشريعي منتخب، إلا أن من انقلبوا على شرعية الشعب واختاروا الحرب والدمار وانقسام مؤسسات من أجل البقاء في سلطة الحكم“.
وقال البيان “إن مجلس النواب اتجه إلى الحوار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة لإخراج البلاد من هذا الانسداد في كل المجالات، ومنحنا الثقة لحكومة الوحدة الوطنية بمدينة سرت وكان أملنا من هذه الحكومة هو تنفيذ الخارطة المنصوص عليها في الاتفاق السياسي”، مستطردا “أن هذه الحكومة، وحتى هذا اليوم وبعد مرور أكثر من ثلاثة أرباع مدتها المكلفة بها من مجلس النواب والتي تنتهي في الرابع والعشرين من ديسمبر 2021 لم تقدم أبسط الخدمات للمواطن ولم توحد مؤسسات الدولة، بل أصبح رئيس الحكومة يتعامل مع المنطقة الشرقية بلغة العقاب والهزيمة وأصبح طرفا لصراع وليس نتاجا لصراع ينبغي أن يتعامل مع الجميع دون استثناء أو اختيار، بل أفرغت هذه الحكومة مناطق المنطقة الشرقية من كل ملامح الدولة وأصبحت حكومة طرابلس فقط ليست كمدينة وإنما كمجموعة من أصحاب المصالح الخاصة والنفعية”.
وأوضح أصحاب البيان “إننا كنواب عن الأمة لا نرضى بحكومة تقودنا إلى حالة من الفوضى والحرب ولا تزيد المواطن إلا معاناة والألم رغم صرف هذه الحكومة للعشرات من المليارات دون وجه حق”، مطالبين بسحب الثقة من حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة واختيار شخصية وطنية قادرة على توحيد المؤسسات ولم شمل الليبيين.وتابع النواب “أن هذه الحكومة لم تلتزم بخارطة الطريق التي منحناها بموجبها الثقة، أصبحت حكومة فرقة وفتنة بدلا من أن تكون حكومة لجميع الأطراف لتصل بنا إلى انتخابات في موعدها، وللأسف أن ما يقوم به رئيس الحكومة من تصرفات وتصريحات وتكليفات غير مسؤولة ولا مقبولة بل يتحكم في صنعها أصحاب المال السياسي الفاسد لإرجاعنا إلى ما قبل المربع الأول”.
ويواجه النشاط الحكومي في شرق البلاد حالة من التذمّر ونذر عودة الانقسام إلى القطاعات التي تم توحيدها منذ مارس الماضي.
واجتمع رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب يوسف العقوري مع عدد من موظفي وزارة الخارجية بمقرها في مدينة بنغازي، حيث استمع منهم إلى أسباب تعليقهم للعمل بالوزارة في المنطقة الشرقية والتي تتلخص في الظلم الذي يتعرض له موظفو الوزارة في المنطقة الشرقية وعدم معاملتهم بعدالة وحرمانهم من حقوقهم أسوة بباقي موظفي الوزارة بالإضافة إلى عدم تفعيل فرع الوزارة في المنطقة الشرقية.
وأكد العقوري أن اتفاق السلام يقوم على توحيد المؤسسات بعدالة بين الحكومة المؤقتة وحكومة الوفاق وتجاوز لأحقاد الماضي وتغليب الصالح العام، محذرا من أن العمل بخلاف ذلك ستكون له تداعيات خطيرة على مسيرة السلام والوحدة في البلاد.
وجدد دعوته إلى وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية للتعامل بجدية مع هذا الأمر وإعطائه الأولوية التي يستحق ومعالجة الأسباب التي أدت للمطالبة بتعليق العمل في مقر الوزارة ببنغازي بالإضافة إلى اتخاذ جميع الإجراءات المطلوبة من أجل تفعيل عملها في المنطقة الشرقية، مؤكدا أن لجنة الشؤون الخارجية تتابع باهتمام الأمر بالنظر لأهمية عمل وزارة الخارجية وضرورة الاستجابة للمطالب المشروعة لموظفيها.
ويرى المراقبون أن دائرة الخلافات قد اتسعت بين غرب وشرق البلاد، وأن الأوضاع قد تعود إلى المربع الأول من الانقسام بسبب إحساس برقة بالغبن ولاسيما نتيجة تهميش دوائرها الحكومة المنبثقة عن الحكومة المؤقتة السابقة، واكتفاء الدبيبة بتخصيص ميزانية لقيادة الجيش لا تتجاوز ملياري (حوالي 420 مليون دولار) وهو أقل بكثير من مخصصات الميليشيات في المنطقة الغربية، والصراع الخفي داخل ملتقى الحوار السياسي بين جناح داعم للحكومة وآخر مساند لقيادة الجيش والذي يهدد بالالتجاء إلى تأجيل الانتخابات وهو ما بات شبه مؤكد، وخرج من التمليح إلى التصريح، فيما أن كل بنود خارطة الطريق بما في ذلك تشكيل السلطات الحالية، تأسست على مبدأ توفر ضمانات أممية ودولية بتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم.
كما يعتقد المحللون أن أي خطوة لسحب الثقة من حكومة الدبيبة ستدفع مباشرة إلى تشكيل حكومة جديدة في شرق البلاد، وهو نفس ما سيتم في حالة تأجيل الانتخابات، حيث أن البرلمان كان قد منح الثقة لحكومة الدبيبة في منتصف مارس الماضي، على أساس أن تتحول إلى حكومة تصريف أعمال يوم الرابع والعشرين من ديسمبر.