ضبط "تجاوزات" الصحافيين بمصر يقسم الوسط الإعلامي

تشديد عقوبات نشر التسجيلات على المؤسسات الإعلامية لوقف ابتزاز المسؤولين.
الجمعة 2021/08/27
التسجيل يجب أن يخضع لمعايير مهنية

تسببت القرارات التنظيمية التي أصدرها المجلس الأعلى للإعلام في مصر، لضبط تجاوزات بعض الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، بحالة من الجدل لعدم وجود بيئة إعلامية تتوفر فيها المعلومات وتنظم الحصول عليها.

القاهرة – اتخذ المجلس الأعلى للإعلام في مصر جملة من الإجراءات التنظيمية، لضبط العلاقة بين الصحافيين ومصادرهم وضبط تجاوزات الصحافيين بهذا الشأن، مستحدثا مدونة مهنية جديدة “كود” تضاف إلى لائحة المعايير والجزاءات، أثارت انقساما في الوسط الإعلامي.

وأبرز الإجراءات التي أثارت جدلا واسعا هي معالجة ما وصفه المجلس بـ”ظاهرة” نشر التسجيلات والمكالمات على عدد من المواقع الإلكترونية دون موافقة مسبقة من أصحاب الشأن، فقد اعتبر المجلس أن قيام الصحافي أو الإعلامي بتسجيل محادثة هاتفية بينه وبين مُحَدثه (المصدر) دون إذنه أو علمه بأي وسيلة تثبت هذا الإذن والعلم به، وقيامه ببث المحادثة التي سجلها على أي وسيلة إعلامية من دون إذن الطرف الآخر ببثها يعد مخالفة تستوجب الإحالة إلى النقابة المختصة (الصحافيين أو الإعلاميين) لاتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة ضده.

ويستهدف قرار المجلس التعامل مع حالات الابتزاز المتكررة التي تعرض لها بعض المسؤولين مؤخرا وتهديدهم بنشر التسجيلات الخاصة بهم على عدد من المواقع التي يُطلق عليها “صحف ومنصات بئر السلم”، وهي معروفة لدى غالبية الصحافيين والمسؤولين أيضا، وهؤلاء يشكلون رقما ضئيلا ولا يعبرون عن جوهر العمل الصحافي والإعلامي لدى المؤسسات الإعلامية بمصر، لكن تأثيرهم بات متزايدا بحكم اللجوء إلى المزيد من الإثارة وأساليب الصحافة المتلونة التي تجذب الجمهور.

حماد الرمحي: التسجيل لأي شخص دون علمه أو استئذانه اعتداء على خصوصيته

وفي حال ارتكاب المخالفة فإن المجلس يُلزم الوسيلة الإعلامية بحذف المحادثة وتغريمها بقيمة مالية لا تقل عن 50 ألف جنيه (3 آلاف دولار) ولا تزيد عن 250 ألف جنيه (16 ألف دولار تقريبا) بحسب طبيعة المحادثة وما يترتب عليها من آثار، مع عدم الإخلال بأي عقوبة ترد في قانون آخر.

وأوضح عضو مجلس نقابة الصحافيين حماد الرمحي، أن التسجيل لأي شخص مهما كان منصبه دون علمه أو استئذانه اعتداء على خصوصيته، وهو أمر منصوص عليه في قانون الجنايات وقوانين نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للإعلام بأنه عمل مجرّم يستجوب العقوبة، بالتالي فالمطلوب من الصحافي عند قيامه بتسجيل المكالمة استئذان المصدر أولا ليصبح تسجيله قانونيا، وبالتبعية يجوز نشره في الوسيلة الإعلامية ولا يتم عقابه أو مساءلته.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “إذا استأذن الصحافي في تسجيل المكالمة أصبحت ملكا له يتصرف فيها دون الرجوع إلى المصدر مرة ثانية ولا يمكن إدانته، كذلك في حال حصول الصحافي على معلومات مؤكدة أو مستندات موثقة أو حكم قضائي بات في تلك الحالة يمتلك كل أدوات النشر وقانونيتها دون الرجوع إلى المصدر، ويُخلى طرف الصحافي من أي إدانة أو لوم دون أن يخترق خصوصية المصدر”.

وأشار إلى أن المجلس الأعلى للإعلام يبعث برسائل مهمة للصحافيين بهذا القرار، مفادها أن عليهم ممارسة عملهم بالطريقة القانونية السليمة، ويعتبر إخطار المصدر بتسجيل المكالمة توفيرا لحماية الصحافيين أنفسهم لتقويض ممارسات سلبية لقلة من الصحافيين ومؤسساتهم الإعلامية، ولا يمكن اعتبار القرار تضييقا على الحريات.

وتواجه القرارات التنظيمية التي يُصدرها مجلس الإعلام، الذي يقوم بعملية تنظيم العمل الإعلامي في مصر، صعوبات عديدة على مستوى التنفيذ، نظرا لحالة التسيب التي أصابت قطاع الإعلام من عدة جوانب في السنوات الماضية وما زالت تأثيراتها مستمرة، إضافة إلى عدم وجود بيئة إعلامية تتوفر فيها المعلومات وتنظم الحصول عليها بما يساعد في تقليص مساحة تجاوزات بعض الصحافيين والمؤسسات الإعلامية.

ولقي قرار المجلس الأخير انقساما في الأوساط الإعلامية المصرية، فهو يدعم تنظيم العلاقة بين الصحافي والمصدر ويمنع ابتزاز المسؤولين جراء تسجيل مكالمات صوتية لهم، ما يتوافق مع مواثيق الشرف وقوانين الصحافة والإعلام المصرية، بل إن هناك العديد من المطالبات نادت بأهمية ضبط الممارسات الإعلامية بما لا يؤثر سلبا على قيمة ومكانة الصحافي أو الإعلامي أمام الجهات الرسمية المسؤولة.

وفي المقابل فإن تشديد العقوبات على المؤسسات الإعلامية والتركيز على معاقبة المتجاوزين في وقت لا تتاح أمامهم فرصة الحصول على المعلومات بشكل سهل ومنظم يجعل هناك أبعاد خفية تشي بحماية المجلس للمصادر المسؤولة وليس للصحافيين، بالتالي فالقرار وإن جاز تنفيذه بحاجة إلى إقرار قانون حرية تداول المعلومات الذي لم ير النور بعد على الرغم من انتهاء صياغته منذ فترة طويلة.

بشير العدل: منع الصحافي من نشر التسجيلات رقابة مسبقة على عمله

ويتوقع العديد من الصحافيين أن تكون للقرار الأخير نتائج غير مباشرة على مستوى تحصين المسؤولين الذين لا يجيدون التعامل بحنكة مع وسائل الإعلام وقد يجدون أنفسهم في مواقف تشكل إحراجا لهم وللحكومة بوجه عام، ويشكل إقدام المجلس على تطبيق العقوبات المغلظة على أي وسيلة إعلامية دافعا نحو خشية الكثير من المواقع الإخبارية من عواقب تكرار السقوط في الأزمة ذاتها.

وقال مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة بشير العدل، إنه يجب التفرقة بين المكالمة أو التسجيل الذي يتضمن معلومات مهنية ترتبط بصميم عمل الصحافي أو الإعلامي وبين العلاقات الشخصية مع المصدر، ففي الحالة الأولى لا يجوز منع الصحافي من نشر التسجيل نصا لأن الحديث يدور في إطار المعلومات المرتبطة بالقضية التي يطرحها، أما في الحالة الثانية فإنها تكون اعتداء على الحريات الشخصية وتستوجب المساءلة والعقوبة.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “منع الصحافي من نشر التسجيلات رقابة مسبقة على عمله، لأن حق الرد مكفول قانونا ولدى المصدر الحرية في تكذيب ما جرى نشره أو توضحيه”، وهي مسألة تعالج عن طريق قانون تنظيم المجلس الأعلى للإعلام وقانون نقابة الصحافيين، وهناك لوائح داخلية يجب الاعتداد بها قبل اللجوء لفرض عقوبات.

وأشار إلى أن الحديث عن استمرار ابتزاز المسوؤلين في مصر من جانب الصحافيين أمر ليس دقيقا لأن الحملات الإعلانية التي كانت تقدمها الحكومة للمؤسسات الإعلامية والصحف والمواقع توقف أغلبها، وأضحى الممول الأساسي للكثير من المواقع يتمثل في الإعلانات التي تقدمها شركة غوغل أو حصيلة الإعلانات من الفيديوهات عبر يوتيوب، ولم تعد هناك أموال تصرف من جانب الحكومة في شكل إعلانات.

ويتفق البعض من خبراء الإعلام على أن تراجع دور نقابة الصحافيين في تأدية مهامها على مستوى تطبيق مواثيق الشرف الصحافي ورصد التجاوزات والتعامل معها بشكل فاعل قد أتاح للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام التدخل لضبط الأوضاع من جهة تشديد العقوبات على المؤسسات التي بدورها تتحكم في تصرفات الصحافيين وما يقومون بنشره.

ويذهب هؤلاء إلى التأكيد على أن غياب أدوار التوعية والتدريب والتثقيف وهي مسؤولية نقابة الصحافيين والهيئات الإعلامية الأخرى، مشكلة رئيسية يعاني منها الإعلام المصري ولو جرى تشديد العقوبات، لأن التجارب السابقة أثبتت أن التنفيذ لا يكون بنفس قدر القرارات التنظيمية وأن الكثير من المدونات التي استحدثها المجلس الأعلى للإعلام الذي يحاول ضبط المنظومة لا تطبق بشكل فاعل على الأرض.

18