الرجل المكتبة يتحدث بين رف الكتب

القراءة تتجاوز في مدلولاتها قيمة العمل الأدبية والفكرية لتقديم رؤية عميقة للعالم المعيش.
الأحد 2021/08/22
اكتشاف الحياة من جديد

“جنتلمان المكتبات” ترجمة عربية جديدة يقدمها الشاعر والروائي التونسي جمال الجلاصي لمجموعة من الحوارات للكاتب والمثقف الكندي الأرجنتيني ألبرتو مانغويل الذي عرف بعدة مؤلفات كرسها للقراءة والمكتبات والكتب.

وتتجاوز القراءة عند مانغويل في مدلولاتها قيمة العمل الأدبية والفكرية سعيا إلى تقديم رؤية عميقة للعالم المعيش، وكأن القارئ عبر هذا الفعل يعيد اكتشاف هذه الحياة من جديد.

إن هذه العلاقة بما تشكله من إعادة اكتشاف تطرح سؤالا مهما على مستوى التلقي حول زمن القراءة ومدى الحاجة إلى إعادة قراءة الكتب التي شكلت علامات فارقة في تمثل روح عصرها، وتجسيدها لأبعاده الروحية والاجتماعية من خلال حياة مجتمعاته في ذلك الزمان، وما كانت تحمله من دلالات تضيء مستقبل الحياة.

وتتجلى في الكتاب الصادر عن دار صفحة سبعة السعودية، بوضوح شخصية مانغويل وحسه من خلال ما يصرح به من آراء ومعلومات تثبت موسوعية معرفته، والاختيار الدال لما يرويه أو يقدمه من أفكار وملاحظات.

روائي حساس وفاشل

قصة حياة روائي يتمتّع بحساسية فائقة

ويخاطب الراوي القرّاء بضمير المتكلّم ويشرح لهم كيف بلغ حافّة الحياة، أو على وجه الدقّة، حافّة الجبل، الذي سيقفز منه بعد الانتهاء من مسوّدة الرواية.في رواية “على الحافة” لهانس بلاتسغومر يقف الراوي غيرولد إبنر على حافّة الهاوية، والهاوية هنا ليست هاوية مجازية فحسب، فالرواية تسرد قصة حياة روائي يتمتّع بحساسية فائقة، ولكنه لا يملك سوى موهبة متوسّطة على أفضل تقدير.

ويكشف الراوي للقارئ عن بداية علاقته بالموت وهو لا يزال طفلا، وعن أنه قتل شخصين بيديه العاريتين في شبابه، إذ خلّص أمَّه من دكتاتورية أبيها، وأقرب أصدقائه من معاناته، ولكن هل يجعل ذلك منه قاتلا؟ ولاحقا يقرّر البطل أن يتجاوز القانون للمرة الثالثة في سعيه إلى تحقيق السعادة، لكن الموت ينتزعها منه بغتة.

وقد صدرت الرواية عن مشروع “كلمة” للترجمة، في مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة-أبوظبي، ونقلها من الألمانية المترجم محمود حسنين، وراجعها مصطفى السليمان.

التناقض وسيلة تحرر

صدرت عن دار خطوط وظلال وضمن مجموعة الكاتب البرتغالي فرناندو بيسوا حوارات بعنوان “حوارات حول الطغيان ونصوص أخرى” بتقديم وترجمة إسكندر حبش.

ويعود الكتاب إلى الفترة التي كان فيها بيسوا مرتبطا بحركة “أورفو” كان يكتب مقالات لصحيفة “أوجورنال” (الجريدة) وكان يوقع زاوية صحافية بعنوان “حوليات الحياة التي تمّر” وقد اتسمت بأسلوبها المستفز، ودافع فيها عن “التناقض بمثابة علاج للتحرر” ذاهبا إلى حدّ الادعاء بأن “مخلوقا” ذا أعصاب حديثة وذا ذكاء بلا حجاب وذا حساسية مستيقظة، يدفعه “عقله إلى تبديل رأيه ويقينه مرّات عدة في اليوم الواحد”.

نجد أن هذه الحالة عند بيسوا هي حالة لا امتثالية لأنها تدافع عن تعددية “متموجة ومتعددة”، في نقد لطغيان “الرأي العام” بما هو “رأي مشترك”، فبحسب بيسوا الذي يضع “الدوكسا” اليونانية مقابل “البارادوكسا” فإنه يجد أن الصدفة المتناقضة تقوم من منطق خاص بالخطاب الشعري، الذي يحدّده “بالتعايش المتنافر للفرضية والفرضية المضادة”.

 
12