السيسي يبعد شبح التصفية عن التلفزيون الرسمي

التعاون بين التلفزيون الرسمي والقطاع الخاص أحدث طفرة إنتاجية.
الأربعاء 2021/08/11
التلفزيون المصري بدأ الاهتمام بالمحيط العربي

تفاءل العاملون في التلفزيون المصري بالمداخلة الهاتفية التي أجراها الرئيس عبدالفتاح السيسي لأحد برامجه، والتي تمثل اعترافا بأهمية الإعلام الرسمي وعدم الاستغناء عنه كوسيلة أساسية لنقل رسائل الحكومة إلى الجمهور.

القاهرة - عمت حالة من الارتياح لدى العاملين في مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري المعروف بـ”ماسبيرو” عقب مداخلة هاتفية أجراها الرئيس عبدالفتاح السيسي لبرنامج “التاسعة” على القناة الأولى مساء الأحد، حيث أوحت بأهمية دور الإعلام الحكومي بعد سنوات من تجاهله.

وتعددت المكالمات الهاتفية التي أجراها الرئيس المصري مع قنوات فضائية محلية وعربية، بجانب عدد من اللقاءات الإعلامية منذ أن تولى منصبه عام 2014، لكن لم يكن للتلفزيون الرسمي نصيب منها، وهو ما أثار تساؤلات عديدة حول أسباب هذا الغياب في ظل تحركات برلمانية حملت تلميحات بإمكانية التخلص من بعض القنوات المحلية بشكل تدريجي عبر وقف بثها فضائيًا.

وبدا احتفاء برنامج “التاسعة” بأسرة البطلة الأولمبية في الكاراتيه فريال أشرف الحاصلة على ذهبية في أولمبياد طوكيو فرصة مناسبة لوجود صوت السيسي الذي حرص على إرسال إشارات مهمة للأسر المتوسطة -التي ما زال بعضها يتابع التلفزيون الحكومي- تفيد بأنها قادرة على تحقيق الإنجازات والنجاحات.

ويبدو أن دوائر حكومية استهدفت إحداث طفرة على مستوى المحتوى الإعلامي المقدم عبر القناة الأولى التي شهدت أكثر من محاولة تطوير، آخرها الانطلاقة الراهنة التي مهدت لظهور السيسي بصوته من خلال هذه القناة حتى تصل الرسالة الإعلامية بشكل احترافي يجذب المواطنين إلى التلفزيون المحلي مرة أخرى.

عصام الأمير: تجميد خطوات الهيكلة يُصعّب مهمة التطوير المنشود
عصام الأمير: تجميد خطوات الهيكلة يُصعّب مهمة التطوير المنشود

وشهدت القناة الأولى تطوراً نوعيّا لم يكن معتادا منذ الأزمات المتلاحقة التي مر بها “ماسبيرو” وقدم برنامج “صباح الخير يا مصر” مجموعة من الحلقات لأول مرة من قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية عليها. ويتم الترويج حاليا للمشروعات في العاصمة الإدارية الجديدة بشرق القاهرة، ومدينة العلمين السياحية على البحر المتوسط.

واستحدثت القناة خارطة برامجية متعددة اهتمت لأول مرة بالشأن السياسي المحلي والعربي عبر برنامج “حديث العرب من مصر” الذي تقدمه الإعلامية درية شرف الدين، وبرنامج “بيت الكل” الذي تقدمه أربع مذيعات من مصر والأردن وفلسطين والعراق، إلى جانب التطور الملحوظ على مستوى الشكل والذي أضحى أحد أسباب عزوف المواطنين بفعل عناصر الجذب والإبهار التي تمتعت بها الفضائيات الخاصة.

وقال رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقاً عصام الأمير إن “المكالمة الهاتفية تركت أصداء بين أبناء ماسبيرو وتبدلت ردود الأفعال الصاخبة على مساعي التصفية إلى ردود فعل مرحبة بالخطوة التي من المتوقع أن تعقبها خطوات أخرى، وقد يكون الرئيس ضيفًا على أحد برامج التلفزيون الحكومي قريبا”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “المشكلة الرئيسية التي واجهت ماسبيرو خلال السنوات الماضية تكمن في أن محاولات التطوير لم تكن ناجحة ولم تحقق الأثر الإيجابي الذي يجذب إليها الجمهور، وأن التعاون الأخير مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي تملك وتدير غالبية الفضائيات المصرية الخاصة استطاع أن يُحدث تغييراً إيجابيًا في القناة الأولى يمكن البناء عليه ليصل إلى باقي القنوات المحلية”.

وأكد خبراء إعلام أن تجربة القناة الأولى تخضع للتقييم باستمرار من جانب الجهات القائمة على عملية التطوير، ممثلة في الشركة المتحدة والهيئة الوطنية للإعلام، وفي حال حققت نجاحات على مستوى جذب الجمهور -ولو في غياب تحقيق العوائد المالية المطلوبة- فسوف تفتح الباب أمام تطوير قناة النيل للأخبار لتكون ذراعًا إعلامية مهمة للدولة المصرية.

وأضاف الأمير لـ”العرب” أن “تجميد خطوات الهيكلة التي كانت تستهدف تقليص المصروفات وتوجيه إمكانيات ماسبيرو في الاتجاه الصحيح يُصعّب مهمة التطوير المنشود، لكن من المؤكد أنه سيجري تنفيذها في تلك الأثناء، لأن هناك رؤى إيجابية داخل ماسبيرو ترى أن الوقت أضحى مناسبًا لإعادة الاهتمام بالتلفزيون الرسمي”.

Thumbnail

وتبدو كوادر إعلامية وإذاعية عديدة في مصر مقتنعة بأن الهزة التي تعرض لها التلفزيون الحكومي عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 وأطاحت بنظام الرئيس الراحل حسني مبارك آن لها أن تتوقف ويتم تصويبها بعد أن تعرض التلفزيون لطعنات من جهات مختلفة استهدفت السيطرة على كعكة الإعلام في مصر، وأصبح الوقت الحالي مناسبًا لمنحه أولوية الدعم، خاصة أن الدولة حققت أهدافها من السيطرة على الإعلام الخاص وضبط الخطاب الإعلامي.

وأوضح رئيس قطاع الأخبار بالتلفزيون المصري سابقا إبراهيم الصياد لـ”العرب” أن “مداخلة الرئيس أعادت التأكيد على أنه لا يمكن الاستغناء عن التلفزيون الرسمي وسوف تمنح المزيد من الثقة لأبنائه لبذل المزيد من الجهد والعطاء وانتشالهم من الحالة السلبية التي تتحكم في بعضهم بسبب الأحاديث المتلاحقة عن غلق أو تصفية الكثير من المحطات”.

واشتعل الغضب داخل مبنى ماسبيرو عقب الموافقة الأولية للجنة المقترحات بمجلس النواب في شهر يونيو الماضي على إيقاف البث الفضائي للقنوات الإقليمية الست، والاكتفاء بالبث الأرضي لتوفير النفقات، ما دفع لجنة الإعلام والثقافة في البرلمان إلى القول إنها ما زالت تناقش المقترحات، واعتبرت أن الموافقة “ليست لها علاقة بحقوق العاملين فيها، والتي تعتبر خطا أحمر لا يمكن تجاوزه”. ولفت الصياد لـ”العرب” إلى أن “الظهور الخاص للرئيس في التلفزيون الحكومي مطلوب بين الحين والآخر من أجل إعادة الزخم للإعلام الرسمي، مع أهمية التعامل مع المشاكل المزمنة التي ترتبط بمستحقات العاملين والمعاشات وحل أزمات الديون، وإيجاد حلول عاجلة كي يصبح ماسبيرو جاذبا لأبنائه والتعامل معه كهيئة قومية وليس منشأة اقتصادية تدر الربح”.

وتحصل الهيئة الوطنية للإعلام على تمويل حكومي سنوي يبلغ 13 مليون دولار سنوياً، وهو مبلغ لا يكفي لصرف الرواتب وإنتاج البرامج ما سبب عجزاً في موازنة الإعلام الحكومي السنوية.

ويشكو رئيس الهيئة حسين زين دائما من أن وزارة المالية ترفض سد هذا العجز وتمنح التلفزيون الرسمي مقابل الخدمات التي يقدمها ما يضاهي المبلغ الذي كانت تقدمه في ثمانينات القرن الماضي.

ويرى البعض من خبراء الإعلام أن الجهات القائمة على تطوير التلفزيون تركز جهودها على قناة أو اثنتين من إجمالي 26 قناة محلية ومتخصصة، ما يشي بأن هناك رغبة في الإبقاء على عدد قليل وتصفية القنوات التي لا تحقق نسب مشاهدة جيدة ولم يطلها تطوير أصلا، وهو أمر يواجه برفض قطاعات واسعة داخل التلفزيون الرسمي.

ويعتقد هؤلاء أن انتفاء عملية التطوير المتقنة وعدم وجود خطة إعلامية تهتم بالمحتوى سوف يؤديان إلى مشكلات أكبر تعيق أي تطوير، لأنه يجري الاعتماد على كوادر من خارج التلفزيون على حساب ما يقارب 29 ألف إعلامي وموظف.

وأصبحت تركة الإعلانات التي كانت تدر دخلا كبيرا وأهم مصادر التلفزيون الرسمي المالية تحت سيطرة شركات تابعة للشركة المتحدة التي تشارك في عملية التطوير.

ومن الضروري تصويب هذه المسألة كي يحقق هذا التلفزيون استفادة مباشرة من موارده.

18