نساء بشهادات علمية يفضلن الأسرة على سوق العمل

هاجس النساء في أن يكن أمّهات وزوجات وموظفات يثير لدى البعض  منهن إشكالية الصراع الداخلي النفسي للتوفيق بين كل هذه الأدوار.
الأربعاء 2021/07/28
شغل البيت يكفيهن

هاجس الجمع بين الوظيفة والاهتمام بشؤون الأسرة لم يعد حلم فتيات اليوم، فرغم حصول الكثير منهن على شهائد علمية مرموقة إلا أنهن فضلن المكوث بالبيت تجنبا لعيش صراع داخلي بين العديد من الأدوار ما من شأنه أن يرهقهن. كما أن البعض منهن يفضلن الزواج والمكوث بالبيت هربا من المشاركة في المصاريف اليومية.

لم يعد من الشائع أن تجيب ربة المنزل في ما يتعلق بنوعية عملها بقولها “لا أفعل شيئا، فأنا أمكث في المنزل”، بل صار جوابها “أرعى أطفالي وأهتم بنفسي وزوجي ولا أريد أن أعيش صراعا داخليا نفسيا بين العديد من الأدوار”. وربات البيوت هؤلاء، نساء حاصلات على شهائد علمية فضلن الأسرة على سوق العمل.

وقالت نادية عمراني، أم لطفلين وحاصلة على شهادة الماجستير في المحاسبة، إنها فضلت الزواج والمكوث في البيت عن الالتحاق بسوق العمل رغم أن شهادتها تمكنها من الحصول على وظيفة مرموقة.

وأضافت أنها اختارت ذلك عن طواعية ولم يرغمها أحد من أفراد أسرتها على ذلك، لأنها ببساطة لن تقدر على التوفيق بين الاهتمام بأسرتها وعملها وأطفالها. وأنه مهما حاولت خلق التوازن المطلوب، فسيكون مرهقا لها على المدى البعيد.

وأكدت أن المرأة العاملة قد تبدو مع الزمن أكثر تقدما في العمر من النساء اللواتي في سنّها، كأن تدخل في ميدان الشيخوخة في وقت مبكر.

ويرى خبراء علم الاجتماع أن هاجس النساء في أن يكن أمّهات وزوجات وموظفات يثير لدى البعض  منهن إشكالية الصراع الداخلي النفسي للتوفيق بين كل هذه الأدوار، والذي يؤدي إلى حالة من “الارتباك الاجتماعي”، وفق قولهم.

الصحبي بن منصور: العناية بالأسرة والتفرغ لخدمة أجيال المستقبل مسألة راقية
الصحبي بن منصور: العناية بالأسرة والتفرغ لخدمة أجيال المستقبل مسألة راقية

ويشير الخبراء إلى أن نموذج المرأة الخارقة الذي يسعى الجميع إلى إيجاده في كل امرأة هو قمة الإرهاق النفسي والجسدي، فلكل قدراتها.

وإذا كانت بعض النساء يفضلن المكوث بالبيت وتحمل أعباء الأسرة لأنهن لا يستطعن التوفيق بين الوظيفة والعمل الداخلي، فإن العديد من الفتيات أصبحن يسعين إلى أن يتزوجن ويمكثن بالمنزل ويلقين المسؤولية كاملة على أزواجهن حتى لا يشاركن في مصاريف البيت ولا يتحملن أي مسؤولية.

ولم يعد لقب ربات البيوت يقلق العديد من الفتيات الحاصلات على شهائد علمية، ليصبح الأمر يشبه الظاهرة في المجتمعات الحالية.

وقالت سماح قيلبي موظفة بالقطاع العام إن زوجة أخيها حاصلة على شهادة علمية تمكنها من الحصول على وظيفة لكنها لا تعمل ولا تفكر في أن تقتحم سوق العمل رغم أنها دائمة الخصام مع زوجها على الأمور المادية. وأضافت أنها لا تراعي إمكانياته المادية وأنه ملزم بتوفير كل شيء لها ولأطفالهما.

وقال الصحبي بن منصور أستاذ الحضارة بجامعة الزيتونة “إن العناية بالأسرة والتفرغ لخدمة أجيال المستقبل مسألة راقية.. فإعداد المرأة الصالحة والأم المثالية هو بناء لمدرسة طيبة الأعراق. معنى ذلك أنّه لا ينبغي النظر بدونية إلى المرأة التي لا تباشر مهنة أو وظيفة”.

وأضاف لـ”العرب” أنه أمام تفكك الأسرة اليوم بسبب استغراق الوالدين في العمل وعدم وجود رقابة كافية على الأبناء، لاسيما أنّ الفساد الأخلاقي قد تسرب إلى داخل البيوت عن طريق التكنولوجيات الحديثة للاتصال، أصبحت الحاجة ملحة إلى بقاء الأم وإن كانت حاملة لشهائد عليا بجوار أبنائها حتى تكون صمام استقرار وأداة سلامة لهم.

وأشار إلى أن عمل المرأة هو من أجل تحصيل المال، لكن المال ليس غاية وإنما وسيلة لتوفير الرفاه الأسري، فإذا اقتضت الضرورة اليوم اختيار المرأة التفرغ لأسرتها فذلك حقها الذي يستحق التقدير لا التبخيس.

وهو ما يعني أن خدمة الأسرة ليست معرة للمرأة أو منقصة من قيمتها، وإنما هي تفرغ لتربية أجيال المستقبل وتكميل دور المعلمين في إثراء معارفهم ونجاحهم الدراسي والسهر على صحتهم وحسن تصرفهم في المجتمع. وتعتقد بعض النساء أن هناك خللا في بعض المجتمعات التي لا تشعر بأن المرأة أنجزت أو أن المجتمع حصد إن لم تشغل منصبا.

وقالت إحداهن “يمكن القول إنها العادات والتقاليد، لا أذكر أحدا قال لي حين تصيرين أمًّا أو تتزوجين انتبهي إلى هذا أو احرصي على ذاك، كل النصائح منذ صغري ارتبطت بالدراسة والعمل”.

وأضافت “مازلت عند قراري ولو عاد بي الزمن سأتبع الطريق نفسه، وسأوجه ابنتي بأن لها حرية الاختيار، فحياتها وقدراتها تختلف لكني سأنصحها أن تعطي كل دور حقه وألا تحمل نفسها فوق طاقتها، وسأوضح لها أهميه بناء الأجيال القادمة”.

وأردفت “أريد من ابنتي أن تفهم أن قيمتها وما تقدمه للعالم يمكن أن يكون بأشكال كثيرة غير محدودة بوظيفة وأن لها حرية الاختيار.. الرجال الكرام الذين في حياتي لم يشعروني يوما بأن علي البقاء في المنزل أو أني مجبرة على أن أعمل وأكسب رزقي فأرجو من الله أن يحفّ ابنتي برجال مثلهم”.

Thumbnail

وتشير جمعية النساء الأمهات الذين اخترن البقاء في البيت إلى أن “وظيفة الأم خلق الذكريات؛ فعندما نشرع في توضيح الأنشطة التي يجب أن تُعطَى لها الأولوية بشكل يومي في حياتنا، فإننا سرعان ما ندرك أنه سواء قضينا ساعات طويلة في قراءة قصص لأطفالنا أو تحضير أطباق شهية، فإننا نسهم في إنشاء المفهوم الذي يتكوَّن للأطفال عن البيت”.

وقالت الجمعية “إننا بهذا نخزن احتياطيا ذكريات لِلُّجوء إليها في السنوات المقبلة. إننا بهذا العمل نقوم بملء الفراغات في عقولهم بالصور والأصوات والروائح التي ستظهر ثانية عندما يحتاجون إلى تذكر أنهم في مكان ما يحظون بالحب والمودة”.

وأشار بعض الخبراء إلى أن تناول المدرسة النسوية المتطرفة، فكرة “المكانة الاجتماعية”، أي القيمة التي يحصل عليها الفرد بوجوده في مكان ما، وارتباطها بخروج المرأة للعمل ومشاركتها الحياة العامة، فهي لا تَعتبر أن العمل في المجال الخاص داخل المنزل يمنح المكانة الاجتماعية المطلوبة، وبهذا تجد أن قيم العفّة والأمومة مجرد خرافات وإشاعات تروّج لها المجتمعات لتزييف وعي المرأة، كي تقنع بالبقاء في المجال الخاص. لذا؛ كانت هناك دعوات نسائية لدفع المرأة نحو تحقيق المكانة الاجتماعية المطلوبة بالنزول إلى سوق العمل وتحقيق الاستقلال المادي المطلوب.

لم يعد لقب ربات البيوت يقلق العديد من الفتيات الحاصلات على شهائد علمية، ليصبح الأمر يشبه الظاهرة في المجتمعات الحالية

وقالت الأخصائية النفسية عهود النتشة، أمّ لطفل، والتي تركت عملها عندما علمت أنّها حامل، إن ابتعاد الأم عن الابن يؤدي إلى إحداث خلل في مفهوم ‘الأمان’ لديه، والذي يتبعه نقص في العواطف والمشاعر، فهو لا يستوعب أن أمّه التي تزوّده بالحنان ذاتها التي تغيب عنه لساعات، فيصاب بحالة من الانفصام النفسي في ما بعد، بحسب وصفها، والتي تظهر أعراضه أكثر في مرحلة المراهقة.

وتضيف النتشة “عدا عن وضع الطفل في مراكز للرعاية المسمّاه بـ’الحضانة’، بحيث يترك الأهل الطفل بين يدي شخص غريب في بيئة لم يعتد عليها لساعات طوال، مما يؤدي لإصابته بصدمة نفسية، تنجم عنها قلة ثقته بوالديه، في ظل شحّ الرعاية والاهتمام”.

وتتابع أن النساء اللواتي يخرجن اضطرارا بدواعي مشاركة الزوج ومساندته، لا بد أن يحاولن قدر الإمكان إيجاد قنوات للتواصل الفعّال مع الطفل، كمنحه وقتا نوعيا، ومشاركته اهتماماته وميوله، وتزويده بالمعرفة التي تعينه على مواجهة الحياة في ما بعد، قائلة “كنت أجمع أطفالي بعد عودتي من العمل، أسألهم عن تفاصيل يومهم، كنّا نفتح حوارا عن كل شيء، المهم أن نتحدث”.

21