كثرة الأبناء لا تعني العزوة والسند للآباء في الكبر

يؤكد خبراء علم الاجتماع أن كثرة الأبناء لا تعني بالضرورة سندا للآباء عند الكبر، خاصة إذا لم تتم تنشئتهم في ظروف حسنة. ويشير هؤلاء إلى أن الظروف الحالية التي يشهدها العالم من متغيرات وخصوصاً الاقتصادية منها أثرت على علاقة الآباء بالأبناء وجعلتهم أقل اهتماما بوالديهم.
تختلف الآراء حول ما إذا كان إنجاب عدد كبير من الأبناء أمراً ضرورياً وسندا لأهلهم وإخوتهم في الكبر، أم أنه مسؤولية مضاعفة يجب أن تتم دراستها جيداً قبل الإقدام عليها والأخذ في الاعتبار أن دوام الحال من المحال، خاصة في ظل الظروف الحالية التي يشهدها العالم من متغيرات وخصوصاً الاقتصادية منها.
وفي حين يرى عدد من خبراء علم الاجتماع أن وجود الأبناء أمر مهم في حياة الآباء، وكلما زاد عددهم تكون العائلة أكثر تماسكاً، مشيرين إلى أنه ليس جيداً أن ينجب الشخص طفلين وحيدين خاصة أن الأهل لن يدوموا لأبنائهم، يرى البعض الآخر أن فكرة إنجاب الأطفال لتأمين مستقبل الأب والأم غير صحيحة، إذ يمكن أن يكون لهما 10 أبناء ولا يكون فيهم بار بهما بسبب التشتت أثناء التنشئة.
كما أن طاقة الإنسان الذي يعيش في هذا العصر وزيادة الضغوط والمسؤوليات تجعل من الاهتمام بطفل واحد أو طفلين مسؤولية كبيرة ليكونوا قادرين على بناء مستقبل جيد، فكيف سيكون الحال مع أربعة أو أكثر؟
وعارضت بعض الأمهات فكرة إنجاب أكثر من طفلين في الأسرة الواحدة بسبب صعوبات الحياة والضغوط النفسية التي يمر بها الجميع خاصة في ظل الظروف الحالية، مؤكدات أن الاهتمام بتنشئة طفل وتنمية مواهبه ومنحه حياة كريمة أفضل من تربية طفلين في حياة صعبة وفيها تحديات مضاعفة.
وقال عبدالكريم بن محمد وهو أب لثمانية أولاد، إن عدد الأبناء الكبير لا يمثل بالضرورة سندا اجتماعيا للآباء، فهو ربّى ثمانية أولاد ولكنهم تفرقوا بحكم ظروف عملهم وزواجهم، ولم يبق بجانبه سوى ابنه الصغير الذي بدأ هو أيضا يقلق لوجوده معه في نفس المنزل.
وأضاف لـ”العرب” أنه أفنى كامل حياته في خدمة أبنائه ليراهم في أحسن الظروف وأعلى المراتب، لكنهم بحكم تغير معطيات الحياة وظروفها لم يبادلوه نفس التضحية واهتم كل واحد منهم بنفسه وعائلته ولم يعد يعير اهتماما له.
وأشار بن محمد إلى أنه لا يشعر بالندم لتضحياته من أجل أبنائه لكنه مستاء من عدم وقوفهم إلى جانبه في محنته التي مر بها وهي مرض ألمّ به منذ سنوات وجعله غير قادر على الحركة مثل ذي قبل.
من جانبها أوضحت الأخصائية النفسية والتربوية ناريمان ناجي أن تحديد إنجاب عدد معين من الأبناء قرار يجب أن تسانده العوامل النفسية والبيئة الصحية والظروف المادية لتنشئة طفل يتمتع بصحة نفسية جيدة وتعليم مناسب. وقالت ناجي “لا يوجد عدد أطفال محدد يوصى به، إلا أن دراسات الصحة النفسية العالمية أكدت أن زيادة عدد الأبناء تؤثر إيجاباً على صحتهم النفسية إن توفرت لهم بيئة آمنة وظروف معيشية جيدة”.
ولفتت إلى أن خيار الإنجاب مرتبط بالظروف البيئية والاستعداد النفسي، فالمعيشة الجيدة والمسكن الآمن هي من أهم العوامل المشجعة، إلى جانب تأمين نمط حياة جيد خاصة في الفترة الأولى من حياة الطفل، وفهم الذات والقدرات النفسية للأبوين وإمكانياتهما لمنح المحبة والرعاية والأمان للأطفال.
وأوضحت أن أهم ما يجب أن يسبق قرار عدد الأبناء الذين سينجبهم الأم والأب، التسلح بالمعلومات العلمية الصحيحة واستقاؤها من مصادرها العلمية الموثوقة، فقرار إنجاب طفل هو مشروع مستقبل، ومن دواعي المسؤولية هو تأمين بيئة صحيحة له قبل قدومه، وإدراك طاقة الأسرة لتوفير نفس البيئة للإخوة حسب قدرة الوالدين.
وأضافت أننا “لا نستطيع فصل ما نعيشه عن المرجع الثقافي والديني (…) إلا أن إدراك حاجات الأطفال التي يجب توفيرها يؤثر في قرار عدد أفراد الأسرة (…) خاصة أن العمر من الولادة حتى 5 سنوات يتطلب رعاية واعية ودعماً لتكوين أساس الشخصية والضمير والنظام والهوية والقبول عند الطفل، وفي ما بعد يبدأ تأثير عامل المدرسة والثقافة المجتمعية التي يمكن أن تؤثر في الأبناء”.
وقال أحمد الأبيض المختص التونسي في علم النفس إن العائلات العربية كانت تنجب عددا كبيرا من الأبناء ليس فقط لاعتقادها أنهم “عزوة”، ولكن أيضا لأنه لم تكن هناك وسائل لتحديد النسل، كما أن بعض العائلات كانت ترى في كثرة الأبناء سندا وقوة.
وأضاف لـ”العرب” أن الآباء عندما يتقدمون في السن يتنظرون من الأبناء أن يقفوا إلى جانبهم كنوع من الاستثمار في الزمن، لكن في أيامنا هذه عوّض نظام التغطية الاجتماعية وشركات التأمين الدور الذي كان يقوم به الأبناء سابقا في رعاية آبائهم ماديا.
ويحتاج كبار السن من الآباء والأمهات الرعاية والعطف والبر. لكن بعض السلبيات التي تبدو من الآباء والأمهات عند كبر السن قد تعود بآثارها السلبية على الأبناء البارين بهم، ما يجعل الآباء يفقدون السند.
فكرة إنجاب الأطفال لتأمين مستقبل الأب والأم غير صحيحة، إذ يمكن أن يكون لهما 10 أبناء ولا يكون بينهم من يبرّهما
وقد يقدّم أحد الأبناء الرعاية والعطاء لوالديه، لكن عند أول خطأ منه أو غياب يجد منهما التأنيب والتوبيخ والغضب الشديد، وعلى العكس فقد يجد نظرتهما للابن الآخر البعيد عنهما أقرب منه إليهما. كما أنه مع كبر السن وكثرة الأمراض لا يستطيع البعض من كبار السن الصبر على مرضه، فلا يتقبله بالرضا ولكن يكثر من الآهات والشكوى حتى يصبح أي لقاء معه عبارة عن شكوى صباحا كان أو مساء، فيظل البيت دائما مثوى للآلام فقط، ما ينفر الأبناء نفسيا ويثقل مهمتهم.
كذلك يتهم بعض الآباء أبناءهم بالتقصير، فلا يجد الابن أي كلمة حسنة ترفع من روحه المعنوية لمواصلة البر مهما قدم من مال أو خدمات أو أي نوع من أنواع البر، فيشعر الأبناء بالانكسار وضياع الجهد بدلا من شعورهم بفرحة البر.
كما أن بعض الآباء المسنين رغم رغد العيش وسعة الرزق لديهم، يقومون باستغلال أبنائهم ماديا بطرق غير مباشرة، فبعض الأبناء قد يفرح بذلك، وبعضهم قد يتأذى من هذا الصنيع.