اهتراء البنى التحتية يفاقم الحوادث المميتة في الجزائر

الجزائر - أدى اهتراء البنى التحتية إلى تفاقم ظاهرة الحوادث المرورية المميتة في عدد من الولايات الجزائرية في الآونة الأخيرة، حيث قضت نحو 40 ضحية في حوادث مرورية بقسنطينة والوادي وغرداية، إلى جانب العشرات من الجرحى والخسائر المادية المعتبرة.
وعلى الرغم من تضارب التفسيرات حول الأسباب الحقيقية للحوادث المذكورة التي صارت في بعض الأحيان هي المصدر الأول للوفيات في الجزائر وتحل بعدها الفرضيات الأخرى كالأمراض والجائحة العالمية، فإن وضعية البنى التحتية كالطرقات والجسور تبقى من بين أهم الأسباب.
وفيما تحدثت تقارير أمنية عن دور العوامل البشرية (السائقين) ووضعية المركبات ووضعت حالة البنى التحتية في آخر الترتيب، فإن الأحداث المأساوية التي عاشتها عدة مدن خلال الأيام الأخيرة تدعو مجددا إلى إثارة مسألة اهتراء شبكة الطرقات خلال السنوات الأخيرة.
القضاء الجزائري فتح ملف فساد في الطريق السريع شرق – غرب، ووجّهت التهم إلى مؤسسات رسمية وشركات إنجاز
وشمل الفساد أكبر مشاريع البنى التحتية في البلاد على غرار الطريق السريع شرق – غرب على مسافة 1200 كيلومتر الذي امتدت مدة إنجازه لنحو عشر سنوات وبنوعية أشغال مثيرة للريبة، في ظل حاجة الطريق إلى الترميم في بعض المقاطع حتى يدخل حيز الخدمة تماما.
ولا تزال الحكومة الجزائرية تتكتم على الكلفة الإجمالية للمشروع الذي أنجز خلال حقبة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، بينما تتحدث بعض المصادر عن غلاف مالي وصل إلى 18 مليار دولار، فيما ذكرت تصريحات مقتضبة لمسؤولين في الدولة أن الكلفة قدرت بنحو ثمانية مليارات دولار.وسبق أن فتح القضاء الجزائري ملف الفساد في الطريق السريع شرق – غرب، ووجّهت التهم إلى مؤسسات رسمية وشركات إنجاز على غرار وزير الأشغال العمومية السابق المسجون حاليا عمار غول وعدد من الكوادر والمسؤولين في الوزارة.
وتذكر وزارة الأشغال العمومية بأن شبكة الطرقات في الجزائر تقدر بأكثر من 1200 كيلومتر من الطرقات السريعة منها 1100 كيلومتر حيز الخدمة، وبـ127 ألف كيلومتر من الأصناف الأخرى (طرق وطنية وولائية)، منها 96 ألف كيلومتر معبّدة، بالإضافة إلى أكثر من 100 ألف هيكل هندسي، غير أن المساحة الجغرافية للبلاد التي تعد الأكبر عربيا وأفريقيا تحتاج إلى إمكانيات واستثمارات ضخمة لتطوير شبكة الطرقات للمساهمة في الوثبة الاقتصادية والاجتماعية، حيث لا يزال النقص لافتا في جنوب البلاد.
وتنجز الحكومة حاليا مشروع طريق سريع شمال – جنوب، تراهن عليه ليكون رابطا بين حوض المتوسط والساحل الصحرواي على مسافة تقدر بنحو 2000 كيلومتر في التراب الجزائري، إلى جانب طريق سريع آخر يربط الشرق بالغرب عبر الهضاب العليا وشمال الصحراء.
ووجه خبراء مختصون انتقادات للسلطة الوصية على إبقاء الحكومة كمستثمر وحيد في المشاريع المذكورة، وعدم دخولها في شراكة مع رأسمال خاص أو أجنبي، وحتى تأخرها في إدخال الخدمة المدفوعة حيز التنفيذ، رغم حاجة تلك مشاريع إلى مداخيل خاصة للتكفل بعمليات الصيانة والترميم.
شبكة الطرقات في الجزائر تقدر بأكثر من 1200 كيلومتر من الطرقات السريعة منها 1100 كيلومتر حيز الخدمة، وبـ127 ألف كيلومتر من الأصناف الأخرى
ولا يزال اللبس يلف نوعية مشروعات البنى التحتية خاصة تلك المنجزة خلال العقدين الأخيرين بسبب الاختلالات المسجلة في الإنجاز، وظروف إبرام الصفقات مع الشركات المنجزة ودفاتر الشروط، الأمر الذي كبد الخزينة العمومية خسائر ونفقات إضافية.
وتحدثت حصيلة حديثة عن حوالي 1300 ضحية وإصابة 13 ألفا في حوادث مرور سجلت خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، وبقي المتهم الأول هو العامل البشري كمتسبب رئيسي في مجمل الحوادث رغم التدابير المتخذة في هذا المجال.
وصرحت المكلفة بالإعلام في المندوبية الوطنية للأمن عبر الطرق فاطمة بن خلاف، بأنه تم في الأشهر الخمسة الأخيرة تسجيل أكثر من 10200 حادث مروري أدت إلى وفاة حوالي 1300 شخص، وإصابة قرابة 14 ألفا آخرين.
ووصفت المتحدثة الوضع بـ”الخطير مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي”، أين سجلت نسبة زيادة فاقت الـ42 في المئة.
ويرى الخبير الدولي في السلامة المرورية امحمد كواش أن “القضاء على ظاهرة ‘إرهاب الطرقات’ يجب أن ينطلق أولا بالاستثمار في العامل البشري من خلال الأسرة والمؤسسات التربوية وغرس ثقافة احترام قوانين المرور، لأن الأمن المروري مرتبط ارتباطا وثيقا بالنهضة الاجتماعية في كل أبعادها الاقتصادية والثقافية والسياحية”.