طالبان تحقق مكاسب ميدانية بسرعة غير متوقعة

حركة طالبان المتمردة تواصل حملتها لانتزاع أراض في مناطق ريفية في أنحاء أفغانستان في ظل تراجع الجيش وخروج القوات الأميركية من قاعدة باغرام.
الاثنين 2021/07/05
مدنيون يعاضدون القوات النظامية

سهّل إخلاء القوات الأميركية لقاعدة باغرام الجوية وتسليم مهام إدارتها إلى الجيش الأفغاني مهمة حركة طالبان المتمردة في تحقيق مكاسب ميدانية سريعة بعد سيطرتها على إقليم بانجواي في ولاية قندهار الاستراتيجية، فيما باتت الحركة تركز هجماتها الآن على المدن الكبرى بعد أن فقد الجيش الأفغاني الغطاء الجوي الأميركي الذي كان حاسما في التصدي لتقدم المتمردين.

كابول- حققت حركة طالبان الأحد بسيطرتها على إقليم بانجواي ذي الأهمية الاستراتيجية في ولاية قندهار معقل الحركة السابق، مكاسب ميدانية بسرعة أكبر من المتوقعة، فيما تراجع الجيش الأفغاني وانسحب من العديد من المناطق خاصة الريفية والحدودية، ما يؤشر على عدم قدرته على مواجهة هجمات طالبان الضارية.

ويعزو مراقبون تراجع الجيش الأفغاني في قندهار تحديدا إلى غياب الغطاء الجوي الذي كانت توفره القوات الأميركية ولم يعد متاحا الآن بعد انسحابها من قاعدة باغرام الجوية الجمعة والتي شكلت مركزا للعمليات ضد المتمردين خلال العقدين الماضيين.

ويخشى هؤلاء أن يعاني الجيش الأفغاني صعوبات في مواجهة طالبان بعد انسحاب القوات الأجنبية من باغرام وقريبا من أفغانستان بالكامل في غياب الدعم الجوي الأميركي، إذ تشير التوقعات العسكرية إلى أن طالبان ستسيطر على أهم المدن الاستراتيجية في ظرف 6 أسابيع على الأقل بعد انسحاب القوات الأجنبية، إلا أن اقتراب عناصر الحركة من قندهار في ظرف يومين يطرح تساؤلات بشأن قدرة الجيش الأفغاني المتعثر على صد تقدم طالبان.

ودون وجود أميركيين على الأرض فقد رجال المخابرات الأفغانية أي اتصال مباشر بالأشخاص الذين يزودونهم بالمعلومات، ولن تتمكن قوات العمليات الخاصة من شن غارات إلا في حالات نادرة.

وعلى مدى سنوات اشتبكت طالبان مع القوات الأفغانية بشكل متكرر في منطقة بانجواي ومحيطها، إذ سعى المتمرّدون للسيطرة عليها نظرا لقربها من قندهار عاصمة الولاية. ويتحدّر زعيم طالبان هبة الله أخوند زادة من بانجواي. وتعد قندهار مهد طالبان التي حكمت أفغانستان من خلال نظام إسلامي متشدد إلى أن أطاح بها غزو قادته الولايات المتحدة عام 2001.

أفغانستان

وقال حاكم منطقة بانجواي هاستي محمد إن معارك جرت بين طالبان والقوات الأفغانية خلال الليل، ما دفع القوات الحكومية إلى الانسحاب. وأفاد “سيطرت طالبان على مقر الشرطة في المنطقة ومبنى الإدارة المحلية”.

وأكد رئيس مجلس ولاية قندهار جان خاكريوال سقوط بانجواي متهما القوات الحكومية بأنها “تعمدت الانسحاب”. ويشكك مسؤولون أفغان في ذلك لكنهم يقرّون بأن القوات الحكومية انسحبت من بعض المناطق. ويصعب التحقق من الوضع بشكل مستقل.

ويواصل المتمرّدون حملتهم لانتزاع أراض في مناطق ريفية في أنحاء أفغانستان منذ مطلع مايو عندما بدأ الجيش الأميركي سحب جنوده. واندلعت معارك في ولايات عدة في أفغانستان بينما أعلنت طالبان أنها باتت تسيطر على مئة من نحو 400 منطقة في البلاد، حيث تشن الحركة المتمردة هجمات متزامنة على عدة جبهات، لكنها باتت تركز عقب إخلاء الأميركيين لقاعدة باغرام على المدن الاستراتيجية الأكثر تحصينا من المناطق الريفية والحدودية.

وحذر الجنرال سكوت ميلر قائد قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان الأسبوع الماضي الحكومة الأفغانية من العمل على بسط نفوذها على المدن والطرق السريعة الرئيسية وترك المناطق الريفية ذات القيمة الاستراتيجية الأقل لطالبان.

وتصاعدت أعمال العنف في جميع أنحاء أفغانستان خلال الأسابيع التي أعقبت إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن بأن قواته ستنسحب دون قيد أو شرط بحلول 11 سبتمبر.

ومع تعثر محادثات السلام في قطر وسقوط ما يقرب من ربع مناطق البلاد في أيدي حركة طالبان خلال الأسابيع الأخيرة وفقا لإحدى الدراسات بات كثيرون يشعرون بالقلق من أن الفوضى تلوح في الأفق.

وقد تكون قدرة الجيش الأفغاني على تأمين وجوده في قاعدة باغرام أحد مفاتيح الحفاظ على الأمن على مشارف كابول ومواصلة الضغط على المتمردين. وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي أن رحيل القوات الأجنبية من باغرام لا يعني مغادرتها أفغانستان نهائيا في الأيام المقبلة.

وأوضحت أن انسحاب القوات الأجنبية سينجز بنهاية أغسطس، أي قبل الموعد النهائي المقرر في 11 سبتمبر يوم الذكرى العشرين للاعتداءات في الولايات المتحدة التي أدت إلى التدخل الدولي في أفغانستان.

ولقاعدة باغرام أهمية عسكرية وكذلك رمزية في أفغانستان، وهي أشبه بمدينة مصغرة استضافت مئات الآلاف من العسكريين الأميركيين ومن حلف شمال الأطلسي على مدى العقدين الماضيين.

أفغانستان

ويرى الخبير في مجموعة الأزمات الدولية أندرو واتكينز أن “الكثير من الأفغان سيتذكرون باغرام باعتبارها حجر الزاوية لأكثر من تدخل عسكري أجنبي، إذ كانت أيضا القاعدة الرئيسية للسوفييت أثناء احتلالهم للبلاد” بين العامين 1979 و1989.

ويضيف أنها “لم تكن فقط نقطة دخول للعديد من العسكريين الأجانب الذين مروا بالبلاد منذ عام 2001، بل استضافت أيضا الكثير من الإمكانات الجوية المنتشرة في البلاد والتي منحت القوات الأفغانية أفضلية حاسمة في ساحة المعركة”.

وفاقم رحيل القوات الأجنبية من باغرام المخاوف من إمكانية غرق البلاد في حرب أهلية أخرى كما حصل في التسعينات بعد انسحاب الجيش الأحمر. وحاول الرئيس الأميركي جو بايدن الجمعة تهدئة المخاوف بتأكيده أن الولايات المتحدة ستحتفظ بالقدرة على تقديم المساعدة للحكومة وقواتها إذا لزم الأمر، من دون أن يعطي مزيدا من التفاصيل.

ووفق تقارير صحافية من المتوقع أن تبقي وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) على ما يقرب من 600 عسكري في أفغانستان لتأمين سفارة الولايات المتحدة مترامية الأطراف في كابول.
وتزامنا مع تقدم طالبان في جنوب البلاد لجأ أكثر من 300 جندي أفغاني إلى طاجيكستان هربا من هجمات ينفذها عناصر الحركة على مناطق مأهولة شمالي البلاد.

على مدى سنوات اشتبكت طالبان مع القوات الأفغانية بشكل متكرر في منطقة بانجواي ومحيطها، إذ سعى المتمرّدون للسيطرة عليها نظرا لقربها من قندهار

وأوضح بيان صدرالأحد عن المكتب الإعلامي لقوات حرس الحدود التابع للجنة الدولة للأمن القومي في طاجيكستان أن التوتر يخيم على المناطق الحدودية بين البلدين بسبب هجمات طالبان على مناطق أوفيز وشهريبوزورغ وزيراكي التابعة لولاية بدخشان المتاخمة للحدود. وأضاف البيان أن أكثر من 300 جندي أفغاني دخلوا الأراضي الطاجيكية هربا من هجمات طالبان على تلك المناطق.

وأشار إلى أن حرس الحدود الطاجيكي التزم بالمبادئ الإنسانية وحسن الجوار، وسمح للجنود الأفغان بعبور الحدود دون أي عوائق. وأكد البيان أن القوات الطاجيكية تحكم سيطرتها التامة على الحدود الفاصلة بين البلدين.

والشهر الماضي لجأ 134 جنديا أفغانيا إلى طاجيكستان هربا من هجوم شنته حركة طالبان على معبر حدودي بولاية قندوز شمالي البلاد.

5