ما سر الجفاء بين السينما والأدب في تونس؟

كتاب ومخرجون تونسيون يحاولون إصلاح علاقة الفن السابع بالأدب.
الثلاثاء 2021/06/29
الأفلام التونسية في علاقة شائكة مع الأدب

إن كانت العلاقة بين السينما والأدب عريقة ومتينة منذ القدم، فكثيرا ما استلهمت السينما العالمية والعربية من الروايات مواضيعها وأفلامها. لكن في تونس بقيت الروابط بين الكتاب والفن السابع منفصلة وشبه منقطعة. في شرح لأسباب هذا الجفاء والتباعد بين الفنّين ومحاولة رأب الصدع بين الشقّين قدم كتّاب ونقاد تونسيون قراءتهم للمشهد السينمائي التونسي في علاقته بالأدب.

تونس - على الرغم من ثراء التجربة التونسية في الأقصوصة إلا أن علاقتها بالسينما ظلت محدودة. ما أسباب ذلك؟ لماذا ظلت الأقصوصة بعيدة عن مرمى نظر السينمائيين التونسيين؟ هل هناك ما يتوجب فعله حتى يصبح الاقتباس من الأقصوصة التونسية إلى السينما أمرا ممكنا؟

كل هذه وغيرها من الأسئلة الملحة كانت موضوع لقاء نظمته مؤخرا الدورة 32 لأيام قرطاج السينمائية بالتعاون مع المعرض الوطني للكتاب التونسي في فضاء مدينة الثقافة بتونس العاصمة.

تضمن اللقاء ثلاث مداخلات للسيناريست والجامعي طارق بن شعبان، والكاتب التونسي الأسعد بن حسين الذي قدم شهادة بعنوان “شكرا مانديلا، شكرا سيساكو” وتدور حول المجموعات القصصية التي أصدرها، والاقتباس والكتابة للمسرح والتلفزيون والأفلام التي تم اقتباسها من أقصوصاته، أما التدخل الثالث فكان للناقد المصري طارق الشناوي من خلال ورقة نشرها يسلط من خلالها الضوء على التجربة المصرية في الاقتباس من الأدب إلى السينما. وكان اللقاء أيضا فرصة للنقاش وتقريب وجهات النظر بين السينمائيين والكتاب التونسيين.

علاقة شائكة

في تقديمه للقاء قال مدير المعرض محمد المي إنّ هذه الندوة الفكرية تهدف إلى تذكير السينمائيين والمهنيين بثراء المدونة الأدبية التونسية وامتلاكها لنصوص جيّدة صالحة لأن تكون منطلقا لأفلام ناجحة.

وفي ترؤسه لفعاليات “ندوة اقتباسات” اعتبر الناقد والباحث كمال بن ونّاس أن السينما هي فن الاقتباس بامتياز باعتبار أن الفيلم هو نتاج الإعجاب برواية أو قصة أو مقالة أو التأثر بأحداث من الواقع، مشيرا إلى أن بيت القصيد في السينما ليس القصة في حد ذاتها بل كيف نروي هذه القصة.

وذكر بن ونّاس أنّ اقتباس الأفلام من الروايات كثيرا ما يلتبس بأيديولوجيا الدول المنتجة مؤكدا أنه شاهد كل الأفلام الأجنبية التي تناولت شخصية “دون كيشوت” مثلا فوجد اختلافات وفوراق بينها بتنوع أيديولوجيات أصحابها.

ومن موقعه كروائي وكاتب شدّد الأسعد بن حسين على أنّ السينما التونسية تعاني أساسا من أزمة سيناريو لاسيما أن أغلب المخرجين السينمائيين يحتكرون كتابة السيناريو والحوار بأنفسهم دون الاستعانة أو حتى استشارة المختصين. كما ندّد بتهميش وظيفة السيناريست سواء من قبل منتجي السينما أنفسهم أو حتى من طرف سلطة الإشراف.

السينمائيون التونسيون لا يعرفون تقريبا الرواية التونسية ليقتبسوا عنها والروائيون بعيدون عن السينما ليكتبوا لها

وبصفته كاتب سيناريو وأستاذا جامعيا فقد أوضح طارق بن شعبان أن الفيلم لا يمكن أن يكتمل أو ينجح دون وجود سيناريو قوي ومقنع. ولكن للأسف أغلب المخرجين والمنتجين يتجاهلون دور كاتب السيناريو ويصرّون على التغافل عن هذه الحلقة الأساسية والمفصلية في نجاح المشروع الفني.

وكان من المفترض أن يشارك في أشغال هذه الندوة الكاتب والناقد المصري طارق الشناوي إلاّ أنه اعتذر لأسباب خارجة عن إرادته وقام بنشر نص مداخلته التي جاء فيها “السينما في الماضي كانت تذهب إلى الرواية، وما قدّمته السينما للروائي إحسان عبدالقدّوس كان أقرب إلى نقل مسطرة من دفتي الكتاب إلى الشريط السينمائي، باستثناءات قليلة مثل فيلم ‘الراقصة والسياسي’، لأن وحيد حامد كاتب السيناريو وسمير سيف المخرج لم يتقيّدا بحالة الرواية، ولكنهما أخذا هذه الرواية إلى ملعبهما. وتلك هي العلاقة الشائكة بين القصة والسينما”.

السينما التونسية تعاني أساسا من أزمة سيناريو لاسيما أن أغلب المخرجين السينمائيين يحتكرون كتابة السيناريو والحوار بأنفسهم

وبعض السينمائيين التونسيين استلهموا أفلامهم من نصوص أجنبية مثل المخرج الراحل الطيب الوحيشي الذي كان مهووسا بالصحراء، واستلهم من نص لأندريه ميكيل المؤرخ والمستعرب الفرنسي المتخصص في اللغة والأدب العربي. ومن هناك طرح الناقد التونسي كمال بن وناس سؤالا: هل يتمكن المخرج من إيصال الفكرة الأصلية للنص؟ وهل تمكن الوحيشي من إبراز فكرة تحول الألم العضوي إلى صور شعرية ناصعة ومؤثرة في المتلقي عندما يتحدث عن قيس وليلى؟

ولاحظ بن وناس أن السينمائيين التونسيين لا يعرفون تقريبا الرواية التونسية ليقتبسوا عنها، والروائيون أيضا لا علاقة لهم تقريبا بالسينما ليكتبوا لها، وبينهما حد فاصل يمنع التواصل بينهما، وهو ما يطرح مكانة الأدب في الساحة الثقافية التونسية بصفة عامة.

كما أشار بن وناس إلى وجود روايات تونسية تفرض وجودها بتناولها لقضايا مهمة في المجتمع ويجد فيها المتلقي نفسه بما في ذلك جمهور السينما، وفي حديثه عن تعامل الجيل الجديد من السينمائيين، لاحظ بن وناس أنهم ينطلقون من الفكرة ويطوعونها للخطاب السينمائي مثلما فعل مراد بن الشيخ مع “راعي النجوم” لعلي الدوعاجي و”رسالة الغفران” للمعري.

صناعة متكاملة

 

Thumbnail

المتابع للعلاقة الإشكالية بين السينما والأدب التي تطرح بشكل دائم يجد وجهتي نظر مختلفتين، فالأدباء يقولون إن المخرجين يفضلون كتابة نصوصهم وحدهم حتى لا يقتسموا الدعم وحقوق التأليف مع أحد، والسينمائيون كثيرا ما يقولون إن الروايات التونسية ليس من السهل تحويلها إلى أفلام، وأنهم أقدر من الروائيين على كتابة نصوص صالحة للسينما. ولكن هذا لا ينفي وجود تعامل بين الروائيين والسينمائيين وهنا تطرح الأسئلة التالية: ما نوعية هذا التعامل؟ وهل نجح السينمائيون التونسيون في التجارب التي قدموها؟ وهل استطاعوا أن يكونوا أمناء للنصوص التي اقتبسوها أو أنهم اقتصروا على الاستلهام من بعض النصوص والانطلاق منها لعرض الواقع بحيثياته الجديدة؟

علاقة السينما بالرواية والنص الإبداعي بصفة عامة موجودة في تونس لكنها غير متينة، وهذا رغم علم الجميع بأن السينما العالمية نهلت منذ بداية القرن العشرين من الأدب واستغلت جنس الرواية لخلق ديناميكية في السوق التجارية رغم أن هذا الاستغلال أفاد الكثير من الكتاب، فلا يمكن أن ننسى مثلا أن السينما ساهمت في التعريف بـ”مدام بوفاري” لغوستاف فلوبار وبكتّاب أمثال إيميل زولا وألكسندر دوما وغيرهما. لكن الواقع في السينما والأدب التونسسين مختلف، حيث العلاقة بين الفنين ما تزال ملتبسة.

ورغم اتهام الرواية التونسية بالقصور عن مواكبة السينما فهناك أعمال عديدة يمكن الاستفادة منها، بينما يحتاج واقع الأدب والفن السابع إلى الاشتغال أكثر لتقريب وجهات النظر وخلق حراك حقيقي يرقى بالسينما والأدب إلى مرتبة الصناعة الإبداعية.

ويذكر أن الدورة 32 لأيام قرطاج السينمائية لم تكتف بفتح نقاش حول موضوع الاقتباس من الأقصوصة التونسية إلى السينما بل ستذهب أبعد من ذلك، إذ أعلن المركز الوطني للسينما والصورة منذ أيام عن طلب عروض لاختيار أربع شركات إنتاج بهدف تنفيذ أربعة أفلام قصيرة مقتبسة من الأقصوصة التونسية. وستعرض هذه الأفلام في البرنامج الرسمي لأيام قرطاج السينمائية الدورة 32 من 30 أكتوبر إلى 06 نوفمبر 2021.

وقد حدد 16 أغسطس 2021 آخر أجل لتلقي الطلبات في المقر الرسمي للمركز الوطني للسينما والصورة بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي.

15