إطلاق سراح نبيل القروي يثير شكوك التونسيين حول استقلالية القضاء

أثارت عملية إطلاق سراح رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي جدلا سياسيا واسعا في الأوساط السياسية التونسية، لجهة طبيعة المسارات القضائية والعدلية المتعلّقة بالقضية. وفيما يقرّ مراقبون بمبدأ استقلالية القضاء ونزاهته، يذهب آخرون إلى كون العملية لا تخلو من صبغة سياسية تلعب فيها حركة النهضة دورا جوهريا.
تونس – عبّرت قيادات من حزب قلب تونس (علماني)، حليف حركة النهضة الإسلامية في حكومة هشام المشيشي، عن تخوّفها من المسارات القضائية في علاقة بقضية رئيس الحزب نبيل القروي الذي أطلق سراحه الثلاثاء، ولم تخف تلك القيادات الشكوك التي تحوم حول استقلالية القضاء، في وقت تباينت فيه آراء المراقبين حول الإجراءات المعتمدة في إطلاق سراح القروي بين من يقول إنها سليمة ومن يعتقد أنها مسيّسة ومرتبطة بنفوذ النهضة.
وأكّد النائب عن قلب تونس بالبرلمان جوهر المغيربي أن “رئيس الحزب نبيل القروي تعرّض إلى مظلمة بدأت منذ الحملة الانتخابية في 2019، وكنا نتصدّر نوايا التصويت لكن خُلقت قضية الفساد ضدّه وهي قضية وشاية بالأساس”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “حملة التشويه التي طالته تسببت في خسارته للانتخابات الرئاسية، وكنا نتصدر نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية بـ90 مقعدا فأصبح لنا 38 مقعدا”.
وتابع “القروي كان محتجزا ودائرة التعقيب أنصفته، ولنا ثقة في الرجل ولا بدّ من مصالحة سياسية شاملة في البلاد تتمّ فيها عدة مراجعات، ونحن واثقون من براءة القروي ونظافة يده، ومن يريدون غير هذا سيجدون أمامهم قيادات صامدة”.
ولم يخف المغيربي سيناريو التخوف وعدم الاطمئنان للمستقبل وما يمكن أن يحمل من مفاجآت، قائلا “السيناريو في المطلق مطروح”.
واعتبر نشطاء سياسيون أن عملية إطلاق سراح القروي لا تخلو من طابع سياسي تغذيه المصالح والأهداف للتموقع في المشهد وتصدره، وأعلن هؤلاء أن حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية تسعى للحفاظ على كتلة قلب تونس كداعم سياسي في البرلمان وحليف “إستراتيجي” في حكومة المشيشي المتخبطة في الأزمات والمشاكل.
وطرح خروج القروي من السجن نقاط استفهام عدة، خصوصا بعد تصريحات الغنوشي الذي أكد في وقت سابق خروجه “معزّزا مكرما”، ما يجعل استقلالية الجهاز القضائي تحت المجهر.
وأكد ناجي جلول الأمين العام للائتلاف الوطني التونسي “رأينا في بعض الأحيان قضاء مستقلا، ولكن الغريب وما يطرح نقاط استفهام عديدة هو تصريح رئيس حركة النهضة والبرلمان الغنوشي عندما قال القروي سيخرج معزّزا مكرما من السجن، مع ما يوجّه للقيادي في الحركة نورالدين البحيري واتهامه بالتحكم في القضاء، كلها عوامل تجعل الشكوك تحوم حول المسألة”.
ولمّح في تصريح لـ”العرب” إلى التدخل السياسي في المسألة، قائلا “رغم أن استقلالية القضاء مكسب ثمين لكن تصريح الغنوشي يثير الجدل، وسجن القروي أيضا حسب ما يشاع وراءه طرف سياسي معيّن (يوسف الشاهد)، وعلى وزير العدل أن يوضّح ذلك”، لافتا “هناك مناخ من انعدام الثقة في الفاعلين السياسيين، وهذا لا يساعد البلاد على تحقيق الاستقرار السياسي”.
وفي سؤاله عن مدى استفادة النهضة من عدمها من إطلاق سراح القروي، قال جلول “للأسف الشديد النهضة دائما في حاجة إلى حليف حتى تتستّر من ورائه، ومثلما فعلت مع التكتل الديمقراطي وحركة نداء تونس في السابق، الآن تتخفى وراء قلب تونس كحليف علماني لتصل إلى السلطة ثم تتمكّن من مفاصل الدولة، هو حليف رئيسي ولولا كتلة القروي لما وجدت النهضة عدد 109 نواب في البرلمان، وبالتالي هو حليف صلب للحركة، ويبدو أن هناك من في داخل قلب تونس يلعب دورا رئيسيا في إدامة هذا التحالف”.
وعلى الرغم من أن إطلاق سراح القروي يخدم مصالح النهضة السياسية في المقام الأول للمحافظة على قلب تونس كشريك متماسك تسعى من ورائه للتموقع والاستمرار في السلطة، فإن هناك مراقبين يعتبرون أن بعض القيادات النهضاوية وعلى رأسها الغنوشي لا تحبّذ أن يكون القروي في حالة سراح، حتى تبقى الكتلة ضعيفة ويسهل للغنوشي تطويعها على النحو الذي يراه.
وتساءل المحلل السياسي نبيل الرابحي في تصريح لـ”العرب”، “الغريب في الأمر أن نسبة 99 في المئة من قرارات القضاء تصدر في الأصل، لكن في قضية القروي صدرت في الشكل؟”.
وأضاف “لا يمكن أن نجزم أن العملية لبست حلّة سياسية عند إلقاء القبض على القروي والزجّ به في السجن أو عند إطلاق سراحه، إما أن العمليتين مسيّستان، أو أن القضاء مستقل في الحالتين”، واعتقد أن “القضاء يلتمس طريقه إلى الاستقلالية”.
وأردف “النهضة تعي جيّدا حاجتها لكتلة قلب تونس في البرلمان، وهناك العديد من الأطراف من الحركة وقلب تونس يحبّذون أن يكون القروي في السجن لأن الغنوشي سيتحكّم في كتلة قلب تونس ويطوّعها برلمانيا، وبالتالي يريد كتلة ضعيفة لأنه سيساومها سياسيا”.
وسبق أن أثار الغنوشي غضب القضاء بعد تصريحات له بشأن (حليفه) القروي، بسبب اتهامات بتبييض أموال وتهرب ضريبي، اعتبرتها جمعية القضاة التونسيين مسّا من استقلالية القضاء.
وعبّر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين عن شديد استغرابه من تصريحات الغنوشي بخصوص الملف، واعتبر في بيان صادر عنه أن “تصريحات الغنوشي يُفهم منها أنها تدخل في سير القضاء ومساس باستقلاله وضغط على قراراته”، معبرا عن “رفضه المؤكد لمثل هذه التصريحات ولكل التعليقات بشأن سير القضية ومآلاتها”.
فيما رأت أوساط قضائية وسياسية أن تصريحات الغنوشي تعكس محاولاته الرامية إلى الضغط على القضاء لحماية شريكه السياسي.
وصرّحت قيادات من النهضة على غرار القيادي محمد بن سالم أن “الحركة كانت مرتهنة في السابق لحركة نداء تونس (فازت بانتخابات 2014) واليوم أصبحت مرتهنة لما هو أسوأ وهو حزب قلب تونس”.
وأصدرت محكمة النقض الثلاثاء قرارا بالإفراج عن المرشح السابق للانتخابات الرئاسية في تونس والملاحق في قضايا تبييض أموال وفساد القروي بعد توقيفه لأكثر من ستة أشهر، على ما أفاد محاميه.