المصرية سعاد سليمان: بطلاتي محرومات يشبعن حرمانهن بالحكايات

"هبّات ساخنة" رواية جريئة تكشف أسرار سن اليأس.
الخميس 2021/06/10
الجرأة في الكتابة لا تعني الابتذال

الدقة وسيلة الروائيين لنحت عوالمهم السردية وحبك تفاصيلها للوصول إلى بناء متكامل يمكنه أن يجتذب القراء ويحقق النجاح الفني والجمالي وحتى الفكري، لكن مع الدقة لا نغفل دور الجرأة في كشف المواضيع المسكوت عنها، كما نرى في رواية “هبّات ساخنة” للكاتبة المصرية سعاد سليمان. في هذا الحوار مع “العرب” نتعرف على تجربة روايتها الجديدة.

اشتغلت رواية "هبّات ساخنة" للكاتبة والإعلامية المصرية سعاد سليمان على منطقة خاصة جدا في علاقة المرأة بجسدها وعلاقة جسدها بالآخر، منطقة ندرت الإشارة إليها في أغلب الكتابات التي تناولت المرأة، فالرواية تتفحص بعمق وجرأة فترة انقطاع الحيض عند المرأة، وتكشف صراعها مع ذاتها والذوات المحيطة بها، وبنفس الجرأة تتناول نظرة المرأة للجنس ورؤيتها له وللآخر.

بطلات سليمان اللاتي ينتمين لشرائح اجتماعية وأيضا ثقافية مختلفة، لا يخجلن في التعبير عن رغباتهن المكنونة، بل يصرحن بأمور ربما يصعب الكشف عنها بيسر، وهو الأمر الذي يحسب للرواية وكاتبتها التي لم تتجرأ فقط على كشف المستور الذي يعتمل داخل المرأة ولكن أيضا استطاعت أن تسرد رؤيتها ببساطة وبلغة جمعت بين الفصحى والعامية، وأيضا فصحت الكثير من المفردات العامية.

خفايا سن اليأس

رواية تتناول نظرة المرأة للجنس ورؤيتها له وللآخر
رواية تتناول نظرة المرأة للجنس ورؤيتها له وللآخر

جاءت رواية “هبّات ساخنة” بعد عدة مجموعات قصصية للكاتبة منها “هكذا ببساطة”، “الراقص”،  روايات “غير المباح”، “آخر المحظيات”، و”شهوة الملائكة”. وقد أهدت سليمان روايتها، الصادرة حديثا عن دار روافد للنشر والتوزيع، إلى الروائي الراحل مكاوي سعيد وأيضا جعلته حاضرا كواحد من أبطال الرواية بصفته روائيا وقاصا. وتأتي أحداثها بدءا من ثورة يناير، وتدور حول موضوع رئيس وإنساني ويمثل أزمة حقيقية تمر بها النساء وهو “سن اليأس”، وتدور أغلب الأحداث بمنطقة وسط البلد.

تقول سليمان “منذ عام 2000 وأنا أحتشد بكل ذاكراتي وقراءاتي وهمي واهتماماتي أن أكتب رواية العمر كما أحب أن أسميها، حيث أعتقد أني عشت فقط لأكتبها، تدربت على كتابة ما قبلها كي أكون جديرة بكتابتها، روايتي التي لم تنته بعد ولم تظهر للنور ‘إيواء مؤقت‘، أعترف أنها رواية مؤلمة لي، تمسني بشكل شخصي، فيها الكثير من حياتي وما عانيت، هي أقرب للسيرة الذاتية، أنجزت الجزء الأول والذي يبدأ منذ حصار الفالوجة عام 1948، وينتهي عام 1974، ولم أكد أبدأ في الجزء الثاني وهو الأصعب ويبدأ من 1974 إلى 1988، حتى هاجمتني ‘هبّات ساخنة‘ متوحشة لا ترحم، تحول جسدي إلى أوقات من نار، أدركت أني دخلت عميقا في سن اليأس، ففي غفلة مني تبخر عمري وصرت في الخامسة والخمسين”.

وتضيف الكاتبة “قبل تحولات الجسد وانقطاع الدورة الشهرية، كنت أتعامل مع جسدي وروحي على أنني مازلت فتية، كنت أنتظر أن أحقق قدرا معقولا من الاستقرار المادي كي أمتع نفسي ببعض المباهج التي حرمت منها بسبب الفقر والكفاح المضني للنجاح، لم أحسب حسابا لهذا الغدر المفاجئ، لم يخبرني أحد ماذا أفعل إذا هجرني الإستروجين، ولا كيف أوجه نوبات البكاء ولا الصهد المتكرر الذي يلهب جسدي، ثم بعدها وبمجرد أن يجف العرق الناتج عن الصهد يبرد جسدي لدرجة الصقيع، لم أجد من يتحمل مزاجي المتقلب، وهشاشة عظامي، غرقت في دوامة الأطباء الذين استسهلوا أن يستأصلوا رحمي حتى أتخلص من صهد الجسد وبرودته”.

وتكشف أن بطلة “هبّات ساخنة” سلمى “شخصية مبتكرة أسقطت عليها حالتي الصحية، حمّلتها آلام جسدي، قررت أن أؤجل العلاج بحقن الدكتور طه، كنت أنتظر الهبة الساخنة وأنا أكتب كي أستطيع وصف الحالة بصدق، تحولت هبّاتي من ألم إلى فرحة بحلولها، أغمض عيني وأخزن إحساسي بها حتى تمضي، ثم أكتبها فورا كأني أخاف أن تتبخر”.

وتشير سليمان “اتخذت من الهبّات الجسدية لمرحلة سن اليأس عند المرأة مدخلا، لأن كل جسد له حالته الخاصة، حتى مع سن اليأس وتشابه الأعراض، يظل لكل جسد خصوصيته، أيضا سن اليأس هو السن الذي يدفع فيه الجسد ثمن ما مضى، لا شيء يضيع، وإذا كانت الروح تملك الذاكرة والضمير والفرح والحزن، فإن الجسد أيضا لا ينسى، ولكنه يُعاقِب وتتم معاقبته أيضا، جسد المرأة هو ما يتعرض للعقاب، وهو أيضا من يعاقبها إذا أهدرت قيمته أو استخفت به أو حرمته مما يحتاج إليه، فالجنس يلعب بالتأكيد دورا أساسيا في تعاطي كل الكائنات الحية مع الحياة، ولكنه ممنوع في الشرق التعس أن يكون أساسيا في حياة المرأة، فلا تبوح ولا تطلب ولا تعترض، هي تلبي ما يطلب منها”.

الكتابة والدقة

Thumbnail

ترى سليمان أن تركيبة شخصيات الرواية اللاتي اختارتهن بعناية شديدة متحررات ثقافيا من تبعية وسطوة الرجل، وبالتالي فهن يدافعن عن حقهن في أن يكن “طالبات” ولسن “مطلوبات”، ولسن تحت إمرة رغبة الرجل، الرواية كاشفة فيما تعتقد لأنها تكشف عالم النساء، هذه أحاديث النساء عندما يجتمعن، كونك قارئا رجلا لا تعرفها، فهذا لا يعني أنها غير موجودة، ولا يعني أن نساء “هبّات ساخنة” فاحشات “طالبات” بشراهة، هن كما تقول “تعيسات محرومات يشبعن حرمانهن بالحكايات والحديث في شقة البنات، شقة الفضفضة ولملمة الخيبات”.

وتوضح الكاتبة “ليست علاقات بطلاتي فاشلة فقط، ولكن أيضا علاقات أبطالي فاشلة، الفشل يكون بين طرفين وليس طرف المرأة فقط، هن لسن فاشلات، هن يواجهن رجالا فاشلين أيضا وأحلاما فاشلة وثورة، أقصد ثورة 25 يناير 2011، أجضهت فصارت فاشلة، ربما أردت بهذه الرواية أن أطرح أوجاع عدد من النساء، تعرضن لانتهاكات كانت من الطبيعي أن تؤدي بهن إلى الجنون، ولكنهن رغم هشاشتهن يملكن صلابة أنقذتهن من مصير الجنون“.

وتؤكد “كنت جريئة في الكتابة ولكني لست مبتذلة، فلم أسقط في شراك الألفاظ الجنسية الصريحة التي يعتبرها البعض محاولة للتخلص من إرث الكتابة المتحفظ، ولم أتخذ من الجرأة وسيلة لمجرد أن أتباهى بجرأتي، طبيعة الشخصيات فرضت عليّ ذلك، الرواية تناقش حالة جنسية شديدة الأهمية للمرأة والرجل، كيف أتكلم عن سن اليأس دون أن أتكلم بصراحة عن مواطن يأس الجسد؟”.

وتشير سليمان إلى أن اللغة العامية كانت مهمة في السرد، رغم أنها لم تستخدم العامية المغرقة في الشعبية، وشددت على أنه لم يكن ممكنا التحدث بغير هذه اللغة على لسان الأبطال، فالفصحى في الحوار تجعله متقعرا وتفقده الصدق والانسيابية.

الرواية تطرح أوجاع عدد من النساء وتعرضهن لانتهاكات كادت تؤدي بهن إلى الجنون لولا المقاومة

وحول ما ورد في مكان الرواية “عمارة مظلوم” والمعلومات عن أماكن بوسط القاهرة تلفت سليمان إلى أنها عاشقة للتاريخ وللقاهرة الخديوية “منطقة وسط القاهرة”، وتضيف “مازلت حتى الآن أتجول فيها أدخل عماراتها الجميلة، اخترت عمارة شارع مظلوم بعناية شديدة جدا، درست كل شبر فيها، حتى صرت أعرفها وأعرف محيطها شبرا شبرا، جمعت مادة علمية ثرية، وساعدني كوني قارئة جيدة للتاريخ وأقدم فقرة تاريخية في قناة الحياة ‘برنامج شارع شريف‘ مع المذيع شريف مدكور، وبالتالي كان مخزوني عن تاريخ وسط البلد أكبر كثيرا مما كتبت، لولا خوفي أن يطغى التاريخي على الروائي ويصيب القارئ بالملل لكتبت عن كل شبر في وسط البلد”.

وتعتقد سليمان أن المعلومات الواردة في الرواية صحيحة بعد أن دققتها من عدة مصادر، وتقول “هذا ما تعلمته من عملي في الصحافة والتلفزيون، حيث أعتبر نفسي باحثة أيضا، وقد أفادتني كثيرا وانعكست على رؤيتي كل المهن التي امتهنتها من العمل كصحافية ومعدة برامج ومذيعة، هذا الثراء ترك بصمة  على قصصي القصيرة ورواياتي ومقالاتي والمسرح الذي أسعى إليه الآن بخطى مترددة، لقد أحببت مهنة ‘معدة البرامح‘ كثيرا حبي للحكاءة التي تبسط التاريخ للمشاهدين وتعيد تعريفهم بتاريخ لا يجد الشغف الكافي به عند القراءة، ربما نجحت في دفع المشاهدين للبحث وإعادة قراءته”.

وتختم سليمان برؤيتها للحراك الثقافي في مصر وأثره على الحراك الإبداعي، قائلة “لا أعتقد أن هناك حراكا ثقافيا منظما في مصر، فقط صخب عالي الصوت، ربما ينظم نفسه في ما بعد ويكوّن نسقه الخاص، هناك الكثير من الإنتاج الإبداعي المنفرد، هناك الكثير من الأنواع الأدبية كانت اختفت من قاموس الكتابة في مصر وعادت بقوة، روايات الرعب والإثارة والروايات البوليسية والرومانسية شديدة الإفراط في الرومانسية”.

15