تركيا تقاوم الضغوط بحملة ترويج في أوساط الأعمال الأميركية

يختزل لجوء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أوساط الأعمال الأميركية، في تحرّك اعتبره خبراء حملة علاقات عامة وجس نبض لإقناع الرئيس جو بايدن بجدوى ترتيب ودعم الجوانب الاستثمارية والشراكات بين البلدين بعيدا عن تعقيدات السياسة، حجم الإحباط الذي أصاب أنقرة بسبب عدم قدرتها على معالجة الخراب الاقتصادي الذي تسبّبت به.
إسطنبول - تحاول تركيا في ظل الرئيس رجب طيب أردوغان مقاومة الضغوط الكثيرة على اقتصادها عبر القيام بحملة ترويج في أوساط الأعمال الأميركية لإقناعها بجدوى ضخ رؤوس أموال في البلاد حتى تساعدها على الخروج من أزماتها المتراكمة.
ويجتمع أردوغان الأربعاء مع مسؤولين تنفيذيين من نحو 20 شركة أميركية كبرى لبحث الاستثمار في بلده، وهو تحرك يأتي تمهيدا لاجتماع مقرر في منتصف يونيو المقبل مع الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش اجتماع لحلف الناتو في بروكسل.
وتشرف على تنظيم هذا اللقاء كل من غرفة التجارة الأميركية ومكتب الاستثمار التابع للرئاسة التركية واتحاد غرف التجارة وبورصات السلع التركي.
ويرى بعض المستثمرين والاقتصاديين أن المؤتمر خطوة غير كافية بالنسبة إلى الرئيس أردوغان لأن عليه إبراز النجاحات في برنامج الإصلاح، الذي يروج له منذ أن تولى الرئاسة بعد أن ظهرت عليه أوجه قصور كثيرة، مع تقديم تنازلات كثيرة للمساعدة في جعل الاقتصاد في وضع أكثر ثقة.
وعمّقت أزمة كورونا من متاعب الاقتصاد التركي بشكل واضح العام الماضي ما أدى إلى انكماشه بواقع 3.8 في المئة، في الوقت الذي كانت فيه الاستثمارات الأجنبية تعاني كذلك بسبب السياسية المتقلبة للرئيس أردوغان.
وفي حين لم تتضح هوية الشركات، التي ستشارك في المؤتمر الهاتفي المقرر، ما عدا مايكروسوفت ونتفليكس، فإن الإدارة الأميركية ليست طرفا في التخطيط لعقده، وهو ما يعني أن أنقرة تعمل من خلف الكواليس لدفع لوبي من رجال الأعمال الأميركيين في الدوائر المحيطة بالبيت الأبيض قبل نيل الضوء الأخضر من بايدن نفسه.
مؤشرات عن اقتصاد تركيا
- 17 في المئة نسبة التضخم
- 19 في المئة نسبة أسعار الفائدة
- 8.45 سعر صرف الليرة أمام الدولار
- 21 مليار دولار حجم المبادلات التجارية الأميركية - التركية
ومن بين الأسباب التي تدفع أنقرة إلى اتباع هذه الطريقة، هو أن معظم القطاعات المحلية المنتجة سجلت تراجعا كبيرا في إيراداتها بفعل تقلص الطلب عليها وتراجع أنشطتها التصديرية في أعقاب تداعيات الوباء في وقت يشتد فيه انهيار العملة المحلية.
وفقدت الليرة منذ 2018 نحو 20 في المئة من قيمتها، وهي الأعلى تراجعا بين عملات الأسواق الناشئة. وكدليل إضافي على ذلك هو تقهقرها في تعاملت الثلاثاء بواقع 0.7 في المئة مقابل الدولار لتصل إلى 8.45 ليرة للدولار، وهو أضعف مستوى لها في أكثر من أسبوع.
وخلال عامين من تولي بيرات البيرق صهر أردوغان منصب وزير المالية، والذي استقال بشكل مفاجئ في نوفمبر 2020، عانت تركيا من أزمة عملة، قبل أن تصل إلى مستويات متدنية قياسية عدة مرات مقابل الدولار العام الماضي.
وانخفضت التدفقات الاستثمارية الرأسمالية الأجنبية بشكل لافت منذ تراجع قيمة الليرة، وهو ما يعكس تخوف المستثمرين على دخول سوق تعاني من مشاكل وقد تجعلهم يسجلون الخسائر بدل الأرباح.
وقالت مصادر مطلعة على تفاصيل المؤتمر لوكالة رويترز، طلبت عدم ذكر هوايتها، إن هذا الأسلوب هو طريقة لجس نبض الشركات الأميركية، أي أنه نوع من العمل التمهيدي قبيل لقاء بايدن وجها لوجه حيث تريد أنقرة أن “تصل إلى الرأي العام المحلي والدولي رسالة مفادها أن تركيا شريك مهم.”
وفي حين أحجمت وكالة الاستثمار التابعة للرئاسة التركية واتحاد غرف التجارة وبورصات السلع عن التعليق، قال متحدث باسم غرفة التجارة الأميركية في رسالة بالبريد الإلكتروني، لم تكشف رويترز عن هويته، “هذا اجتماع خاص وليس للنشر، لذا لا يسعنا تقديم أي تفاصيل.”
وتؤكد البيانات أن النشاط الاقتصادي في تركيا ما زال ضعيفا إلى حد كبير، وأنه لا يملك فرصا للنمو رغم أن البنك الدولي يتوقع نموا هذا العام بواقع 5 في المئة، في ظل مستويات التضخم التي تقارب 17 في المئة وسعر الفائدة الرئيسي البالغ 19 في المئة والذي ينسف قدرة الشركات على الاقتراض لتوسيع نشاطها.
وهذا يعني أن مساعي أردوغان من أجل استمالة جبهة اقتصادية أميركية في الداخل إلى صفه قد تصطدم بعقبات لا حصر لها قبل جذب الاستثمارات الأميركية وليس للأمر علاقة بالوضع القائم بين أنقرة والإدارة الأميركية.
وبعد أيام من تعهد البنك المركزي بتشديد السياسة النقدية في فبراير الماضي، قال أردوغان عقب اجتماع لمجلس الوزراء إنه يعتقد أن “التوظيف والاستثمارات سيرتفعان إذا جرى خفض أسعار الفائدة، وأن المستثمرين لن يضعوا أموالا في تركيا في ظل أسعار فائدة مرتفعة”.
وبعد اعتماد سياسات اقتصادية مؤيدة للنمو لسنوات عديدة بتعديلات غير تقليدية على السياسة النقدية، أدى مرسوم رئاسي في يونيو الماضي إلى إقناع المستثمرين الأجانب بأن المركزي فقد استقلاله عن السلطة ثم أدى تخفيض أسعار الفائدة من 24 في المئة إلى مستواها الحالي إلى هجرة المستثمرين الأجانب بعيدا عن الأسهم والسندات التركية.
ومنذ 2019، أربك المركزي، الذي يعمل على دعم جهود الحكومة لتحفيز النمو إثر أزمة العملة في العام 2018، توقعات المستثمرين مع تخفيضاته في أسعار الفائدة بمستويات لم تكن متوقعة. واستمرت عملياته خلال أزمة كورونا، مما قلل من جاذبية الاستثمار في السندات المحلية.
وتشير التقديرات إلى أن حجم التجارة الأميركية – التركية بلغ نحو 21 مليار دولار في 2019، ويقول البلدان العضوان في حلف شمال الأطلسي إنهما يستهدفان الوصول بها إلى 100 مليار دولار.
لكن ثمة عراقيل مثل الرسوم الجمركية الأميركية على الصلب التركي وشراء أنقرة لأنظمة دفاع جوي روسية في 2019، مما دفع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى طرد تركيا من الكونسورتيوم المنتج للمقاتلة أف – 35.