قطر تلتقط الإشارة الأميركية وتنفتح على مصر

القاهرة - تحركت قطر سريعا لإصلاح علاقتها المتأزمة مع مصر بعد أن لمست انقلابا في موقف الإدارة الأميركية من القاهرة خلال أزمة حرب غزة الأخيرة وبعدها.
وقالت الرئاسة المصرية في بيان لها إن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وجه الثلاثاء دعوة إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لزيارة الدوحة.
واستقبل السيسي وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الذي سلمه رسالة من الشيخ تميم.
وكان لافتا أن يرافق رئيس جهاز أمن الدولة (جهاز المخابرات) القطري عبدالله الخليفي، الوزير القطري الذي يقوم بجولة إقليمية، وأن التحاق الخليفي في القاهرة دونا عن بقية عواصم الجولة التي شملت طرابلس والخرطوم يشير إلى أن الرسالة القطرية بالاستعداد لفتح صفحة جديدة تحمل دلالات مهمة.
وفيما حضر وزير الخارجية المصري سامح شكري اللقاء، فإن تواجد رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل، والإعلان عن أن الزيارة تستمر يومين بما يتجاوز التوقف من ضمن جولة لوزير الخارجية القطري، يشيران إلى أن مباحثات أمنية جدية ستعقد بين الطرفين، وأن الخليفي مكلف بإيجاد حلول للتحفظات المصرية المستمرة على علاقة الدوحة بجماعة الإخوان المسلمين المصرية والتنظيم الدولي للإخوان.
ومثّل انحياز الدوحة لجماعة الإخوان واحتضان عدد من قياداتها والتدخل السافر في الشؤون الداخلية لمصر واحدة من المنغصات التي بدت قطر أقل تجاوبا فيها من الطموحات المصرية.
ومع الاتصال الثاني الذي أجراه الرئيس الأميركي جو بايدن بالرئيس السيسي في غضون بضعة أيام تبدل الموقف القطري واستشعرت الدوحة أن تغيرا كبيرا قادما في توجهات واشنطن حيال النظام المصري، ومن الضروري التجاوب معه.
وذكرت الرئاسة المصرية في بيانها أن الرسالة التي تلقاها السيسي من الشيخ تميم تضمنت “الإعراب عن التطلع لتعزيز التباحث بين البلدين حول سبل تطوير العلاقات الثنائية، وكذا مناقشة مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، وتنسيق المواقف بشأنها، بما يخدم تطلعات الدولتين”.
وفي حال تمت زيارة السيسي إلى الدوحة ستكون الأولى له إلى قطر منذ انتخابه رئيسا لمصر في عام 2014، بما يؤكد تجاوز عقبات المرحلة الماضية.
وتريثت الدوحة بعد قمة العلا الخليجية في الانفتاح على القاهرة لاعتبارات كثيرة منها دعمها للإخوان المسلمين وموقفها المساند للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن حرب غزة واهتمام واشنطن بها وتأكيد دور مصر كواحدة من أركان الأمن في شرق المتوسط والاشادة الأميركية بدورها في ليبيا، ومؤشرات التقارب بين القاهرة وأنقرة، جعلت الدوحة تتجاوز تحفظها التقليدي لتسير في طريق المصالحة مع مصر.
وفي الخامس من يناير الماضي صدر بيان “العلا” عن القمة الخليجية معلنا نهاية أزمة حادة اندلعت منتصف 2017 بين قطر وكلّ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، شملت غلق أجواء وقطع علاقات.
وفي الثالث والعشرين من فبراير الماضي أجرى وفدان رسميان من قطر ومصر مباحثات في الكويت حول الآليات والإجراءات المشتركة لتنفيذ “بيان المصالحة الخليجية”، وسط إشادة مصرية – قطرية بالعلاقات منذ إتمام المصالحة.

وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن الفترة الماضية شهدت اتصالات مكثفة على مستوى المسؤولين في البلدين لتنسيق الجهود بشأن التعامل مع جملة من الأزمات في المنطقة، ما سهّل تجسير الهوة السياسية، الأمر الذي ظهرت معالمه في موقف قطر من حرب غزة، فلم توجه وسائل الإعلام التابعة لها الانتقادات المألوفة للقاهرة.
وأضافت المصادر ذاتها أن قطر أبدت حرصاً كبيرا على الاستماع إلى وجهة النظر المصرية بشأن التعاون الجاد في ملفات قطاع غزة وليبيا وسد النهضة الإثيوبي، وتجاوبت مع تحركات القاهرة الأخيرة لوقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، ولم تلجأ إلى عرقلتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وأكد وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي أن هناك مباحثات جرت بين وزيري خارجية مصر وقطر “تناولت التنسيق بشأن عملية إعادة إعمار قطاع غزة، وآليات تثبيت وقف إطلاق النار من جانب حماس حيث تربطها علاقات وطيدة بالدوحة التي لديها رغبة في أن تكون مشاركة في أيّ تحركات مصرية في قطاع غزة”.
وأشار العرابي في تصريح لـ “العرب” إلى أن القاهرة في المقابل على استعداد ليكون تعاملها مع المتغيرات في غزة تحديدا بالتعاون مع الدوحة، لافتا إلى أن الدوحة لا تمتلك وحدها قدرة التأثير على قرارات حماس، والأمر يتطلب تجاوبا من قبل قوى إقليمية أخرى على ما تطرحه مصر، على رأسها إيران وتركيا، وهما دولتان تربطهما بقطر علاقات قوية.
وتحتاج القاهرة من الدوحة أن تمارس ضغوطها على حماس وضبط سلوكها خلال المرحلة المقبلة ليتسنى البناء على حرب غزة، وإنجاح عملية إعادة إعمار القطاع.
ومن المتوقع أن يؤثر الانفتاح بين القاهرة والدوحة على بعض التوازنات الإقليمية، خاصة الجهات التي استفادت من استمرار التوتر بينهما، ما يعني أن ثمة تغييرا في بعض الحسابات، فالتقارب بين البلدين يعزز رؤية مصر في القضايا التي كانت لها مواقف حاسمة منها، وفي مقدمتها الكف عن المتاجرة بورقة جماعات الإسلام السياسي.