باريس تتجمل بالأقنعة الأفريقية في معرض "إكس أفريكا"

باريس - انطلق معرض "إكس أفريكا" في متحف “رصيف برانلي جاك شيراك” في باريس بعد تأجيله لأكثر من 3 أشهر، بفضل إعادة فتح الأماكن الثقافية التي طال انتظارها في فرنسا بسبب إجراءات الإغلاق توقيا من انتشار فايروس كورونا المستجد.
ويتضمن المعرض، الذي يستمر إلى غاية 27 يونيو، 150 تحفة وعملا فنيا لما لا يقل عن 35 فنانا معاصرا من جميع الأجيال والأصول سواء تعلق الأمر بالأميركي جان – ميشيل باسكيا أو بالكونغولي شيري صامبا، وغالبية الفنانين المشاركين أفارقة، وحوالي ثلثهم أوروبيون.
ويشَكلُ المعرض حوارا مرئيا غير مسبوق يسعى لفك رموز العلاقات التي تربط بين الساحة الثقافية الحالية والفنانين الأفارقة القدماء منذ نهاية القرن الماضي.
ويتساءل الباحثون إلى أي مدى لا تزال الفنون الأفريقية التي يُطلَقُ عليها اليوم “الفنون الكلاسيكية” حاضرة ونشطة في الإبداع المعاصر؛ وهو تساؤل يَرُد عليه مفوض المعرض، الناقد والمؤرّخ في مجال الفن فيليب داجين.
ويوضح داجين بهذا الشأن أن المبادرة ترمي إلى إبراز حقيقة مؤداها أن الأفكار والأشكال الخاصة بهذه الفنون تظل اليوم حية أكثر من أي وقت مضى.
وأشار إلى أن معرض “البدائية” الذي نُظمَ قبل 40 سنة في متحف الفن الحديث في نيويورك حَصَرَ الفنون الأفريقية في دور نماذج بلاستيكية لتيارات الطلائع الغربية في النصف الأول من القرن الماضي، لكن “أفريقيا دائما تجلب شيئا جديدا”.

المعرض يقدم 150 تحفة وعملا فنيا لما لا يقل عن 35 فنانا معاصرا من جميع الأجيال من أفريقيا وخارجها
وتأثرت أبرز تيارات الفن العالمي بأعمال فنية أفريقية كمنحوتة قبائل الهمبا، وقناع قبائل ماكوندي، وهو ما يوضحه اليوم بشكل لافت علماء الأنتروبولوجيا، فقد نهل الدادائيون ثم السرياليون والتكعيبيون من عناصر الفن الأفريقي الكثير في تأثر لا يخفى عن العين في الأشكال واللون وغيرها.
وهذا التأثر كان نابعا من وجود نزعة لدى الكتّاب والفنانين الأوروبيين لاكتشاف الآخر، بعيدا عن الخلفيات العنصرية، والنظر إلى إنجازاته لا كأعمال بدائية، بل كتعبير إنساني في مكان من العالم، يمكن استلهام مفرداته لتطوير تجاربهم الخاصة.
وأثر فن الأقنعة بشدة في الفنون العالمية حيث كان له الفضل فى تطوُّر الكثير من الفنون الحديثة، برمزيته التي يحاول من خلالها الفنان أن يتقمص أرواح الأجداد ويبرز الأفكار والنصائح القديمة ويبثها للأجيال المتلاحقة.ويعد الفن الأفريقي فنا متميزا بذاته وله طابعه الخاص، ويرجع ذلك إلى خصوصية البيئة الأفريقية والتنوع الحضاري الكبير الذي تعرفه القارة السمراء من عصور ما قبل التاريخ، ولعل أبرز منجزات الفن الأفريقي كما نجد في معرض “إكس أفريكا”، فن القناع، حيث تعد الأقنعة إحدى مفردات الثقافة الأفريقية بأجوائها الطقسية ورموزها التي تحمل تراكما هائلا من المعتقدات والعادات والحكايات.
ومن أبرز الفنانين المشاركين في المعرض البريطانية من أصل غابوني ميريام ميهيندو، وهي متعددة التخصصات وفنانة متأثرة بالهندسة المعمارية ما جعل أعمالها متعددة الأوجه، وتستلهم الفنانة أغلب أعمالها من لوحات وطواطم وتطريز ومنحوتات من بيئة بلدها الأصلي معتمدة على أحلامها ورؤاها وذكرياتها، متذكرة زيارتها إلى الغابون رفقة والدها.
كما يشارك في المعرض الفنان الفرنسي الجزائري قادر عطية، الذي ولد سنة عام 1970 في سين سان دوني. وقد نشأ بين الجزائر العاصمة والضواحي الباريسية. شارك في العديد من المعارض، في متحف الفن الحديث في باريس (2012)، في دوكومنتا 13 في كاسل (2013)، في بينالي البندقية (2017) وفي معرض في لندن (2019).
وغالبا ما يتساءل عطية في أعماله عن جماليات الثقافات المعاصرة وأخلاقياتها. وفي أعماله الجديدة في معرض “إكس أفريكا” يقدم في بعض معروضاته ما يشبه “أنصاف الأساور” في الكاحلين التي كانت ترتديها جداته وخالاته من البربر.
كما يسعى عطية عبر أعمال أخرى إلى تكوين مجموعة من الحوارات بين أشياء من أفريقيا أو آسيا أو أوروبا أو الولايات المتحدة، قديمة أو معاصرة، نادرة أو مبتذلة. إنه وكما يقول يبحث لاكتشاف الآخر، ولتفكيك القضايا النسوية، وإزالة الاستعمار، وفي البيئة، عبر طريقة تشبه الاستجواب.
ونجد في المعرض كذلك أعمالا للفنان روموالد حزومي، المولود عام 1962 في بورتو نوفو، حيث لا يزال يعيش ويعمل. ويستخدم الفنان في أعماله المواد المعاد تدويرها. من العلب البلاستيكية يصنع أقنعة. وفي بعض الأحيان نجده يستخدم القصاصات والأشياء المهملة لتشكيل عوالم ساحرة ومليئة بالنقد للواقع اليوم.