الجزائر تتهيأ لفرز سياسي يغير التعامل مع تنظيمات إرهابية

يُنتظر أن يشهد تعامل السلطة مع الوعاء الداعم للحركتين رشاد وماك تغيرا لافتا يصل إلى تطبيق أقصى العقوبات على المنخرطين فيهما بعد تصنيفهما كحركتين إرهابيتين.
الخميس 2021/05/20
فرز سياسي جديد

الجزائر- تدفع السلطات الجزائرية بقوة للفرز في المشهد السياسي بالبلاد، بين القوى المنخرطة في المسار الانتخابي الذي حددته منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة وبين القوى التي تعتبرها آلة في أيدي مخطط يستهدف أمن واستقرار البلاد، ولذلك جرى تسريع الخطى لتصنيف تنظيمات سياسية مهاجرة في خانة الحركات الإرهابية، ويتعلق الأمر بـ”رشاد وماك”.

وأعلن المجلس الأعلى للأمن (أعلى هيئة استشارية في البلاد، تتشكل من قادة المؤسسات الأمنية والعسكرية ووزارات سيادية ورئاسة الجمهورية) عن تصنيف حركتي رشاد واستقلال القبائل (ماك) كمنظمتين إرهابيتين وسيتم التعامل معهما وفق هذا التوصيف.

القضاء الجزائري يتهم العربي زيتوت بجناية تسيير جماعة إرهابية تقوم بأفعال تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية

واستنادا إلى التصنيف المذكور ينتظر أن يشهد تعامل السلطة مع الوعاء الداعم لهما تغيرا لافتا يصل إلى تطبيق أقصى العقوبات على المنخرطين فيهما، خاصة وأن تقارير أمنية تحدثت عن اختراقهما للحراك الشعبي وتوظيفه في لي ذراع السلطة من أجل خدمة أجندات خارجية تستهدف أمن واستقرار البلاد.

ويعود تأسيس حركة استقلال القبائل (وهي مجموعة محافظات تقع في وسط البلاد، كتيزي وزو وبجاية والبويرة وأجزاء من بومرداس وبرج بوعريريج) إلى عام 2002 على يد المناضل البربري فرحات مهنا في باريس، وتم تأسيس حكومة مؤقتة لإنهاء ما تصفه بـ”الاحتلال الجزائري”، كما ربط اتصالات دبلوماسية مع عدة دوائر أجنبية وزار إسرائيل.

أما حركة رشاد فقد تأسست عام 2007 في لندن على يد مجموعة من المعارضين السياسيين، من بينهم مناضلون ومتعاطفون مع التيار الإسلامي الراديكالي، وعلى رأسهم الدبلوماسي السابق محمد العربي زيتوت ومراد دهينة والمحامي رشيد مسلي والضابط الفار العقيد محمد سمراوي. ورفعت الحركة، التي وصفتها تقارير أمنية في وقت سابق بـ”المقربة من الإرهابيين”، خطابا راديكاليا تجاه السلطة وتدعم الاحتجاجات السياسية منذ انطلاقها في فبراير 2019.

تصنيف حركتي رشاد وماك ضمن التنظيمات الإرهابية لإفراغ الشارع من الاحتجاجات

ولا تملك الحركة مقرا ثابتا أو هيكلة معروفة، غير أنها تضمّ في صفوفها مناضلين ومتعاطفين معها داخل التراب الجزائري، ومنهم وجوه بارزة في التيار الإسلامي الراديكالي تم توقيف البعض منها مؤخرا كمصطفى قيرة.

ويتهم القضاء الجزائري العربي زيتوت بـ”جناية تسيير جماعة إرهابية تقوم بأفعال تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية وجناية تمويل جماعة إرهابية تقوم بأفعال تستهدف أمن الدولة وجنح المشاركة في التزوير واستعمال المزور في محررات إدارية وتبييض الأموال في إطار جماعة إجرامية”.

وتزامن إعلان هيئة مجلس الأمن في الجزائر عن تصنيف رشاد وماك كحركتين إرهابيتين مع توقيف فرحات مهنا في باريس من طرف الأمن الفرنسي أول أمس الثلاثاء، ولم يتم الكشف عن الأسباب الكامنة وراء التوقيف، غير أن تسريبات تحدثت عن قضايا مالية، واستبعدت أن يكون مقدمة لتسليمه إلى السلطات الجزائرية.

وخلال شهر أبريل المنقضي اتهمت وزارة الدفاع الجزائرية حركة استقلال القبائل (ماك) بـ”التخطيط لتفجيرات على أرض الجزائر تستهدف مسيرات الحراك”، لتنضاف إلى شبهات سابقة حول تشكيل ميليشيات مسلحة في المنطقة.

وكانت السلطات الجزائرية قد أصدرت في وقت سابق مذكرات توقيف دولية في حق عدد من الناشطين المعارضين لها الذين يقيمون في عواصم أوروبية كلندن ومدريد وباريس، بتهم الإرهاب والتخطيط للمساس بأمن واستقرار البلاد، ولوحت بسحب الجنسية من هؤلاء قبل أن تتراجع عن ذلك وفق ما أعلن عنه الرئيس عبدالمجيد تبون، بسبب ما أسماه بـ”سوء الفهم والتأويل”.

وتضمنت اللائحة المطلوبة رئيس حركة ماك فرحات مهنا والقيادي في رشاد العربي زيتوت، إلى جانب العسكري الفار محمد بن حليمة والناشط المستقل أمير بوخرص (أمير دي زاد) والإعلامي هشام عبود، لكن الخطوات الموالية في الملف مجهولة حيث لا يزال هؤلاء يمارسون نشاطهم السياسي المعارض بشكل عادي.   

وذكر بيان للرئاسة الجزائرية أن المجلس “اتخذ قرارا يقضي بوضع حركة استقلال منطقة القبائل ورشاد ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، والتعامل معهما بهذه الصفة”، وعلل ذلك بـ”الأفعال العدائية والتحريضية المرتكبة من قبل ما يسمى بحركتي ‘رشاد’  و’ماك’ التي ترمي إلى زعزعة استقرار البلاد والمساس بأمنها”.

وتعرف الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة تشديدا أمنيا غير مسبوق استهدف الاحتجاجات السياسية الأسبوعية، حيث تم إجهاض مسيرات الطلبة الجامعيين والمواطنين المنتظمة كل ثلاثاء، فضلا عن التضييق الخانق على مسيرات الجمعة، مما أدى إلى تناقص أعداد المتظاهرين وتوقيف العشرات من الناشطين.

حركة رشاد تأسست عام 2007 في لندن على يد مجموعة من المعارضين السياسيين، من بينهم مناضلون ومتعاطفون مع التيار الإسلامي الراديكالي

واشترطت وزارة الداخلية والجماعات المحلية مؤخرا ضرورة الحصول على “ترخيص مسبق لتنظيم أي مسيرة”، يتم بعد تقديم طلب للسلطات المختصة مرفوقا بهوية المؤطرين والشعارات المرفوعة والتوقيت والمسار، غير أن مسيرة الجمعة الفارطة في العاصمة وعدد من المدن انتظمت دون ذلك.

وكان التلفزيون الحكومي قد بث إفادات لعناصر يذكر أنها تنتمي إلى جماعات إسلامية مسلحة وإلى حركة ماك، تحدثت عن تنسيق بين قيادات في حركة رشاد وبين أمراء إسلاميين لاختراق الحراك الشعبي ودفع الاحتجاجات إلى مواجهات دموية، وعن مساعي مناضلين لاقتناء أسلحة لاستعمالها في تسليح ميليشيات في منطقة القبائل.

4