الرقص في زمن كورونا

أغلقت المسارح وألغيت المهرجانات وتوقف العالم من حولنا، لذلك لا يمكن الحديث عن احتفال باليوم العالمي للرقص الذي يصادف اليوم الخميس. فالإحساس بالألم كان واضحا من رسالة هذا العام التي كتبها راقص الباليه الألماني الشهير فريدمان فوجل "الآن لا يسمح لنا بالأداء على الركح، لا تواصل مع الجماهير، لم يحدث هذا أبدا في التاريخ الحديث، لقد كان مجتمع الرقص يتحدى دائما بحماس من أجل إيجاد سبب لوجودنا".
فوجل قال في بداية رسالته إن "كل شيء يبدأ بالحركة، غريزة لدينا جميعا، والرقص أسلوب رائع للتواصل بين البشر، وبقدر ما تعتبر التقنية الخالية من العيوب مهمة ومثيرة للإعجاب، فإن ما يعبّر عنه الراقص من داخل الحركة هو الجوهر في النهاية". بمعنى آخر وعلى رأي الكاتب الأميركي واين داير "عندما ترقص لا يكون هدفك الوصول إلى مكان ما في ساحة الرقص، لكنك تحرص على الاستمتاع بكل خطوة وهكذا هي الحياة..".
ارتبط الرقص بطقوس أغلب الديانات القديمة كنوع من الاستجابة لقوة خارقة للطبيعة تتعلق بالسحر أو باستحضار الأرواح أو بمخاطبة الآلهة، ولا يزال إلى اليوم وسيلة للتعبد لدى الكثير من المجتمعات. فعالم الأنثروبولوجيا لويس فارنيل لاحظ أن للرقص المقدس “تماثلًا غير عادي” بين الشعوب الأصلية في جميع أنحاء العالم، قد يكون الرقص أول الدروب التي سلكها الإنسان للتعبير عن القوى الكامنة داخل جسده، والتي من خلالها يستطيع التواصل مع العالم واستكشاف ما في نفسه من قدرات تؤهله لفتح نوافذ على الأبعاد الأخرى.
من أقاصي أفريقيا حيث الفودو، إلى أقاصي سيبيريا حيث الشمانيون، ومن الهند والصين حيث السيخ والبوذيون والكونفوشيوسيون، إلى أميركا اللاتينية حيث البلاكفوت وغيرهم، وفي كل بقاع الأرض تقريبا، يحتل الرقص مكانة كبرى في حياة البشر سواء كعقيدة دينية جماعية أو كممارسة فردية في صلة مباشرة بجوهر الحياة، فهو الفن العابر للزمان وللحدود والمتجاوز للغات باعتباره لوحده لغة عالمية، ولكن بلكنات محلية، وهو من أسّس علاقة المرء الأصيلة والعميقة مع جسده، فإن حاول تجاهلها، فقد معنى أن يكون متصالحا مع ذاته.
في الـ29 من أبريل 1982 بادر المجلس الدولي للرقص ومنظمة اليونسكو بإعلان هذا اليوم من كل عام يوما عالميا للرقص تخليدا لذكرى راقص الباليه الفرنسي جان جورج نوفر الذي ولد في نفس ذلك اليوم من العام 1727، وكان وراء ابتكار مبادئ رقصة الباليه ذات الموضوع، وعمل أستاذا متخصصا فيها بين أسوار القصور الملكية، وألف كتابه “رسائل في الرقص”.
اليوم، لن يكون بوسع أغلب دول العالم أن تحيي عروض الرقص كما كانت قبل عامين، فرقصة كورونا المأساوية غيّرت كل الإيقاعات وأطاحت بجميع الموازين وفرضت نفسها بديلا عن تجليات الجسد في تطلعاته للتعبير عن ذاته برشاقة الحركة التي يبتكرها أو يتدرّب عليها، ولكن المؤكد والثابت أن رقصة الحياة ستستمر بإرادة المؤمنين بها والمدافعين عنها.