الإذاعة المصرية تطوّع التكنولوجيا لمنافسة التلفزيون في دراما رمضان

أصبحت الإذاعات المصرية منافسا قويا للقنوات الفضائية في الموسم الرمضاني، حيث تبنت سياسة قائمة على تنويع المحتوى في الدراما والبرامج، واستعانت بنجوم الفن الذين غابوا عن الشاشة ويفتقدهم الجمهور.
تخوض الإذاعات المصرية المنافسة الرمضانية مع القنوات التلفزيونية بنحو 16 مسلسلا، يغلب عليها الطابع الاجتماعي والكوميدي، واستقطبت أسماء فنية شهيرة غائبة عن الشاشة لتقديم المسلسلات الإذاعية أو الفقرات الثابتة.
وتفتقر الدراما التلفزيونية العام الحالي للمسلسلات الاجتماعية الكوميدية وهي منطقة دافئة ذات جماهيرية عريضة، حيث تضم أربعة مسلسلات كوميدية فقط من أصل 21 مسلسلا، تغلب عليها الحركة والغموض والتشويق وأعمال الجاسوسية.
واكتسبت الإذاعة شعبية كبيرة في السنوات الأخيرة لتؤكد أن وسائل الإعلام لا تلغي بعضها البعض، ويمكنها التكامل في ما بينها وتقديم خدمة ثقافية كبيرة، بشرط مواكبة العصر وتغيير محتواها بما يتناسب مع تغيرات ذائقة الجماهير.
وبدأ الجيل الجديد من محطات الراديو بتوفير المعدات التقنية اللازمة لتطوير الإنتاج الإخباري والترفيهي والدرامي، مصحوبا بباقات متكاملة من الخدمة الإذاعية الحيوية للوصول إلى شريحة أكبر من المستمعين.
كما استطاعت الإذاعات تطويع التكنولوجيا وتحويل المنصات الرقمية من منافس إلى وسيلة للتطوير بتأسيس قنوات مصورة على موقع يوتيوب تعيد بث مقاطع لبعض البرامج وكواليس تسجيل المسلسلات، وتجتذب عبرها الجمهور الباحث عن الممثلين ومقدمي البرامج الحقيقيين الذين ارتبط بهم سماعيا.
ولا يخلو برنامج في الإذاعة المصرية حاليا من الترويج له على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يدير غالبيتها فريق متخصص يتولى بث صور ومقاطع مصورة للضيوف والرد على أسئلة الجمهور واستطلاع رغباته في الفقرات التي يريدها.
وتمثل الدراما وسيلة أساسية لجأ إليها الراديو لإيجاد موطئ قدم في شهر رمضان الذي أصبح أشبه بموسم خاص للمسلسلات، وإثباتا للذات في ظل احتياج المضمون الإذاعي لجهد أكبر في الكتابة وخلق تشويق يجذب المستمع ويثير خياله.
وتبث 10 شبكات إذاعية في مصر 178.1 ألف ساعة سنويا وفقا للإحصائيات الرسمية، ويحتل المجال الترفيهي النصيب الأكبر منها بنسبة 22 في المئة يليه الثقافة بنسبة 17 في المئة، بينما تتوزع النسبة الباقية على النواحي الفنية والسياسية.
ورغم أن الراديو بمصر يقدم الدراما منذ عقود لكن الجديد هو طبيعة القصص المقدمة التي أصبحت خفيفة وعصرية، وتغيير نمط الممثلين المشاركين فيها بالتحرر من المغمورين واستبدالهم بنجوم التمثيل من الصف الأول.
وتقدم المحطات المصرية في رمضان أسماء كبيرة بعضها مختفّ عن شاشة التلفزيون منذ سنوات مثل الفنانين: محمد سعد ومحمد هنيدي وأحمد آدم، واستقطبت أيضا نجوم السينما والتلفزيون ومنهم أحمد عز وشيكو وهشام ماجد وأحمد فهمي وأحمد أمين وأكرم حسني وبيومي فؤاد ويسرا اللوزي وهنا الزاهد.
وقال محمد عبدالعزيز مدير عام إذاعة القاهرة الكبرى لـ”العرب”، “إن الإذاعة تتبنى خططا طموحة للتطوير، وبدأت تظهر معالمها في رمضان، حيث تتضمن تنويع المحتوى بين البرامج والمسلسلات الإذاعية لاستهداف مختلف الشرائح العمرية، عبر تقديم المحتوى الذي يناسبها وبالإمكانات المتاحة”.
ونجحت الكثير من المحطات المصرية أخيرا، في تحقيق عوائد إعلانية جيدة مع اجتذابها شركات ضخمة للرعاية، بمقابل مالي أقل من الفضائيات، لكنه مقبول حال مقارنته بأعباء الإنتاج الإذاعي المنخفضة.
وأصبح الراديو وسيلة مناسبة للشركات ذات الميزانية الضعيفة للإعلانات التي تجد في التنويهات المباشرة كإشعارات الوقت برعاية ماركات الساعات، أو نتائج المباريات بالتعاون مع شركات الملابس الرياضية، وإعلان مدفع رمضان وقت آذان المغرب الذي يعتبر الأعلى سعرا في الخارطة الإذاعية بمتوسط 30 ألف دولار.
وأضاف عبدالعزيز أن المشاهير في الإعلام والفن والثقافة لمسوا على مدار الأعوام الأخيرة جدية في تنفيذ العمل الإذاعي ومساعي دؤوبة لتطوير مضمونه، فقبلوا المشاركة دون مقابل، وبعضهم فضلوا توصيل أصواتهم على الراديو بدلا من الظهور على بعض الفضائيات، مثل الشاعر فاروق جويدة.

وتعاملت الإذاعة ببرغماتية مع بعض التجارب التلفزيونية الناجحة، فأعادت تقديم نماذج شبيهة لها عبر الأثير، كالاستعانة بالثنائي نيللي كريم وآسر ياسين في مسلسل “المليونير الكبير” استثمارا لنجاحهما التلفزيوني السابق في مسلسل “100 وش”.
ويؤكد إذاعيون وجود مؤشرات قوية على عودة الراديو كوسيلة منافسة، مع بعده عن استضافة الوجوه المتكررة التي حفظ الجمهور كلامها، وفتح المجال أمام غيرهم من ذوي العلم والثقافة والخبرة، وإن كانوا من المغمورين.
وتملك الإذاعة جمهورا ثابتا من سائقي السيارات ومستقليها المحتجزين على الطرق في أوقات الذروة تحديدا، وتمثل لهم وسيلة أساسية لتمضية الوقت ومتابعة الأخبار والاستماع للأغاني، والانجذاب للأعمال الدرامية.
وخصصت الإذاعات خلال فترات الزحام المروري في مصر والتي لا تقل عن ثلاث ساعات يوميا للفقرات المتميزة، لضمان جذب مستمعي الصدفة، ولا تخلو من برامج مصنوعة خصيصا للشريحة المتنقلة على الطرق بدعم من معلنين كبار من توكيلات السيارات، وماركات الزيوت المختلفة.
واستحدثت الإذاعة مواد مخصصة لمخاطبة جمهور بعينه، منها الفقرات الشعبية القديمة، وتخصيص أوقات ثابتة لمطرب يحفظ الجمهور أغانيه عن ظهر قلب.
ويسجل الراديو حضورا أكثر تنوعا من الفضائيات من ناحية الخارطة البرامجية، بتقديم عدد كبير من الفقرات تشمل كل اهتمامات الجمهور بين الجوانب الدينية والصحية والسياسية والاجتماعية والفنية والفوازير وبرامج الأطفال والطهي.
وأكد الدكتور مجدي الداغر أستاذ الإعلام وتكنولوجيا الاتصال بجامعة المنصورة لـ”العرب”، أن المحتوى الجديد هو النافذة التي يمكن أن تساعد الراديو على الاستمرار، في ظل المنافسة الشرسة مع المنصات الرقمية والتلفزيون التفاعلي وراديو الإنترنت.
وكشف استطلاع للرأي للمركز العربي للبحوث والدراسات الاستشارية “بارك” عن تركز الاستماع للمحطات المصرية في فئتين عمريتين، أولهما بين 15 و24 عاما والثانية بين 25 و34 عاما، وانحصرت متابعتهم للمحطات الجديدة التي تقدم نشرة إخبارية قصيرة على رأس الساعة، تتخللها مضامين غنائية وبرامج ترفيهية وأعمال درامية.
تتميز الإذاعة بالإيقاع السريع في نقل الحدث المباشر، فالإذاعي لا يحتاج إلا إلى جهاز تسجيل وميكروفون لمخاطبة مستمعين يمكنهم المتابعة دون الاضطرار للتفرغ وترك أعمالهم بعكس الوسائل المرئية ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يجعل زيادة مساحة الدراما تشويقية.
وأوضح الداغر أن الدراما والبرامج الإذاعية عموما يجب أن تتضمن أفكارا تمس وجدان الجمهور وتبتعد عن الموروثات التقليدية، فكلما كانت الفكرة واقعية حققت النجاح، فالمضمون المنغمس في قضايا الطبقات الشعبية مثلا يملك حجم مشاهدة أكبر بكثير من المعني بمشكلات الأثرياء.
وتركز الإذاعة خلال رمضان على مواضيع تتناساها الفضائيات بالانغماس في قضايا الطبقات الفقيرة، كالتجول في الشوارع لإجراء لقاءات مع المواطنين وبائعي السلع الرمضانية، وإلقاء الضوء على تجارب صانعي الخير، وحتى في برامج الطهي تحصر جهودها في طريقة إعداد وجبات رخيصة وكيفية تدوير الوجبات المتبقية لإعداد أخرى جديدة.
ويشير إذاعيون مصريون إلى أن الراديو يمكنه المنافسة في ظل عدم استفادة العديد من القنوات التلفزيونية من ميزة الصورة والحركة، بعدما حولت شاشتها إلى مقهى ثقافي، يجلس فيه مجموعة من الضيوف يتجادلون دون سعي لتوصيل المعلومة.
وتلعب المحطات أيضا على نوستالجيا الصوت المميز لكل مذيع، والذي يحفر في ذاكرة الجمهور ويثير المشاعر في نفوسهم، وكان ذلك دافعا لبعض المحطات لإعادة مقدميها الكبار الذين أحيلوا للتقاعد لجذب جمهورهم والاستفادة من خبراتهم.
وتؤكد الخارطة البرامجية والترفيهية للمحطات المصرية قدرة الراديو على المنافسة بشرط توسيع استخدامات التقنية الرقمية وتطوير المادة المقدمة كي تكون أكثر جاذبية للمستمع ومواكبة لتطور الأحداث والأخبار.