أبناء الفنانين يفرضون سطوتهم على مسلسلات رمضان

تكرّر ظاهرة توريث فن التمثيل يعيد الجدل حول قدرات أبناء الفنانين التمثيلية ومدى مساهمة أسرهم في دفعهم إلى الأمام بصرف النظر عن الموهبة.
الثلاثاء 2021/04/13
ريم شقيقة المخرج محمد سامي تشارك في "نسل الأغراب"

يشهد الموسم الدرامي الرمضاني هذا العام غزوة تمثيلية لأبناء الفنانين المصريين وأقاربهم، حيث تتزايد فرص ظهورهم باطّراد عبر شبكة علاقات تربط أسرهم بالمخرجين والمنتجين وتمنحهم نوافذ للظهور دون دراسة أو اختبارات أو حتى تقييم.

القاهرة- يشارك عشرة من أبناء الممثلين دفعة واحدة في المسلسلات الرمضانية المصرية في ظاهرة تتعدّى السنوات السابقة التي كانت تشهد الدفع بواحد أو اثنين منهم تحاشيا للوقوع في دائرة اتهامات الجمهور بتوريث الفن واستغلال العلاقات والنفوذ.

وتثير تلك الهجمة المتنامية تساؤلات حول مدى اقتناع الجيل الجديد من المخرجين بأن الفن موهبة وليس شركة يتم تداول إدارتها بين أبناء العائلة الواحدة، ومدى الجور على مواهب فنية حقيقية تخرّجت في المعاهد والأكاديميات المختصّة، وتتسوّل الفرصة من أجل الظهور ولو دقائق بالدراما أو السينما.

ولا يمكن لأحد إنكار احتياج التمثيل إلى الإحساس والقدرة على التقمّص للوصول إلى قلوب الجمهور، فصدق الأداء المادة الخام الرئيسية التي يتم تشكيلها عبر الممارسة والتوجيه لتفرز في النهاية فنانا يستطيع توصيل الفكرة ويحظى بالقبول، وليس وجها مفروضا على المشاهد يتجرّعه غصبا كالدواء المر.

أحمد سعدالدين: الفنانون قد يوفرون لأبنائهم الفرصة للتمثيل، لكن ذلك لا يضمن لهم الاستمرار

فرص مستمرة

يشارك في الموسم الرمضاني الحالي كل من أحمد خالد صالح ابن الفنان الراحل خالد صالح، وملك زاهر ابنة الفنان أحمد زاهر، ونور النبوي ابن خالد النبوي، وخالد حجاج ابن حجاج عبدالعظيم، ومحمد يسري ابن الراحل إبراهيم يسري، ومحمود ياسين ابن المؤلف عمرو محمود ياسين، وعمر رياض ابن محمد رياض وهما حفيدا محمود ياسين، ويوسف نور ابن الراحل وائل نور، ومعهم المخضرم أحمد عبدالله محمود، وهنادي ابنة الموسيقار هاني مهنا.

ويبدو أن ياسين ابن الفنان أحمد السقا الذي يلعب دورا مهما في مسلسل “الملك أحمس” لن يكون له نصيب للإعلان عن نفسه في دراما رمضان لتوقّف العمل وسحبه من خارطة العرض.

وفي الموسم السابق تم الدفع بمجموعة أبناء وأحفاد الفنانين أيضا مثل تيام قمر ابن الفنان مصطفى قمر في مسلسل “خيانة عهد” مع يسرا، وجومانا ابنة الفنانة لقاء سويدان في مسلسل “ضد مجهول” مع غادة عبدالرازق، كما تتزايد حظوظ عمر الشناوي حفيد كمال الشناوي وأحمد جمال سعيد حفيد الفنان الراحل فريد شوقي في الدراما باستمرار،
حتى وصلا إلى مشارف البطولة المطلقة.

وقال الناقد الفني أحمد سعدالدين لـ“العرب” إن الفنانين قد يوفرون لأبنائهم الفرصة مرة أو اثنتين للتمثيل، لكن ذلك لا يضمن لهم الاستمرار، فالموهبة وحدها هي الكفيلة بالبقاء، مؤكّدا أنه “على مدار العقود الأخيرة دخل الوسط أبناء للفنانين وخرجوا بصورة أسرع من ترك بصمة”.

نظرة ذكورية

يضرب النقاد بابني محمود ياسين عمرو ورانيا اللذين لم يستطع والدهما الراحل محمود ياسين وزوجته شهيرة ضمان البقاء لهما في الوسط الفني، وتكرّر الأمر ذاته مع ميّ ابنة نور الشريف وبوسي التي لم تستطع المضي في طريق التمثيل.

تيام مصطفى قمر على خطى أبيه

ويدافع الجيل الحالي من ممثلي الوسط عن دخول أبنائهم الوسط الفني بالاسترشاد بجيل الرواد أمثال عادل إمام ومحمود عبدالعزيز وأحمد زكي وفاروق الفيشاوي وسمير غانم ودلال عبدالعزيز الذين قدّموا أبناءهم للوسط أيضا، وحتى فاتن حمامة لم تمنع ابنتها نادية ذوالفقار من المشاركة معها في فيلم “حكاية وراء كل باب”.

وتسيطر على الفنانين النظرة الذكورية في التعامل مع الفن، ففي حين يلقى الأبناء الذكور الدعم والتشجيع للعمل، لا ينطبق الأمر ذاته على الإناث، وفي غالبية الحوارات الصحافية يؤكّد ممثلون كبار كعادل إمام وحسين فهمي وماجد المصري بأنهم منعوا بناتهم من التمثيل لأنهم رجال شرقيون يغارون عليهنّ.

وأوضح الناقد الفني إلهامي سمير أن الفنانين من حقهم الدفع بأبنائهم حال وجود رغبة منهم في العمل والجمهور هو الحكم النهائي، فتعليقاته وتقييماته في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي هي الفيصل في إمكانية نجاحهم ووصولهم إلى البطولة أو التوقف أو حتى البقاء في منطقة المشاركة الهامشية.

ورفض حسين فهمي دخول ابنته الوسط في دور رئيسي في فيلم “أيام السادات” حتى لا يتم اتهامها بتلقي مجاملة من والدتها الفنانة ميرفت أمين التي شاركت في بطولة العمل، وهي الفرصة التي لم تتكرّر لها مجدّدا، لكن الأمر يختلف مع الجيل التالي من الممثلين الذي لا يملّ من التمكين الفني للعائلة بأسرها.

وأشار سمير لـ“العرب” إلى أن النشأة في عائلة فنية تساهم في تفجير قدرات الصغار ورغبتهم في التقليد والاحتراف مثلما حدث مع دنيا وإيمي ابنتا سمير غانم ودلال عبدالعزيز، وأثبتتا امتلاكهما الموهبة الفنية اللازمة للتمثيل، واستحقتا البطولة المنفردة على عكس أسماء أخرى بدأت قوية وخفتت مع الوقت حتى خرجت من الصورة، وأصبحت تكتفي بالمشاركة في لقطات معدودة.

ويضرب الممثلون المثل بالعائلات التقليدية، فعمل الأبوين في مهنة معينة قد يصبح إغراءً للأبناء بالسير في الطريق ذاته مع توفير البيئة الخصبة المناسبة لهم لاكتساب المعرفة والاحتكاك والتوجيه المستمر، ويعتبرون أن من حق أبنائهم خوض التجربة لكن دون محاباة أو إجبار لطاقم العمل من المخرجين أو المنتجين.

ويتحدّث الفنانون بعاطفة الأبوة عن أبنائهم ويخلطون بينها وبين العمل، وبعضهم يؤكّد أنهم حاولوا إثناء الأبناء لكنهم فشلوا، وآخرون يؤكّدون تعاملهم بتجرّد بدعم المواهب الشابة عموما وبينهم أبناؤهم كأحد حقوق المواهب في الحصول على الفرص.

دنيا وإيمي ابنتا سمير غانم ودلال عبدالعزيز تمكنتا من وراثة التمثيل بنجاح، وأثبتتا امتلاكهما الموهبة  الفنية اللازمة
دنيا وإيمي ابنتا سمير غانم ودلال عبدالعزيز تمكنتا من وراثة التمثيل بنجاح، وأثبتتا امتلاكهما الموهبة  الفنية اللازمة

وتتبّع أولى التجارب الفنية لأبناء الممثلين يظهر تأثير الأسرة بداية من محمد عادل إمام الذي كان أول ظهور له مع والده في فيلم “حنفي الأبهة”، وكريم محمود عبدالعزيز مع والده في فيلم “البحر بيضحك ليه”، ولكل من الممثلين الشهيرين ابنان آخران يعملان في مجال الإنتاج والإخراج السينمائي، كما لم يتحرّر أي منهما حتى الآن من تقمّص شخصية الأب على مستوى الأداء.

وتستمر الظاهرة ذاتها مع الجيل الحالي ما قد يمثل مشكلة للإبداع الفني على المدى البعيد ويجعل الفن خاضعا للاحتكار التمثيلي، فعبدالرحمن ابن الفنان محمد فؤاد كان ظهوره الأول مع والده في مسلسل “أغلى من حياتي”، وقدّم الفنان إدوارد ابنه قبل عشر سنوات للسينما، وحينما فشل دفع بابنته ماريا في مسلسل “حواديت الشانزلزيه”، ويتكرّر الأمر ذاته مع تيام مصطفى قمر وياسين أحمد السقا ورابي عمرو سعد وكلهم عملوا أول مرة مع آبائهم.

وتترسّخ العائلية الفنية في الدراما المصرية بصورة لافتة، فمجرد قراءة في أسماء تتر المسلسلات تظهر امتداد التوريث ليشمل الأشقاء أيضا، مثل أحمد كرارة شقيق أمير كرارة الذي بدأت تجاربه تتزايد في السنوات الأخيرة، وفرح شقيقة الفنانة هنا الزاهد التي تخوض التجربة الدرامية الأولى عبر مسلسل “الطاووس” في رمضان الحالي، وريم شقيقة المخرج محمد سامي التي تخوض تجربة مهمة في مسلسل “نسل الأغراب”.

ظاهرة التوريث الفني بمصر تتعاظم في دراما رمضان بعد مشاركة واسعة من أبناء الممثلين تمتد إلى 12 مسلسلا

وبينما تشكو ممثلات مخضرمات من التعطل، يتم الدفع بأسماء جديدة من أبناء الفنانين القدامى للعب دور الأم مثل ميريت ابنة الفنان الراحل عمر الحريري التي تشارك في الدراما الرمضانية للعام الثاني على التوالي عبر مسلسل “اللي مالوش كبير”، لتبدأ رحلتها الفنية في عمر الستين بعد عامين فقط من خضوعها لورشة تدريب.

وفي مصر حكمة دارجة تقول “محظوظ من كان النقيب خاله”، والنقيب كان مديرا لمستشفى ضخم بالإسكندرية في الثلاثينات وصاحب شبكة نفوذ على مستوى مصر كلها استغلها في تمكين من يريد، ويبدو أن المثل ينطبق بقوة على الوسط الفني بمصر الذي يفرض فيه النجوم سطوتهم على الأعمال الفنية، ويواصلون تفريخ أجيال جديدة من الممثلين الصغار لصالح السينما والدراما.

15