دراما مصرية غربية الهوى شكلا ومضمونا

"الآنسة فرح 3" عزف على وتر التحرّر يسقط في فخ التقليد.
السبت 2021/04/03
مشاهد لا تعتد بالأعراف الاجتماعية

يظل نجاح مسلسلات الدراما المعتمدة على إعادة تقديم محتوى أجنبي مقترنا بمدى القدرة على إعادة صياغة القصة بطريقة تتماشى مع الأعراف المحلية وطبيعة الجمهور المستهدف، خاصة إذا كانت القصة معتمدة في المقام الأول على العلاقات الإنسانية والروابط الأسرية التي تتبدل قواعدها باختلاف المجتمعات ودرجة انفتاحها.

القاهرة - ينتمي مسلسل “الآنسة فرح” الذي تعرض الفضائيات المصرية الجزء الثالث منه حاليا إلى نوعية الأعمال المستوحاة من قصص أجنبية، بعدما أعاد تقديم المسلسل الأميركي الشهير “جان العذراء” في صورة مصرية، لكنه لم يجتهد كثيرا في إجراء معالجة درامية تتماشى مع طبيعة المجتمع الشرقي ليتبنى الفكرة الغربية بحذافيرها.

يسير العمل على درب كسر المحرمات والتقاليد الاجتماعية الراسخة، بداية من  فكرته الأساسية عن عملية حقن مجهري (تلقيح صناعي) خاطئة للفتاة فرح (الفنانة أسماء أبوزيد) لتحمل جنين شادي (الفنان أحمد مجدي) الثري الوسيم الذي يعاني من السرطان ولجأ إلى بنوك حفظ الحيوانات المنوية للحفاظ على أمل الإنجاب، فتقرّر الاحتفاظ به بدافع مختلط من الشفقة وتوسّل والده وتحريم الإجهاض.

العمل أفرط في استخدام الفلاش باك، ففقد هدفه الأصلي كوسيلة لربط أحداث الماضي والحاضر ببعضهما البعض دون إطالة

يحافظ المسلسل على الأفكار الغربية الصرفة في غالبية تفاصيله، بداية من نمط العلاقات المتحرّرة الذي يجعل فرح في الأصل نتاج علاقة غير شرعية لوالدتها دلال (الفنانة رانيا يوسف) التي تمتلك شبكة علاقات عاطفية مع ثلاثة رجال في وقت واحد، وتعيش حياة المراهقة الصغيرة رغم تقدّمها في العمر وهي التي باتت جدة.

ويتجاهل العمل تماما الغيرة المعروفة عن الرجل الشرقي على نسائه، والتي تجعل شادي لا يمتعض من ترحيب شقيقته المبالغ فيه بصديقه في منزلهما، ويتركهما معا لمشاهدة فيلم سينمائي ويخرج لقضاء سهرته في مشهد تم إنهاؤه بكلمة إنجليزية تلخص ترجمتها الكثير “استمتع”.

ويتكرّر الأمر ذاته مع طارق (الفنان محمد كيلاني) الذي لا يعارض توجه زوجته لزيارة والد ابنها بمنزله أو استقبالها له بمنزل الزوجية في غيابه، ويدخل في شبكة صداقة معه يتولّى فيها مساعدته في كل شؤون حياته ويحلّ مشكلة نشاط عائلته القديم في الاتجار بالآثار.

نماذج غربية

مشاهد لا تعتد بالأعراف الاجتماعية
مشاهد لا تعتد بالأعراف الاجتماعية

يتضمن المسلسل ترويجا لنماذج فتيات يعشن الحياة بالطول والعرض، بينهنّ من تدمن المشروبات الكحولية، وأخرى تتجوّل في عواصم غربية بمفردها ولا تخجل من الإقامة مع زوجين بشهر العسل داخل وحدة سكنية صغيرة، وثالثة تربط تزكية أحد الممثلين لدور البطولة في سيناريو فيلم سينمائي تكتبه باستقطابه شابا يعجبها جسديا دون أدنى معرفة بينهما لحضور إحدى السهرات الخاصة، ورابعة، وهي امرأة ثرية، تقبل الزواج المشروط بالإنجاب من أجل زيادة حصيلة أموالها بالبنوك فقط.

ويقدّم العمل المجتمع العربي في صورة منفتحة تجعل فتيات يقفن دون حرج لتفحّص عضلات بطن شادي المشدودة بأبصارهنّ دون حياء أو خجل خلال تبديله قميصه مع أحد أصدقائه بعد اتساخ ملابس الأخير أثناء تغيير إطار سيارته قبل موعد لقاء عمل هام، ويتكرّر الأمر مع وضع أكثر من ممثلة في العمل وشوما هندسية ضخمة على الكتف وخلف الرقبة، وهي عادة غير منتشرة كثيرا في المجتمع المصري ولا تتضمّن هدفا دراميا واضحا سوى التقليد، بصرف النظر عن مدى المواءمة المحلية.

ويحاول المسلسل اللعب على وتر كوميديا العلاقات الزوجية في ما يتعلق بإذاعة بعض السيدات أسرار العلاقة الخاصة لصديقاتهن، أو المصاعب التي يعاني منها الشباب في بداية حياتهم مثل عدم القدرة على ضبط المصروفات الزوجية وتقلبات الدخل المستمرة بمجرّد ترك أحد الزوجين عمله.

وأفرط العمل كثيرا في استخدام خاصية الاسترجاع الفني (فلاش باك)، ففقد هدفه الأصلي كوسيلة لربط أحداث الماضي والحاضر ببعضها البعض دون إطالة، ليصبح عنصرا للمط وزيادة عدد حلقات المسلسل إلى درجة استغلاله مدة خمس دقائق متواصلة للتذكير بأول ندوة حضرتها فرح في صغرها ونقاشها مع مؤلفة الرواية بشأن النهاية غير الرومانسية، وشرح صورة لأحد الأبطال في الطفولة قبل 23 عاما وتعرّضه وقتها للإنفلونزا التي حالت دون لعبه مع أقرانه، وإعادة تقديم لقطات مستمرة لقصة زواج فرح وطارق دون داع سوى إطالة الحلقات لعمل يصل عدد حلقاته إلى 90 حلقة.

وافتقرت بعض الشخصيات إلى الرسم الجيد على الورق ما جعلها متنافرة، في مقدّمتها شخصية طارق الذي يبدو في أفكاره التجسسية وحله الألغاز المعقدة لجرائم القتل في الفندق الذي يعمل به كما لو كان ضابط شرطة متمرّسا يتصدّى للجريمة دون خوف من تعرضه لمحاولات قتل من زعيمة عصابة، رغم كونه مجرد موظف أمن تقليدي.

تنافر في الأداء

الفلاش باك يقتل تسلسل الأحداث
الفلاش باك يقتل تسلسل الأحداث

اعتمد المسلسل كثيرا على فكرة “الراوي” كوسيلة مساعدة لوصف الأحداث الماضية والحالية والمستقبلية وتوليد التشويق، ومنحه وظائف كوميدية متعددة كالسخرية من الأبطال أو التعليق على بعض الكليشيهات السلوكية السائدة في مواقف محرجة كمناسبات التقدّم للزواج بصورة تقليدية أو تلقي الأزواج نبأ حمل زوجاتهم .

وأدّى اتساع مساحة الراوي في المسلسل إلى فقدان دوره الأساسي وتحوّله إلى وسيلة قطع للتسلسل الدرامي، والحجر على خيال المشاهد في تفسير الأحداث، وحتى مساحة الكوميديا التي يفترض أن يشغلها جاءت كثيرا في شكل الاستظراف مثل: لماذا تجلس فهي من الممكن أن تتعرّض للإغماء وهي جالسة؟ في مشهد مصارحة شادي لشقيقته بأنه متبنى، أو عبارة “يبدو أن الآنسة فرح لن تصبح آنسة” في تعليقه على استعداد البطلة نفسيا لأن تعيش حياة زوجية كاملة دون خوف.

"الآنسة فرح" أعاد تقديم المسلسل الأميركي الشهير "جان العذراء" في صورة مصرية، دون مراعاة طبيعة المجتمع الشرقي

بوستر

حاول كتاب السيناريو، وهم: محمود عزت وعمرو مدحت وهيا حاتم وفاطمة نبيل، تشويق الجمهور بعيدا عن أجواء الرومانسية وركود الأحداث باستقطابهم لعوالم تجارة الآثار والتحف وجرائم القتل الغامضة، لكنها جاءت كمشاهد عابرة لا تؤثّر كثيرا في سلوك الشخصيات أو تغيّر وتيرة الأحداث في القصة الأصلية التي جاءت مملة في بعض الأوقات.

على المستوى الفني يمثل المسلسل شهادة ميلاد جديدة للفنان تامر فرج الذي أجاد تقديم دور فنان مغمور ينتج أفلاما مستقلة، ويعاني كمّا كبيرا من النرجسية، فيتحدّث عن نفسه بغرور وفخر شديدين، رغم أن أعماله لا يشاهدها أحد حتى عائلته، وشهرته جاءت بعد فيديو راقص أجبر على تصويره مع أحد الأطفال إرضاء للأخير بعدما تسبّب في كسر ذراعه.

على النقيض من ذلك كان أداء الفنانة هبة عبدالعزيز التي قدمت شخصيتي “توأم” إحداهما من بيئة راقية، وشقيقتها التي عاشت في مجتمع ريفي، وتسعى الأخيرة لسلب الأولى حياتها العملية والزوجية، وجاء الأداء شديد الافتعال والسطحية في تصوير المرأة ذات الأصل القروي وفي اللغة المنطوقة وحركات الجسد.

ولم يراع المخرج وائل فرج، الذي استعان بثلاثة مساعدين في العمل، كثيرا تغيرات الزمن على وجوه أبطاله ليقدّم مشاهد لفرح ووالدتها (رانيا يوسف) في مرحلة الطفولة لا تختلف عن الحاضر، رغم وجود فارق زمني للأحداث يصل إلى 20 عاما، كما لم يعالج مشكلة محمد كيلاني الذي يظهر دائما مبتسما حتى في مواقف تتطلّب القلق والحزن.

وعانت رانيا يوسف وأسماء أبواليزيد من التعلق بالنسخة الأصلية للعمل فجاءت الأولى نسخة من جينا أورتيغا والثانية نسخة من جينا رودريغيز في حركة الأعين وتعبيرات الوجه أثناء الغضب والحزن، وهي صفات تتماشى مع طبيعة الدراما الأجنبية وليس المصرية المعتمدة أكثر على التعبيرات اللفظية في التعامل مع الغضب والحزن وليس الصمت أو الطرق بأدوات المائدة، خاصة في مشهد خضوع طارق لعملية جراحية خطيرة أو تلقي خبر وفاته المفاجئة بأزمة قلبية.

وحاول المسلسل تقديم شحنة من جرعات التفاؤل للشباب بتجاوز الصعاب، فالبطلة تصنع حلم حياتها بتأليف رواية والعمل في الوقت ذاته بأحد الفنادق مع إنهاء الدراسات العليا ودون الإخلال بحقوق طفلها واحتياجاته، وزوجها يقرّر استكمال الدراسات العليا في مجال السياحة والفنادق من أجل اتخاذ خطوة أفضل لتحسين مستواه الاجتماعي.

15