حماقة ترامب وخطأ زوكربيرغ

إطلاق شائعة ليس مجرد عبث بل غالبا ما يحمل هدفا من ورائه.
الاثنين 2021/03/29
منصات التواصل تهدد الديمقراطية

لا ندري بالتأكيد إن كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سينفذ ما وعد به، ويطلق منصته الاجتماعية الخاصة متحديا منصتي تويتر وفيسبوك بعد قرارهما تجميد حسابه.

لقد تعودنا من ترامب تسريب شائعات، أحيانا على لسانه شخصيا، وإطلاق وعود ما إن يتفوه بها حتى ينساها. الجميع يتذكر شائعة تأسيس حزب جديد لمواجهة الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

إطلاق شائعة ليس مجرد عبث، بل غالبا ما يحمل هدفا من ورائه. تترتب على الشائعة دائما عواقب ونتائج، بعضها سلبي والبعض الآخر إيجابي.

السياسيون والعاملون في أسواق المال يعرفون أكثر من غيرهم أن الشائعة أهم من الخبر؛ ما يحرك أسواق المال هو الشائعات. عندما تصبح الشائعة خبرا مؤكدا تفقد قوة تأثيرها. يحدث هذا في أسواق المال مثلما يحدث في عالم السياسة. توقع حدوث كارثة أسوأ من حدوثها.

لنفترض جدلا أن ما قاله ترامب عن إطلاق منصة اجتماعية خاصة به مجرد إشاعة. إلا أن إطلاقها حرك الماء الراكد. على الأقل دفع البعض للتفكير بمخاطر الاحتكار الذي مارسته فيسبوك وتويتر ويوتيوب والذي أتاح لها أن تتحول إلى حيتان إعلامية تتحكم بمصائر البشر.

لقد منحها الاحتكار قوة لم تتردد في إشهارها بوجه رئيس أقوى دولة في العالم. وبفعلها هذا أثارت مخاوف الكثيرين.

حظر ترامب من فيسبوك وتويتر تبعته “هجرة رقمية” وصفت بالأكبر في عالم التواصل الاجتماعي، وشهدت خدمات المراسلة “سيغنال” و”تليغرام” اشتراك العديد من المستخدمين الجدد.

في يناير وحده أبلغت منصة “تليغرام” للمراسلة عن إنشاء 90 مليون حساب جديد. وضاعفت منصة “سيغنال” قاعدة مستخدميها إلى 40 مليون شخص وأصبح التطبيق الأكثر تنزيلًا في 70 دولة.

هناك اليوم عشرات، إن لم يكن المئات من منصات التواصل الاجتماعي، منتشرة حول العالم؛ من الصين إلى الولايات المتحدة. البعض من هذه المنصات متخصص؛ هناك منصة لأغنياء أوروبيين يسافرون بغرض المتعة، ومنصة للنخب الاجتماعية، وأخرى للعلاقات التجارية والمهنيين والاستثمار…

بعض من هذه المنصات لا يتجاوز عدد الأعضاء المنتسبين إليها بضعة آلاف. ولكن هناك 50 منصة على الأقل يفوق عدد أعضائها 10 ملايين عضو، ويصل عدد أعضاء البعض منها إلى 200 مليون.

هل يندم الطالب النبيه الذي أراد يوما أن يتسلى فعثر على لعبة فتحت أمامه أبواب الثروة ومنحته سلطة تفوق سلطة رئيس أقوى دولة في العالم

بالطبع هذه الأرقام بما فيها 200 مليون متواضعة إذا قيست بعدد المستخدمين للمنصة الاجتماعية الأكبر، فيسبوك، التي يفوق عدد منتسبيها مليار مستخدم.

ولكن من يضمن أن تحافظ “اللعبة” التي أطلقها مارك زوكربيرغ عام 2004 مع زميلين له في السكن الجامعي عندما كان طالبًا في جامعة هارفارد على تبوء مركز الصدارة؟

الأعوام القليلة الماضية شهدت الكثير من الجدل حول منصة فيسبوك. وتم حظرها في كثير من الدول خلال فترات متفاوتة، كما تم حظر استخدام الموقع من قبل الموظفين منعا لإهدار الوقت خلال ساعات العمل. وشكلت انتقادات موجهة إلى فيسبوك مخاوف بشأن الحفاظ على الخصوصية واحدة من المشكلا ت التي يواجهها رواد الموقع.

وتبقى قضية منع تسلل الإرهابيين إلى المنصة واحدة من أعقد المشاكل، على الرغم من أن حرمان الجماعات المتطرفة من التواجد على وسائل التواصل الاجتماعي واستغلالها لبث أفكارهم وتجنيد تابعين لهم سيكون بمثابة تحقيق انتصار، إلا أن تحديد من هو المتطرف ومن هو الإرهابي يثير جدلا كبيرا، خاصة أن هذا الجدل مطروح حتى على مستوى الحكومات.

اقتحام مبنى الكابيتول والحظر اللاحق للرئيس الأميركي السابق ترامب من فيسبوك وتويتر حدث قد يقرر مستقبل، ليس فقط هاتين المنصتين، بل مستقبل المنصات الاجتماعية وينهي عصر الديناصورات.

قد يندم الطالب النبيه الذي أراد يوما أن يتسلى فعثر على لعبة فتحت أمامه أبواب الثروة ومنحته سلطة تفوق سلطة رئيس أقوى دولة في العالم على تماديه في الاستمتاع بلعبة القوة هذه.

سيكون هناك طابور من الشامتين من ضمنهم حكومات العالم والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام التقليدية التي كانت أولى ضحايا مواقع التواصل الاجتماعي.

لم تتردد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل طويلا في إبداء الرأي والتعبير عن مخاوف الحكومة الألمانية مما أسمته سطوة عمالقة التواصل الاجتماعي. وقالت إن الخطوة التي اتخذتها هذه المواقع تطرح إشكالية.

واعتبر شتيفان زايبرت المتحدث باسم المستشارة أنه “لا يمكن تقييد حرية الرأي إلا من خلال ما يحدده القانون، وليس حسب معايير منصات وسائل التواصل”. وأن “حقوقا مثل حرية التعبير يمكن التدخل فيها، ولكن بموجب القانون، وضمن الإطار الذي تحدده الهيئة التشريعية، وليس وفقا لقرار شركة”.

وعبر وزير شؤون الاتحاد الأوروبي الفرنسي كليمنت بون عن صدمته لرؤية شركة تتخذ مثل هذا القرار المهم الذي “يجب أن يقرره المواطنون وليس الرئيس التنفيذي لشركة”.

ووصف وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير شركات التكنولوجيا العملاقة بأنها “أحد التهديدات للديمقراطية”.

دول أخرى كثيرة من بينها الصين وروسيا وإيران وتركيا ستصفق، إن لم يكن بالعلن فبالسر، لخطوة ترامب التي قد تبكي رئيسا تنفيذيا لشركة ظن أن بمقدوره أن يتجاوز حكومات الدول وبرلماناتها.

إن كان ترامب قد ارتكب حماقة، فإن زوكربيرغ قد ارتكب خطأ فادحا.

12