مصر بلا إعلام خاص بعد انسحاب رجال الأعمال

استحواذ الحكومة على أقدم صحيفة وقناة يكرس الاصطفاف الإعلامي الواحد.
الجمعة 2021/03/19
إعلام الصوت الواحد

القاهرة - تقترب مصر من إنهاء سيطرة رجال الأعمال على قطاع الإعلام بمختلف أشكاله مع رفع صفة الملكية المستقلة عن أقدم وأبرز منبرين في الصحافة والتلفزيون هما جريدة “المصري اليوم” اليومية، المملوكة لرجل الأعمال صلاح دياب، وقناة “المحور” التي يمتلكها رجل الأعمال حسن راتب، مع اقتراب إتمام صفقة البيع لجهات وشخصيات قريبة من الحكومة.

وبينما كان من المفترض أن ينقسم الإعلام في مصر بين موال للسلطات ومعارض لها تحولت المنابر كلها إلى مؤيدة  للحكومة التي لا يستبعد أن تكون قد استخدمت الضغط لإجبار رجال الإعلام على التفريط في مؤسساتهم الإعلامية لضمان سيطرتها المطلقة على القطاع.

وانتقلت ملكية فضائية “المحور” أخيرا إلى محمد منظور عضو مجلس الشيوخ ونائب رئيس حزب مستقبل وطن، المعروف بأنه الظهير السياسي للنظام الحاكم، ما يعني أن القناة صارت أقرب إلى الملكية الرسمية وتنضم إلى وسائل الإعلام التابعة للحكومة.

وكشف صحافيون وكتاب يعملون بصحيفة “المصري اليوم” عن اقتراب بيعها لجهة حكومية بعد موافقة مالكها على ذلك، وهي المعلومات التي انتشرت خلال الأيام الماضية ولم ينفها مالك الصحيفة، بالتزامن مع فصل أعداد كبيرة من العاملين بها، لتزيد من أزمة قطاع الإعلام الذي يعاني بالأصل محليا وعالميا.

حسن عماد مكاوي: غياب الإعلام المستقل يُغيّب معه الرؤى النقدية لإحداث حراك سياسي
حسن عماد مكاوي: غياب الإعلام المستقل يُغيّب معه الرؤى النقدية لإحداث حراك سياسي

وانطلقت “المصري اليوم” عام 2004 وكانت أول جريدة يومية مستقلة، وسيطرت الآراء الليبرالية على محتواها الصحافي وفتحت الباب لكتاب بارزين ومعارضين، ولكن صوتها بدأ يخفت بعد تزايد مشاكل مالكها مع الحكومة.

وتأسست قناة “المحور” منذ عقدين، وهي أقدم قناة خاصة في مصر، وتحل ذكرى انطلاقتها العشرين اليوم الجمعة، ونجحت في تحقيق شعبية واسعة طوال السنوات الماضية بحكم ارتباط الجمهور ببرامجها المتنوعة والمذيعين الذين مروا عليها.

وكشفت مصادر إعلامية أن ما يتم التخطيط له أن تكون فضائية “المحور” منبرا إعلاميا يحمل نوعا من الاختلاف النسبي عن باقي القنوات التي تسيطر عليها الحكومة، بحيث تكون صوتا مختلفا يتحدث بحرية مرتفعة ومنضبطة، فلا هي معارضة بالمعنى الحرفي ولا هي متماهية كليا مع الحكومة.

وقالت المصادر الإعلامية ذاتها لـ”العرب” إن “هناك خطة جديدة على المستوى التحريري والبرامجي لفضائية ‘المحور’ لتكون أكثر تأثيرا وجماهيرية، وتقوم بمهمة المعارضة الغائبة تقريبا في كل وسائل الإعلام الرسمية”.

وألمحت هذه المصادر إلى أن الصوت المعارض سيتزايد تدريجيا، فإذا مضت المصالحة بين مصر وكل من قطر وتركيا بنجاح سيتم تلقائيا وقف أو فرملة القنوات والمواقع المعارضة للقاهرة التي تبث من أراضيهما ووجد فيها قطاع كبير من المواطنين ملاذا، حتى لو كانت مصداقيتها مشكوكًا فيها.

وتخشى الحكومة أن يؤدي الفراغ المتوقع إلى الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي وما تحويه من إثارة ومغالطات، لذلك تستعد لإيجاد بدائل من الداخل وتأكيد أنها ليست ضد حرية الإعلام.

ومن غير المنتظر أن تنتقل صحيفة “المصري اليوم” بشكل جذري من الصوت المستقل إلى المؤيد للحكومة على طول الخط، حتى لو كانت ملكيتها لجهات معروفة علاقتها بها، لكنها قد تبتعد عن مناقشة قضايا حساسة على مستوى التغطية أو مقالات الرأي كي لا تفقد جمهورها.

ويمكن تفسير الاستعانة بشخصيات متعددة قريبة من الحكومة للمشاركة في الاستحواذ على ملكية صحف وقنوات بأن قانون تنظيم الإعلام يمنع احتكار المؤسسات الإعلامية تحت مظلة واحدة.

ويرى متابعون أن الاستمرار في إقصاء ما تبقى من سيطرة رجال الأعمال على بعض المنابر خطوة تتفق مع تمسك الحكومة بأن تكون هناك ملكية منسجمة لكل المؤسسات، الصحافية والفضائية، بحيث يتم التحكم في السياسة التحريرية صعودا وهبوطا.

ويعبر هؤلاء عن اعتقادهم بأن الهيمنة الكاملة رسالة سلبية لمستقبل حرية الرأي والتعبير، لأنه مهما كانت هناك نية لوجود أصوات مختلفة فالجمهور صار أكثر ذكاء ووعيا، وسيدرك أن الاختلاف مصطنع.

وحذر حسن عماد مكاوي العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة من تداعيات تواري الاستقلال والتعددية واختلاف الأصوات، في الوقت الذي ارتفع فيه تأثير الإعلام الخارجي على الجمهور المصري.

وقال مكاوي في تصريح لـ”العرب” إن “خروج رجال الأعمال كليا ستكون له تداعيات بغياب الرؤى النقدية التي كان يمكن التعويل عليها لإحداث حراك”.

وبغض النظر عن التوجهات المستقبلية للمنابر المستحوذ عليها يبدو أن الحكومة رأت أن السيطرة في حد ذاتها المخرج الوحيد للهروب من تبعات غلق كيانات إعلامية، صحفا أو قنوات، لأنها تعمل بشكل قانوني والتخلص من أصحابها يتطلب صفقة تزيحهم من المشهد.

Thumbnail

وأخفقت الحكومة المصرية في إثناء صحيفة “المصري اليوم” عن بعض مواقفها التي ساندت تيارات وقوى معارضة إلى درجة أنها تبنت ذات مرة حملة لتقسيم سيناء وطالبت بجعلها إقليما مستقلا، ما أدى إلى اتهام الجريدة بأنها تسوّق لأغراض غير وطنية.

منذ اندلاع ثورة الثلاثين من يونيو 2013 ساد توجه لإبعاد رجال الأعمال عن المشهد الإعلامي خوفا من توظيف صحفهم وقنواتهم لصالح الإخوان ولو بصورة غير مباشرة، وشملت قائمة المستبعدين أحمد أبوهشيمة ونجيب ساويرس ومحمد الأمين والسيد البدوي، وأخيرا صلاح دياب وحسن راتب.

ويرتبط امتعاض الحكومة من استمرار ملكية رجال أعمال لصحف أو قنوات بأنها تقوم بخدمة مصالحهم واستثماراتهم، وبعضهم كان يقايض الحكومة على بعض المكتسبات ويحدد سقف صعود أو هبوط السياسة التحريرية على هذا الأساس، وهو ما ترفضه دوائر حكومية وتأبى أن يتم ابتزازها بأي صورة إعلامية أو غير إعلامية.

ويشير خبراء إعلام إلى أن هذا التقدير لا يبرر الهيمنة الحكومية الكاملة على الإعلام، لكن على الطرف الآخر تسببت تصرفات شريحة من مالكي الصحف والقنوات في دفع الحكومة إلى السير في طريق التأميم والإمساك بكل الخيوط إلى أن أوشك حال الإعلام على الدخول في مرحلة الانهيار عقب الاعتماد على أهل الثقة وتغييب الكفاءات وأصحاب الخبرات وتراجع الإقبال الجماهيري.

ويُتوقع أن تترتب على غياب الاستقلال واستمرار السيطرة على الصحف والقنوات تحولات كبيرة نحو منصات التواصل الاجتماعي لتصبح منابر مستقلة بديلة يصعب التحكم في محتواها، وحينها ستخسر تماما الحكومة إعلامها التقليدي.

ودعم حسن عماد مكاوي هذا الاستنتاج، لأن الحق في المعرفة أحد المبادئ الأساسية للمواطن، وعندما يتم التضييق على وجهات النظر يضطر إلى البحث عن مصادر توفر له هذا الحق، والخطر أن يكون بديل غياب التعددية لجوء الناس إلى قنوات معادية.

1