تجاوز أزمة سدّ النهضة مفتاح تعزيز تحالف وادي النيل

الحكومة السودانية تدعم التقارب مع مصر بالتوازي مع المؤسسة العسكرية.
الجمعة 2021/03/12
تحديات مشتركة تفرض المزيد من التقارب

القاهرة- الخرطوم – طغت قضية سد النهضة على المباحثات التي أجراها رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك في القاهرة الخميس، عقب الرفض الإثيوبي لمقترح الخرطوم والمدعوم مصريا بشأن تطوير آلية التفاوض بين الدول الثلاث، بما يضمن الوصول إلى اتفاق مُلزم وشامل قبل الملء الثاني.

والتقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حمدوك الذي أجرى لقاء مطولا مع رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي، وتطرقت المباحثات إلى كيفية توظيف التقارب السياسي لممارسة المزيد من الضغوط على إثيوبيا، عبر تعزيز آليات التحالف بين الجانبين والتقارب في مجالات مختلفة، والذي تدعمه المؤسسة العسكرية السودانية.

وقدمت الخرطوم مقترحا دعمته القاهرة حول تشكيل آلية تفاوض جديدة من خلال تشكيل لجنة رباعية دولية، تقودها الكونغو الديمقراطية بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي وتشمل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، للتوسط في المفاوضات المتعثرة، قبل أن ترفضها أديس أبابا، الثلاثاء.

حسين هريدي: القاهرة تعوّل على موقف إثيوبي يفسح المجال للتفاهم
حسين هريدي: القاهرة تعوّل على موقف إثيوبي يفسح المجال للتفاهم

وقال بيان صادر عن الرئاسة المصرية إن المباحثات شهدت “تكثيف التنسيق الحثيث بين الجانبين في ظل المرحلة الدقيقة الحالية التي يمر بها ملف سد النهضة، وتعزيز الاتصالات مع الأطراف الإقليمية والدولية لتفعيل المقترح السوداني بتشكيل رباعية دولية للتوسط في تلك القضية، بما يساعد على التوصل إلى اتفاق قانوني شامل وملزم قبل موسم الأمطار القادم”.

ويرى مراقبون أن زخم سد النهضة يفرض على البلدين المزيد من التقارب، لأن السودان وجد نفسه أمام تهديد مباشر قد يبعثر أوراق المرحلة الانتقالية برمتها لإمكانية تضرر أكثر من 20 مليون مواطن حال أقدمت إثيوبيا على الملء من دون اتفاق، كما أن الخرطوم بعثت برسائل عدة مفادها أنها ليست بمفردها في الأزمة الحدودية المتصاعدة، ولديها ارتباطات غير مباشرة بأزمة سد النهضة.

وتسعى القاهرة للاستفادة من التقارب مع السودان كرأس حربة في مواجهتها المتشابكة مع إثيوبيا، لتضفي قوة مضاعفة على تحركاتها في مواجهة غطرسة أديس أبابا، بما يُصعب من إمكانية تكرار المناورات، طالما استمر التقارب وجرى تثبيت أركانه، بما لا يؤدي إلى استدارة سودانية معاكسة باتجاه إثيوبيا إذا فشلت الأطراف الثلاثة في الوصول إلى اتفاق ملزم.

ويعزز التنسيق بين الجابين مصداقية الخطاب المصري أمام المجتمع الدولي والذي ركز على أخطار السد الداهمة على دولتي المصب، حال عدم التوصل إلى اتفاق.

ويدفع تماسك محور القاهرة والخرطوم العديد من القوى الإقليمية نحو تغيير مواقفها التي ظلت قريبة من الموقف الإثيوبي، وإعادة النظر في فرضياتها السابقة.

وتوقع المحلل السياسي السوداني شوقي عبدالعظيم، أن يستمر التقارب بين البلدين في ملف سد النهضة إلى حين التعرف على ما سيؤول إليه طريق المباحثات مع إثيوبيا، وأن الطرفين سيبذلان جهودا دبلوماسية حثيثة لإدخال الأطراف الدولية على خط التفاوض، وحال تكللت تلك الجهود بالنجاح سيعد الوصول إلى اتفاق ملزم أمرا ممكنا.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن المكون المدني في السودان يدعم التقارب الحالي مع مصر، ويرى ضرورة أن تكون هناك حلول سياسية للأزمة عبر الضغط على إثيوبيا من خلال التقارب البناء وإدخال أطراف أخرى في المباحثات، وهو ما يدعمه أيضا المكون العسكري الذي يسير في اتجاه مواز.

وحسب البعض من المراقبين، يتطابق الموقف المصري الحالي مع طريقة التفكير السودانية بشأن التعامل مع سد النهضة، في ممارسة أقصى درجات الضغط الدبلوماسي على أديس أبابا، مصحوبة بإشارات تحمل مضمونا يفيد بوجود خيارات أخرى، حال فشلت جميع الخيارات السياسية.

وأشار مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، إلى أن القاهرة ما زالت تعّول على موقف إثيوبي يفسح المجال للتفاهم، وأن دوائر دبلوماسية تنظر إلى تأكيد إثيوبيا على تمسكها بوساطة الاتحاد الأفريقي أخيرا، على أنها ضمن آليات الحل التي اقترحتها كل من مصر والسودان.

شوقي عبدالعظيم: المكون المدني في السودان يدعم التقارب مع مصر
شوقي عبدالعظيم: المكون المدني في السودان يدعم التقارب مع مصر

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن البلدين ليست لديهما موانع في أن تلبي إثيوبيا مصالحها، وتحقق أهدافها التنموية بما لا يؤثر سلبا عليهما، الأمر الذي يتطلب ضرورة حدوث اختراق في الاجتماعات المقبلة، سواء أكان ذلك بوساطة أفريقية خالصة أم بدخول أطراف دولية (لجنة رباعية)، ومن المهم أن يبقى التطابق في مواقف القاهرة والخرطوم مستمرا.

وذهب متابعون إلى أن التوافق بين المكونات السودانية على التقارب مع مصر لم يكن حاضرا في فترات سابقة، وهو أمر تحاول القاهرة الاستفادة منه وتعظيمه عبر دفع حركة التعاون في مجالات مختلفة، تركز على المشروعات الاقتصادية والتنموية التي تنوي تدشينها، بما يطوّق أي محاولات لتخريب العلاقة أو عودتها إلى مرحلة البرود الذي خيم عليها سنوات طويلة.

وشدد السيسي على دعم بلاده المتواصل للسودان من خلال التعاون والتنسيق في كل الملفات محل الاهتمام المتبادل، وأن زيارة حمدوك تأتي لمتابعة مختلف أوجه العلاقات الثنائية ومشروعات التعاون المطروحة بين الجانبين، وترجمة للإرادة السياسية المتوافرة لخطوات تنفيذية لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين.

وتطرقت مباحثات حمدوك في القاهرة لإنشاء صندوق سيادي بين البلدين لتمويل مشروعات مشتركة عديدة، بما يشي بأن هناك رغبة لتسيير العلاقات في اتجاهات اقتصادية وتنموية وعسكرية لتأسيس علاقات إستراتيجية متينة.

ويسهم التقارب بين البلدين في إحياء اتفاقية الحريات الأربع (التملك والتنقل والإقامة والعمل) لتسريع حركة المواطنين بين البلدين التي لم تتم ترجمتها لخطوات عملية، وتسببت الخلافات السياسية المتراكمة في تعطيلها.

وأكدت الخبيرة في الشؤون الأفريقية نرمين توفيق، أن زيارة حمدوك إلى القاهرة وإن كانت ركزت على قضية سد النهضة، إلا أنها أكملت الشق السياسي عقب التطور الحاصل على المستويين الأمني والعسكري، وأن القاهرة تستهدف تقديم كافة أنواع الدعم للخرطوم لتطوير آليات التعاون في المجالات الزراعية والنقل والكهرباء.

وأوضحت لـ”العرب” أن التقارب الحاصل بين البلدين لم يصل بعد إلى مستويات التكامل وهناك حاجة ماسة لإعادة المزيد من بناء جدار الثقة على المستوى الشعبي، لأن بعض الأصوات في السودان لا تزال تسير عكس اتجاه التطور الحالي، وعلى القيادة الحاكمة في البلدين تبديد الشكوك بما يخدم المصالح المشتركة.

2