عباس يفصل القدوة تحسبا لـ"انتفاضة" داخل فتح

رام الله – علمت “العرب” أن فصل ناصر القدوة، الوزير السابق وعضو مركزية فتح، جاء بعد رفضه الاستجابة لثلاثة شروط قدمها له الرئيس محمود عباس، الذي بات يتخوف من “انتفاضة” داخل حركة فتح يقودها كوادر محسوبون على محمد دحلان، زعيم التيار الإصلاحي في الحركة.
وقالت مصادر سياسية فلسطينية لـ”العرب” إن وفدا من فتح برئاسة محمود العالول التقى القدوة، ووجه له إنذارا أخيرا قبل ساعات من فصله، كاشفة عن أن الوفد أبلغ القدوة برزمة ثلاثية متكاملة ومتلازمة: أولا، أن يتراجع عن تشكيل قائمة مستقلة للانتخابات العامة خارج قوائم حركة فتح. وثانيا، أن يعلن حلّ الملتقى الوطني الديمقراطي. وثالثا، أن يوجه نداء علنيا لأبناء حركة فتح بضرورة الالتفاف خلف قيادة عباس وقائمة اللجنة المركزية للانتخابات.
وذكر مصدر مقرّب من القدوة أنه حاول في الاجتماع، الذي استمر لأكثر من ثلاث ساعات، إقناع زملائه بأن المؤشرات تقول إن الرئيس عباس يتجه إلى تأجيل الانتخابات، نظرا للظروف الصحية التي تمر بها البلاد، وبالتالي لا داعي لهذه الشروط التعجيزية وأن هذا النهج سيعصف بما تبقى من حركة فتح ودورها ومكانتها.
حاتم عبدالقادر: قرار فصل القدوة خاطئ ومتسرع ومخالف للوائح فتح
ورفض القدوة شرط حلّ الملتقى، معتبرا أنه ذو طابع فكري وسياسي وثقافي. كما اعتبر أن إعلان الاعتذار عن كل الحراك السياسي الذي حصل بتأسيس المنتدى هو شرط مقصود منه ليس التراجع عن المشاركة في الانتخابات بقائمة مستقلة وإنما إذلال شخصيّ له ولتاريخه.
وأشار المصدر إلى أنّ القدوة أكد للوفد أن الملتقى حق لا يمكن نزعه بالترهيب، خاصة وأنّ الفكرة منذ بدايتها ألاّ يكون حزبا سياسيا ولا علاقة لها بحركة فتح، وإنما مساهمة المؤسسين في تنشيط الحياة السياسية والفكرية.
وقال القدوة، في بيان له، إن قرار فصله “يثير الحزن والشفقة على ما آلت إليه الأمور في حركتنا”، وإنه يبقى “حريصا على مصالح الحركة”، وسيعمل على “كنا تصويب الوضع الداخلي وعودة الحركة لمكانتها الطبيعية”.
ويعتقد مراقبون للشأن الفلسطيني أن قرار فصل القدوة من قيادة فتح وعضويتها سيدفعه إلى البحث عن خيارات تصعيدية تجاه رئيس السلطة، كما يوجه رسالة إلى المترددين داخل الحركة بضرورة مواجهة الوضع الحالي لأن الدور سيكون عليهم في المستقبل.
وقال محمد مشارقة، مدير مركز تقدم للسياسات في لندن، إن من الخيارات المطروحة أمام القدوة أن يذهب إلى خيار أصعب وهو ليس فقط الدخول بقائمة مستقلة وإنما منافسة عباس على الرئاسة، معتبرا أن في ذلك رسالة إلى عضو اللجنة المركزية الآخر الأسير مروان برغوثي الذي رفض ترؤس القائمة الانتخابية المستقلة وأصر على التنافس على الرئاسة فقط.
وأضاف مشارقة في تصريح لـ”العرب” أن المسألة الأخرى التي تقلق القدوة هي مستقبل مؤسسة ياسر عرفات التي يرأسها، ولا تخفي قيادة السلطة الرغبة في مصادرتها وإلحاقها بإحدى وزارات الحكومة، لافتا إلى أن قضية القدوة ستؤسس لما بعدها، وأن حركة فتح لن تعود كما عرفناها.
ووصف عضو المجلس الثوري لحركة فتح حاتم عبدالقادر قرار فصل القدوة بأنه “خاطئ ومتسرّع” خاصة وأن الحديث يدور عن “قامة وطنية”.
وأكد عبدالقادر أن قرار اللجنة المركزية لفتح “مخالف للوائحها الداخلية خاصة وأنه لم يحظ بموافقة المجلس الثوري الذي يُعتبر برلمان الحركة”.
ويقول جهاد حرب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، إن قرار الفصل “يُظهر أن الحركة غير موحدة وتعيش حالة من التفتت والتشرذم، وهناك خلافات كبيرة، القدوة أحدها، بالإضافة إلى مروان البرغوثي، وقبله القيادي المفصول محمد دحلان، صاحب التأثير الكبير على جزء كبير من أبناء فتح في قطاع غزة”.
وفي أول رد على فصل القدوة، اعتبر محمد دحلان، رئيس التيار الإصلاحي في حركة الفتح، أن القرار “مخالف لكل لوائح الحركة وأنظمتها وأعرافها العريقة وخطوة جديدة في بعثرة قدرات فتح وقوّتها التي لم تشهد عبر تاريخها الطويل هذا القدر من الاستبداد والتفرد والانحراف عن تقاليد التنوع واحتواء كل الأفكار والآراء”.
وكتب دحلان في تدوينة على صفحته الرسمية في فيسبوك إنه “آن الأوان لقيادات وكوادر وقواعد الحركة أن تنهض لمواجهة هذا التدمير المنظم من شخص حاقد وفاقد للأهلية يشكل مصدرا لضعف الحركة وتراجع مكانتها وقدراتها”.
وهاجم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، في بيان له، القرار “الذي أصدره محمود عباس، بصمتٍ وتواطؤٍ من جوقته الفاسدة”، متعهدا بـ”السعي الحثيث لاستعادة فتح من خاطفيها، واستعادة المبادئ التي انطلقت فتح من أجلها والأهداف التي سارت عليها لعقود”.
ويعتقد محلّلون فلسطينيون أن فصل القدوة من قيادة فتح هو جزء من الحملة التي يقودها عباس على القيادات المعارضة لخطه داخل الحركة، لافتين إلى توسع دائرة الغاضبين على سياسات عباس الذي يسعى، بما في وسعه، لعزل رمزين بارزين لهذه المعارضة هما دحلان الموجود في الخارج، والبرغوثي المعتقل لدى إسرائيل.
محمد مشارقة: من الخيارات المطروحة أمام القدوة منافسة عباس على الرئاسة
ويحوز دحلان على شعبية واسعة في الأراضي الفلسطينية بسبب أنشطة مجموعات مؤيدة له تقوم بتوزيع المساعدات الغذائية والقسائم الشرائية على المحتاجين.
ويتمثل الإنجاز الأبرز والأحدث في نجاحه الشهر الماضي في إدخال عشرين ألف جرعة من لقاح سبوتنيك – في الروسي إلى قطاع غزة المحاصر، عن طريق مصر.
ويشير الناطق باسم التيار الإصلاحي عماد محسن إلى أن التيار “يعمل منذ عشر سنوات على تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني بواسطة دحلان وبتمويل ورعاية الإمارات وغيرها من الدول العربية”.
ويؤكّد محسن على أن هذه الجهود “كلها تصب في خدمة الفقراء والبسطاء والمحتاجين والطلبة والمرضى”.
في المقابل، ورغم أنه معتقل منذ أكثر من عقدين، فإن استطلاعات الرأي تظهر أن البرغوثي ما زال يتمتع بشعبية كبيرة لدى الفلسطينيين.
ويعد احتمال ترشّح البرغوثي للانتخابات من خلف القضبان من بين أكثر الموضوعات السياسية التي يتم تناولها.
وقبل عدة أسابيع قام عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأحد المقرّبين من الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ بزيارة قصيرة للبرغوثي في معتقله لمعرفة ما ينوي فعله بالنسبة إلى الانتخابات.
اقرأ أيضا:
"فتح" لم تكن موحّدة يوما.. بقلم: خيرالله خيرالله