الأطفال يتأثرون بانتماءات آبائهم الفكرية

ما يتعلمه الأبناء على أيدي آبائهم وأمهاتهم يعتبر من العوامل الجوهرية لتطورهم والتأثير فيهم مدى الحياة.
الجمعة 2021/03/12
الاهتمام بوعي الأبناء بشكل منظم ومضبوط أمر ضروري

لندن - يؤكد خبراء علم النفس التنموي المهتمون بكيفية تأثير الآباء على نمو الطفل أنه يصعب كثيرا العثور على السبب والنتيجة الفعلية بين الإجراءات المحددة للوالدين والسلوك اللاحق للأطفال، حيث يمكن للبعض من الذين نشأوا في بيئات مختلفة بشكل كبير أن يكبروا في ما بعد لتصبح لديهم شخصيات متشابهة بشكل ملحوظ. وعلى العكس من ذلك، يمكن للأطفال الذين يتشاركون في المنزل ونشأوا في نفس البيئة أن يكبروا لتصبح لديهم شخصيات مختلفة تماما.

ويقول الخبراء إن ما يتعلمه الأبناء على أيدي آبائهم وأمهاتهم يعتبر من العوامل الجوهرية لتطورهم والتأثير فيهم مدى الحياة، لأن الآباء يحتكون بأبنائهم لفترة طويلة وفي أوقات ومراحل مهمة، ولذلك من غير المفاجئ أن يتبنى الأطفال أيديولوجيات آبائهم عند الكبر. ويمكن للأطفال أن يرثوا سلوكيات آبائهم المعتدلة والمتطرفة أيضا.

ويشدد المختصون على ضرورة الاهتمام بوعي الأبناء بشكل منظم ومضبوط، ويكون ذلك عن طريق زيادة الوعي لدى الآباء وزيادة تثقيفهم حول التربية الإيجابية، حتى لا تؤدي هذه السلوكات أو الأفكار المتطرفة إلى تدهور أو خلل في المجتمع من الجانب الأمني أو الأخلاقي.

ويمكن للآباء أن يجعلوا من أطفالهم قادة صغارا وذلك بزرع الثقة في أنفسهم ومنحهم حرية التعبير لأن الثقة بالنفس تغذي شعور الطفل براحة نفسية كبيرة. وتتمثل مقوّمات الثقة بالنفس عند الطفل القائد في احترام الآخرين وتقديرهم والتفاعل الجيد مع القريب والبعيد والتحكم في المزاج والتحلي بالهدوء والثبات في القول وعدم التردد والدفاع عن الحق بكل الوسائل.

من غير المفاجئ أن يتبنى الأطفال أيديولوجيات آبائهم عند الكبر كما يمكن أن يرثوا كذلك أفكارهم المعتدلة أوالمتطرفة

ويؤكد المختصون على أن تعليم التسامح وقبول الاختلافات الشخصية يسمحان للطفل بأن يتعلم أهمية المجتمع بالنسبة إليه، مشددين على أهمية تعليم الآباء والأمهات لأبنائهم التسامح في سن مبكرة، لأنهم عندما يكونون متسامحين فإنهم يحترمون الآخر ويحافظون على مشاعره ويتقبّلونه حتى لو كان مختلفا عنهم في الجنس والعرق والدين.

وأكدوا أنه لا أحد يولد وبداخله مشاعر البغض والكراهية للآخر، ولا أحد يولد وبداخله إحساس بأنه أفضل من الآخر، فهذه تصرفات مؤذية يتعلمها الطفل من محيطه الأسري بالدرجة الأولى.

ولفتوا إلى أن الأطفال يطبقون ما يتعلمونه، وهم غالبا ما يتعلمون من خلال المراقبة، فإذا لاحظ الطفل أن أحد أفراد أسرته لا يحب شخصا باعتباره يختلف عنه في اللون أوالدين أو العرق، أو الثقافة عندها يتعلم عدم التسامح والكراهية والتمييز والانحياز. أما إذا رآه يساعد الفقير والمحتاج، ويُصادق الذي يختلف عنه في الجنس والدين والثقافة، فسيتعلم أن يكون متسامحا مثله. وشددوا على أنه بإمكان الأُسرة وقف عجلة الكراهية والتمييز والانحياز، إذا ما كانت هي المثال الجيد للمحبة والتسامح.

إلا أن بعض الخبراء يميلون للرأي المخالف ويعتبرون أن الهوية السياسية أو الدينية للأشخاص ليست من صنع الآباء ولا من الموروثات، بل تخضع لتأثير الجينات والأسرة والمدرسة والأقران ووسائل الإعلام والعوامل الاجتماعية والعاطفية والاقتصادية للمجتمعات.

ويرون أن ما يتعلمه الطفل في الصغر لن يكون ثابتا مع ما تشهده المجتمعات من تغيرات تتحكم في نسق العلاقات وفي النظم السياسية والقيم الاجتماعية والأخلاقية للمجتمعات. وهذه النتيجة قد تكون مفاجئة للآباء، خاصة وأن العديد من الأطفال ينشأون في أسر تستهلك المواضيع السياسية بإفراط وتريد لأطفالها أن يسيروا على دربها في قناعاتهم السياسية والعقائدية.

وتمتلك الحياة المعاصرة في واقع الأمر قوة ملفتة للانتباه في بناء وتعزيز آراء الناس، وانتمائهم السياسي والعقائدي حتى دون إدراك منهم.

21