هل يغير اتحاد الشغل موقفه من قيس سعيد بسبب الحوار الوطني

حملت التفاعلات الداخلية المعقدة في المشهد السياسي التونسي بعد إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل تمسكه بمبادرته لحل الأزمة أبعادا إضافية يرى متابعون أنها قابلة للتماهي مع الوضع القائم، على الرغم من رفض الرئيس قيس سعيد عقد حوار وطني إلا بشروطه، لاسيما وأن خطوط التماس المشتعلة بين كافة الأطراف يمكن أن تؤدي إلى مفاقمة حالة الخوف من الانزلاق إلى مربع العنف.
تونس - جدد الاتحاد العام التونسي للشغل تمسكه بمبادرة الحوار الوطني التي طرحها كحل للأزمة السياسية والاقتصادية المتصاعدة في البلاد، منتقدا الشروط التي وضعها الرئيس قيس سعيد لإنجاح الحوار وهي استقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي.
ودفع هذا الأمر الأوساط السياسية التونسية إلى طرح مزيج من التساؤلات بشأن إمكانية تغيير اتحاد الشغل، الذي يعتبر أكبر منظمة نقابية لها فاعلية في المشهد العام للدولة، موقفه من رئيس الجمهورية على خلفية مماطلته وعدم تجاوبه مع المبادرة التي أطلقها منذ أشهر بهدف التنفيس عن الأزمة العميقة.
يد اتحاد الشغل ممدودة

خالد شوكات: اشتراطات قيس سعيد أفرغت مبادرة الحوار من محتواها
لا تزال يد اتحاد الشغل ممدودة لرأب الصدع بين كافة الأطراف. وقد اعتبر الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي خلال تصريحات لوسائل إعلام محلية أنّ “الحل لانطلاق حوار وطني ليس باستقالة رئيس الحكومة على غرار ما طالب به الرئيس سعيد”.
وأكد الطبوبي خلال ندوة سنوية للصحة عقدت الأربعاء الماضي، أن “مبادرة الاتحاد الداعية إلى إجراء حوار وطني ليست لها قيمة في حال لم نتطرق إلى المحور الأول منها وهو التغيير السياسي وحل الأزمة السياسية، مجددا تمسكه بالحوار للحسم في حالة الانسداد التي تعيشها البلاد”.
ورأى أن الأزمة الحالية منحصرة بالأساس في “مناكفات سياسية وصراعات شعبوية بين مؤسسات الدولة وأجهزتها”. وأشار إلى أن “تونس لأبناء الشعب ولن نتركها للمراهقين السياسيين الجدد”.
وفسر متابعون موقف الاتحاد الأخير بأن المنظمة ذات النفوذ القوي بالبلاد قد التقطت آراء سعيد الأخيرة التي ألمح فيها إلى عدم تنازله عن شروطه في ما يخص مبادرة الحوار، ما يعني أنه لن يقبل بمبادرة لا تكون في صالحه خاصة في خضم الصراع المحتدم حاليا بين الرئاسات الثلاث حول الصلاحيات.
ويعتقد هؤلاء أن عدم تجاوب سعيد مع مبادرة الحوار بحجة أزمة اليمين الدستورية يراها الاتحاد رفضا ضمنيا لمبادرة تضعه كفاعل رئيسي في المشهد، ما يدفعه إلى إعادة حساباته ومراجعة موقفه من الرئيس.
وقدم اتحاد الشغل مبادرة لإجراء حوار وطني يضم الفرقاء السياسيين بهدف التوصل لاتفاق واسع حول إصلاحات سياسية واقتصادية عاجلة تحتاجها البلاد للخروج من الأزمة التي تتخبط فيها. ويرى اتحاد الشغل أن الحوار المقترح يمثل فرصة حقيقية لإعادة الأمل للتونسيين في إنعاش الاقتصاد العليل وتحقيق الاستقرار السياسي.
وفيما أعلن الرئيس سعيد أنه قبل المبادرة التي سيشارك فيها شباب من أرجاء البلاد، لكن حتى الآن لم يُعلن عن أي موعد للحوار، ولاحقا ذكر الاتحاد أنه يضع استقالة المشيشي شرطا لانطلاقه.
إعادة الحسابات
وسط تزايد الشكوك حول انعقاده بسبب الخلافات السياسية العميقة وتوتر بين اللاعبين الرئيسيين بالبلاد، لا تستبعد أوساط سياسية أن يعيد الاتحاد حساباته ومواقفه، التي برأيها كانت في صالح الرئيس سعيد، وأن يختار الضغط على جميع الأطراف بهدف قبول انعقاد الحوار في أقرب الآجال، خاصة أن شبح الانزلاق نحو العنف بات يهدد البلاد بسبب التصعيد المستمر بين التيار الإسلامي (حركة النهضة وائتلاف الكرامة) والتيار الليبرالي العلماني (الحزب الدستوري الحر).
وبرأي هؤلاء أن ما يدفع الاتحاد إلى تغيير موقفه، هو أن سعيد بات عنصرا مشاركا في الأزمة، بدل أن يعمل على حلحلة الأوضاع.
ووصف رئيس المعهد العربي للديمقراطية والقيادي بحزب نداء تونس خالد شوكات في حديثه لـ”العرب” أن “دور الاتحاد في حماية مسار الانتقال الديمقراطي هو دور محوري وخصوصا في رعاية موائد الحوار الوطني”، مستحضرا كيف أنقذ البلاد من السقوط في الهاوية سنة 2013 بنجاحه في تجميع الفرقاء على طاولة الحوار وقادت إلى نيله آنذاك جائزة نوبل للسلام.
واستدرك شوكات الوزير الأسبق في حكومة يوسف الشاهد بالقول “عادة ما يكون اتحاد الشغل قادرا على جسر الهوة بين الفرقاء لكن يبدو أن مهمته اليوم مع الرئيس سعيد عسيرة”. وأضاف “يفترض على الرئيس أن تكون أبوابه مفتوحة للجميع وعلى مكونات المشهد السياسي، وأن يكون عاملا مساعدا على تسيير مهمة منظمي الحوار”.
ولم يخف شوكات امتعاضه من موقف سعيد وهو يرى أن الرئيس أفرغ مبادرة اتحاد الشغل من محتواها بجعلها “جملة شرطية”. وقال إنه “عندما نتحدث عن الاشتراطات في الحوار فإننا غالبا ما نفرغ الحوار من محتواه”.
وأبدى تفهمه لموقف الاتحاد في ما يتعلق بإصراره على بقاء حكومة المشيشي، وفي اعتقاده بدت الحكومة مرنة ومستجيبة لدعوات الحوار ومدت يدها ولا تزال للاتحاد كممثل للمسألة الاجتماعية، كما أن الاتحاد قدر أن ترك البلاد تعيش حالة فراغ على المستوى الحكومي قد يؤدي إلى مزالق تعمق الأزمة بدل أن تحلها.
ما هي خطة الرئيس

كمال القرقوري: اصطفاف اتحاد الشغل مع طرف بعينه لن يكون في صالحه
يتساءل المتابعون عن خطة الرئيس سعيد لإنقاذ البلاد في حال تم إجهاض مبادرة الحوار وتواصل مسلسل التصعيد بين الأطراف السياسية.
وسبق أن ذكر الطبوبي في حوار لوكالة رويترز أن “لديه أوراق سيكشفها في الوقت المناسب ولن يترك البلد يغرق”، لكنه رفض أن يكشف كيف يمكن للاتحاد أن يتحرك إذا استمرت التجاذبات السياسية ولم يحصل اتفاق ينهي أزمة البلاد اقتصاديا واجتماعيا.
ويُنظر لاتحاد الشغل على نطاق واسع على أنه أكبر قوة في تونس وله نفوذ يفوق كل الأحزاب السياسية مدعوما بأكثر من مليون منخرط وباستطاعته قلب الموازين في المشهد السياسي.
ومع ذلك، تستبعد أوساط سياسية أن يختار الاتحاد، الحاصل على جائزة نوبل للسلام في عام 2015 في دوره مع ثلاث منظمات تونسية كبرى أخرى لرأب الصدع بين الفرقاء السياسيين في 2013، الاصطفاف مع طرف ضد آخر، ورجحت أن يواصل دوره كوسيط تجنبا للسيناريو الأسوأ وهو الانزلاق نحو مربع العنف.
وأعرب كمال القرقوري الأمين العام لحزب التكتل في تصريح لـ”العرب” عن اعتقاده أن “الاتحاد لا يمكن أن يكون في صف طرف لصالح طرف ضد آخر، حيث لن يكون ذلك في صالحه”. غير أنه رجح أن يدخل في مفاوضات وسيحاول أخذ مسافة من الجميع خاصة أنه ليس في تناغم مع أي طرف.
ويعتقد القرقوري أن تصريحات الطبوبي لا تعكس تغييرا لموقفه من الرئاسة بقدر ما هي توصيف للمستجدات، خاصة وأن الرئيس اشترط الاستقالة مقابل المضي في الحوار.
ومع بلوغ الصراع السياسي ذروته، توقع القرقوري أن ترحل الحكومة عن قريب، حيث لا يمكنها المواصلة بعد ما وصلت إليه الأزمة لمستوى غير مسبوق. وبرأيه، فإن الحكومة هي جزء من الأزمة والحلقة الأضعف، خاصة بعد أن اختار المشيشي المواجهة والتصعيد عوضا عن اختيار الحوار والذهاب إلى الحل الأسلم لتمكينه من العمل والاستمرارية.
ومع كل ما يحدث على الساحة، أبدى القرقوري أمله في أن ينجح الحوار الوطني في تحديد التوجهات الكبرى ويحدد الفريق الأكفأ للقيام بإصلاحات عاجلة، في حال رحيل حكومة المشيشي.
مناورات الائتلاف الحاكم

زهير حمدي: مبادرة الحوار الوطني لا جدوى منها ولن تفضي لأي نتيجة
يُحمل متابعون الأزمة السياسية الراهنة التي ترزح تحت وطأتها البلاد إلى الائتلاف الحاكم، الذي يتشكل من حزب حركة النهضة الإسلامية وحزب قلب تونس وحزب ائتلاف الكرامة الشعبوي بسبب مناوراته وابتزازه ومقايضته رئيس الحكومة بدعمه مقابل استبعاد وزراء محسوبين على الرئيس بوزراء موالين لهم خاصة في وزارات السيادة.
ورفض سعيد التعديلات الوزارية التي اقترحها المشيشي ونال على إثرها ثقة البرلمان رغم أن الدستور لا يفرض هذه الخطوة، تاركا الحكومة مشلولة في بلد يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية حادة.
واعتبر زهير حمدي، الأمين العام للتيار الشعبي في تصريح لـ”العرب”، أن “الائتلاف الحاكم هو المسؤول عن المأزق السياسي وحالة الانهيار الاقتصادي”. ويعتقد أن أي حل من داخل هذه المنظومة هو بمثابة إضاعة الوقت على التونسيين.
وفي تقديره، فإن مبادرة الحوار، التي وصفها بأنها “إدارة للأزمة أكثر منها حلا للأزمة”، لا جدوى منها ولن تفضي لأي نتيجة في ظل طبقة سياسية متمسكة بمواقعها وغير مبالية بانهيار مؤسسات الدولة.
وأردف بالقول “حاول الاتحاد أن ينفي الأجواء لكن صيغة الحوار التي طرحها غير قابلة للتنفيذ، خاصة أن الطبقة السياسية في قطيعة تامة مع الشعب”.
وبرأيه، فإن التونسيين مطالبون اليوم بالضغط أكثر لاستقالة الحكومة وحل البرلمان بهدف تحقيق تغيير حقيقي، مستدركا في الوقت ذاته قائلا “لا يمكن أن نستمر في نظام فيه ازدواجية السلطة التنفيذية”.