اتحاد كتّاب مصر في مهبّ الريح

لا تخلو اتحادات الكتّاب في الوطن العربي من أزمات وصراعات تشتد سنة فأخرى، بينما لا تقدم هذه الهياكل الدور المنوط بها للكتّاب من مواكبة أدبية وفنية وحتى اجتماعية. ولم يشذ اتحاد الأدباء المصريين عن واقع الصراعات الطاحنة وهو الذي كان يوما منبرا يستقطب جميع الأدباء باختلاف مشاربهم.
القاهرة – يواجه اتحاد كتّاب مصر موجات انتقادية هي الأعنف في تاريخه بسبب استغراقه في صراعات انتخابية ونزاعات إدارية وطعون قانونية في شرعية رئاسته ومجلس إدارته وتقاعسه عن القيام بمهامّه الفنية والاجتماعية والصحية إزاء أعضائه، وتورطه في منح عضويته وجوائزه لأسماء هلامية.
وعلاوة على ما جرى الكشف عنه من وقائع سرقات إبداعية لشعراء نالوا عضوية الاتحاد عن أعمال منتحلة وتسريب تقارير الفاحصين السرية التي احتفت بهذه السرقات المأخوذة من دواوين الشاعر نزار قباني، بلغ الأمر مداه بتحويل منتقدي سياسات الاتحاد وممارساته إلى التحقيق واللجان التأديبية، ومنهم أدباء راسخون في المشهد الثقافي.
وتعيد أزمة اتحاد كتّاب مصر إلى الأذهان، وعلى نحو أكثر سخونة، ما دار في أروقة الاتحاد عام 2016 من تعالي نبرة الاتهامات المتبادلة والشتائم بين أعضاء مجلس الإدارة ما دفع الخصومة وقتها إلى ساحات القضاء واستقال عشرون عضوًا من أعضاء مجلس الإدارة الثلاثين وأصبح مجلسه على شفا فقدان الشرعية.
وباعتماد مجلس إدارة الاتحاد برئاسة علاء عبدالهادي حفلت السنوات الماضية بالنزاعات والصراعات والانقسامات، وتشكلت كتلة داخل الجمعية العمومية للاتحاد بعنوان “جبهة الإصلاح” يقودها الشاعر أحمد سويلم أملًا في كسب جولة الانتخابات المقبلة.
أزمة مركبة
تبدو أزمة الاتحاد في هذه الأيام أكثر تعقيدًا فهي ذات أبعاد متعددة وليست ذات طابع قانوني وانتخابي فقط. فاتحاد كتاب مصر الذي أسسه يوسف السباعي في سبعينات القرن الماضي وضمّ في عضويته أسماء مرموقة من قبيل نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وتوفيق الحكيم (أول رئيس له) وغيرهم، يبدو في مهبّ الريح تمامًا لأسباب متشابكة دفعت البعض إلى تبني فكرة إطلاق نقابة أهلية بديلة لجمع شتات الأدباء المصريين الذين لم تعد لديهم ثقة باتحادهم والأدوار المنوطة به.
ويطعن أعضاء جبهة الإصلاح والجمعية العمومية في مخالفات إدارية وقانونية واصفين مجلس الاتحاد القائم بأنه “منتهي الشرعية” على اعتبار أن مجلس الإدارة الحالي جدد لنفسه دورات بالمخالفة لقانونه المنظم ولوائحه الداخلية القاضية بأن الحد الأقصى لمجلس الإدارة دورتان فقط مدة كل دورة عامان، إلى جانب تبني المجلس سياسة الفصل والتجميد والإقصاء للأعضاء المخالفين ودعوة الجمعية العمومية إلى الانعقاد قبل الموعد المحدد بأسبوع واحد ما يحرم الكثيرين من متابعتها.
من الأمور الأخرى التي رفعت أصوات الاحتجاج ضد الاتحاد ومجلسه منحه عضويته وجوائزه لأسماء غير معروفة، منهم حلمي القاعود الذي فاز بجائزة التميز الأدبي عن مجمل أعماله في أكتوبر الماضي وسط تأكيد المثقفين والأدباء تهافته الأدبي وانتماءه لجماعة الإخوان الإرهابية.
وابتعد اتحاد الكتاب عن دوره في رعاية الأدباء والاحتفاء بهم فنيًّا ومعنويًّا واجتماعيًّا وصحيًّا بدعوى عدم وجود مخصصات مالية على الرغم من وجود تبرعات معلنة عالية القيمة لصالح الاتحاد، ما دفع البعض إلى التشكيك في الذمة المالية لمسؤوليه والتساؤل أين ذهبت المخصصات والتبرعات؟
وتعرض مجلس الاتحاد إلى هزة موجعة في يناير الماضي بعد ما أثير عن سحب حق ترشيحه للأدباء المصريين لجائزة “نوبل” في الآداب بسبب ترشيح الاتحاد رئيسه علاء عبدالهادي لجائزة نوبل أكثر من مرة بالمخالفة للوائح الأكاديمية السويدية، الأمر الذي نفاه المستشار القانوني لاتحاد كتاب مصر معتبرًا أنه شائعة لتشويه صورة المجلس.
اتحاد الكتّاب ابتعد عن دوره في رعاية الأدباء والاحتفاء بهم فنيًّا ومعنويًّا واجتماعيًّا وصحيًّا وغرق في الصراعات
وتأتي واقعة السرقات الأدبية التي نال عنها الشاعر المغمور مصطفى أبوزيد عضوية اتحاد كتاب مصر لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث فجرت الاحتجاجات صوب الاتحاد ومجلس إدارته على نحو غير مسبوق خلال الأيام القليلة الماضية.
المثير أن أبوزيد تقدم للاتحاد بخمسة أعمال معظمها من الشعر المنتحل والقصائد المأخوذة من الشاعر نزار قباني، منها قصيدته الشهيرة “اختاري” التي غناها المطرب العراقي كاظم الساهر.
وعلى الرغم من فجاجة هذه السرقات التي امتلأت بها الدواوين التي تقدم بها للاتحاد ومنها “حروف من حب” و”أنا والشوق” و”أنا العاشق” و”حكاية قلب”، فإن تقرير الفحص الذي أجاز عضوية الشاعر لم ينتبه لهذه السرقة، بل إن تقرير الاتحاد الفضائحي جرى تسريبه وبثه عبر فيسبوك وتضمن إشادة بأعمال الشاعر، واصفًا إياها بأنها “تنم عن تمكن الشاعر من اللغة هذه الأداة المهمة من أدوات الشعر، وجاء حرصه على ضبطها بالشكل تأكيدًا لهذا التمكن الملموس، كما أن جودة البناء الفني وتسلسل المحاور التي تدور حولها أفكار قصائده واضحة، ولا يمنع هذا الوضوح كون قصائده نثرية، فقد اعتمد لإنجاح معماره الفني على الصورة الشعرية التي لوّنها في كثير من الأحيان بمهارة”.
وما زاد الطينة بلة أن مجلس إدارة الاتحاد بدلًا من أن يخجل مما حدث ويقدم اعتذارًا، فإنه مع إحالته الشاعر المدان إلى التحقيق فقد أحال معه العشرات من الأعضاء الذين اتخذوا هذه الواقعة مبررًا لانتقاد سياسات الاتحاد وممارساته إلى التحقيق واللجان التأديبية، ومنهم الشاعران سامح محجوب وأشرف أبوجليل والكاتب أحمد عبدالرازق أبوالعلا والشاعر أحمد سويلم الذي لم يكد يعلم بتحويله إلى التحقيق حتى أصدر بيانًا يعلن فيه انسحابه “من هذا المناخ غير الصحي وغير المسبوق والمهاترات التي لم يشهدها الاتحاد على مدى تاريخه المشرف”، مطالبًا مجلس الاتحاد في خطاب رسمي بالموافقة على تجميد عضويته حتى تنتهي فترة رئاسة علاء عبدالهادي.
البحث عن حلول
دعا كتّاب وأدباء آخرون على رأسهم الناقد شوكت المصري إلى إنشاء نقابة بديلة للأدباء لرعاية شؤونهم ومصالحهم في ظل غياب دور “نقابة اتحاد كتاب مصر” تلك التي يلخص الأدباء دورها الحالي في “إصدار بيانات التعزية والنعي”.
ولقيت فكرة إنشاء نقابة للأدباء حماس البعض، إلا أن آخرين رأوها بعيدة المنال لاصطدامها بعوائق قانونية قد تعرقل اعتماد نقابة جديدة تنافس نقابة كائنة بالفعل تحمل اسم اتحاد الكتاب، وذهب هؤلاء المعترضون إلى أن الحل الأفضل هو توحيد الصفوف والاحتشاد لمقاومة الفساد في اتحاد كتاب مصر والعمل على إصلاح أوضاعه المزرية.
ويؤكد الكاتب أحمد سراج لـ”العرب” أن اتحاد كتاب مصر حين يعطي جائزة تفوقه وتميزه لناقد رجعي اعتبر في كتابه “الورد والهالوك” أن حركات التجديد هي حركات تدميرية، وهذا الناقد مدان في قضايا تتعلق بالإرهاب، وحين يحصل كاتب على عضوية الاتحاد بقصائد مسروقة، وحين توقف نوبل تعاملها مع اتحاد كتاب مصر لأن رئيس مجلس إدارته يرشح نفسه، وحين يطالب هذا الرئيس بمحاكمة المعترضين على الحوادث السابقة فنحن “أمام كارثة ومنحة”.
وجه الكارثية هنا هو انعدام المسؤولية وعدم جدارة هؤلاء بهذه المناصب، ومنحة لأن الاتحاد يطهر نفسه حين يظهر هؤلاء على حقيقتهم. ولا يدعو الأمر إلى إنشاء كيان بديل، لكن يدعو إلى تفعيل القانون؛ فمجلس الإدارة انتهت مدته القانونية منذ أكثر من عام وعرقل إجراء انتخابات التجديد النصفي بدعوى قضائية قام بها أحد الأعضاء الذين كانوا سيخرجون في التجديد، وعلى مدار ستة أعوام تم التنكيل بالأعضاء المعارضين.
ويرى سراج أن ثمة حلًّا يجب أن تقوم به وزارة الثقافة الجهة الإدارية المنوط بها هذا الشأن، وهو تعيين مجلس إدارة مؤقت لتسيير الأعمال لا يكون أعضاؤه من الموجودين في المجلس ولا من المرشحين.
كما أن اتحادات الكتّاب العربية عليها أن تقوم بانتخابات جديدة لاختيار رئيس لها؛ فقانونًا انتهت رئاسة علاء عبدالهادي للاتحاد المصري، وهي التي تؤهله لخوض الانتخابات، وسواء قامت وزارة الثقافة بتعيين مجلس أو هيئة مكتب إلى حين إجراء الانتخابات أم لا فمنصب رئيس اتحاد الكتاب العرب شاغر قانونًا.
ويضيف سراج أنه باعتذار الكاتب محمد سلماوي عن رئاسة مجلس اتحاد الكتاب المصري فقد انفصل الاتحاد عن الدور السياسي، وهو العيب الثاني بعد عدم تداول السلطة واحتلال علاء هذا المنصب هو أثر جانبي لما جرى وأثرٌ يمكن احتماله وإنهاؤه بانتخابات حرة رغم المئات من العضويات التي وافق عليها هذا الرجل.
وأصدر العديد من الأدباء بيانات ضد سياسات اتحاد كتاب مصر نشروها على صفحاتهم على فيسبوك، منهم الشاعر فتحي عبدالله الذي كتب متسائلًا “ماذا يعني اتحاد كتاب مصر؟ يعني أنه نقابة لكل الذين يمارسون الكتابة الإبداعية فقط، ومنذ إنشائه وهو مؤسسة تابعة للدولة وتحت وصايتها ولا أهمية له في الدفاع عن الثقافة المصرية ولا المثقفين”.
استقالات واحتجاجات وتقارير سريّة تضع الاتحاد في وضع صعب ومجلس إدارته يردّ بإحالات إلى التحقيق ولجان تأديبية
ويشير الشاعر سامح محجوب المحال إلى التحقيق ولجنة التأديب لانتقاده سياسات الاتحاد لـ”العرب” إلى أنه منذ اختطاف مجلس إدارة للاتحاد وهو يحاول بكل الطرق تعبيد الطريق لنفسه للوجود أكبر وقت ممكن في إدارة الاتحاد، وتجلى ذلك في تعطيله انتخابات التجديد النصفي أكثر من مرة إلى جانب العديد من الممارسات الملتوية التي ينفرد بها مكتب الاتحاد دون وجه حق، حيث إنه الآن في حكم القائم بالأعمال حتى إجراء الانتخابات وهذا لا يعطيه الحق في أشياء كثيرة، ناهيك عن بعض الممارسات التي راكمها المجلس لخلق كتل تصويتية لصالحه. ومعروف أن أكبر نسبة قيد حدثت في تاريخ اتحاد كتاب مصر كانت في السنوات الخمس الأخيرة ومعظمها تشوبه الريبة.
ويقول محجوب “إن معظم أعضاء لجنة القيد بالاتحاد يمتلكون دورًا للنشر ومعظم من حصلوا على هذه العضويات طبعوا كتبهم عندهم، بمعنى أنهم تحولوا إلى الخصم والحكم، كما أن معظم من حصلوا على العضويات لا يتمتعون بالمستوى اللائق باتحاد كتاب يفترض أنه للراسخين في الكتابة، الأمر الذي كشفته واقعة السرقة الأخيرة التي وصلت إلى درجة غير مسبوقة من الفجاجة”.
ويأتي ذلك إلى جانب “السقطة الكبرى بمنح جائزة التميز في النقد الأدبي لكاتب إخواني معروف (حلمي قاعود) بترشيح وإجماع أعضاء مجلس الاتحاد وترشيح علاء عبدالهادي نفسه لجائزة نوبل مرتين، ما دفع القائمين على أمر الجائزة في المؤسسة السويدية إلى إسقاط حق اتحاد كتاب مصر في ترشيح الكتاب المصريين للجائزة، وهي كلها سقطات تجعل الاتحاد كيانًا وهميًّا متكلسًا”.